كتبته لصحيفة “نيويورك تايمز”: آنا ساوربيري
نُشِر بتاريخ: 4/10/2018
ترجمة: مازن سفّان
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
تقريباً بعد ثلاثين عام من الاتحاد، أصبحت المنطقة الشيوعية السابقة مرتعاً لليمين المتطرف.
برلين، في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول احتفل الألمان بيوم الاتحاد؛ وهو اليوم الذي مضى عليه ثمانية وعشرون عاماً منذ أصبحت ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية دولة واحدة من جديد؛ هذا العام بدلاً من الاحتفال بالاتحاد يتنامى إحساس عام بالنفور، ويبدو أن ألمانيا ستعود لتصبح شرقية وغربية.
منذ عدة أسابيع، طُعِن شاب حتى الموت في (شيمنتز) وهي مدينة في شرق ألمانيا، تم بعد الحادث القبض على طالبي لجوء على صلة بالاعتداء. انطلقت مظاهرات ضخمة جابت شوارع المدينة، سيطر عليها المئات من أنصار اليمين المتطرف، ورفع البعض أيديهم بتحية هتلر، وهوجمت قوات مكافحة الشغب والصحفيون بالألفاظ والعنف الجسدي، وألقى الحشد الحجارة على مالك مطعم يهودي.
اندلعت مظاهرات مماثلة في (كوتهين)؛ مدينة تقطنها ثلاثون ألف نسمة في ولاية شرق ألمانيا ساكسون-أنهالت، اعتقلت الشرطة يوم الإثنين سبعة أشخاص خططوا لتنفيذ هجمات على السياسيين والأجانب يوم الأربعاء.
هذه الأحداث ليست عشوائية، فبينما تقل نسبة العنف الذي يرتكبه المتطرفون اليمينيون منذ عام 2016، إلا إنه ما يزال متكررا في الولايات الخمسة الشرقية أكثر منها في الغربية، وذلك وفقاً للتقرير السنوي لجهاز المخابرات الألماني الداخلي، وأيضاً هناك الإحصاءات؛ الولايات الشرقية في (براندنبرغ) وساكسونيا ستعقد انتخابات في أيلول المقبل، ويعتقد خبراء الإحصاء أن الولايتين ستعلنان فوز حزب ألمانيا البديل وهو الحزب الشعوبي اليميني المتطرف.
كانت ألمانيا الشرقية، بالطبع، دولة شيوعية، وأصبحت اليوم ملاذاً للتعاطف مع اليمين المتطرف ومحل للكراهية الصريحة؛ ماذا حدث؟
أثار هذا السؤال حفيظة (وولفانغ ثيريز) وهو ديمقراطي اشتراكي، والرئيس السابق للبرلمان الألماني حيث ترعرع في ألمانيا الشرقية؛ في سبعينات القرن الماضي عمل لفترة قصيرة في وزارة الثقافة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية أو ما يعرف بألمانيا الشرقية، لكن تم التخلي عن خدماته بعد رفضه لمناصرة طرد المغني الشعبي (ولف بيرمان)، الذي كان ناقداً للحكومة الشيوعية. أخبرني السيد (ثيريز) أن: “لا يوجد شيء اسمه الشرق”، ويقول إن ألمانيا الشرقية ليست مكاناً واحداً بل خليط من مناطق الازدهار والإبداع والابتكار الاقتصادي مجاورة لمناطق من البؤس الاقتصادي واليأس.
تنعكس تقديرات السيد (ثيريز) في التقرير الحكومي السنوي عن ولايات الاتحاد الألماني الذي تم تقديمه الأسبوع الماضي، بينما ترتفع الأجور والمعاشات وتنخفض البطالة، فإن ولايات الشرق السابق تتخلف بنسبة الدخل عن ولايات الغرب السابق بنسبة 15%، يمارس الاقتصاد الشرقي بعض الأعمال التجارية، لكنه يمتلك عدداً قليلاً من الشركات الكبيرة واهتماماً أقل بالاستثمار الدولي، ويمتلك الشرق الألماني توزيعاً سكانياً قديماً، ويتم الاحتياج لوقت مضنٍ لإيجاد عمال مؤهلين.
الاختلافات الاقتصادية هي إحدى قِطع الأحجية التي تفسر لماذا يتجه الشرق نحو اليمين المتطرف، تركز بعض التفسيرات الأخرى على الإرث الثقافي السياسي لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، ويعتقد الكثيرون في ألمانيا أن المستشارة أنجيلا ميركل فرضت رأيها باستقبال عدد أكبر من طالبي اللجوء، لكن الألمان الشرقيون، الذين عاشوا في ظل نظام استبدادي، تفاعلوا بشكل أقوى مع القرار الذين يظنون أنه لم تتم استشارتهم فيه.
ثانياً، في الشرق عدد أقل من المهاجرين، والناس هناك يفتقرون لفرص تفاعل معهم، وبالتالي تتملكهم مخاوف غير عقلانية منهم، ويزعم البعض أن الألمان الشرقيين، الذين لم يتعلموا كيف تكون الديمقراطية، من السهل إحباطهم بعمليات الديمقراطية المملة التي تأتي غالباً بنتائج أقل من المثالية.
يشدد (جوهانس ستاملر) على نقطة مختلفة؛ وُلد السيد (ستاملر) في مدينة (درسدن) الشرقية عام 1982، وهو مؤسس مشارك لـ (الجيل الشرقي الثالث)، وهي شبكة من المهنيين الشباب من سكان الشرق الألماني، ويعمل اليوم عالماً ومستشاراً في مؤسسة أبحاث في مدينة (بوتسدام)، خارج برلين. يشير (ستاملر) إلى إن الكثيرين ممن انضموا إلى مظاهرات اليمين المتطرف أو من صوتوا لحزب ألمانيا البديل هم صغار جداً لتكوين ذكريات عن جمهورية ألمانيا الديمقراطية، لكنهم يتذكرون بالتأكيد التغيرات الجذرية التي حدثت بعد عام 1990: الخصخصة، الموت السريع لصناعات ألمانيا الشرقية والذي تلاه فقدان الناس لأعمالهم.
السيدان (ستاملر) و(ثيريز)، المولودان في الشرق، لهما صوت مسموع واحترام في كلا القسمين الجغرافيين من ألمانيا، وفوق كل هذا فإن النقاش حول ما يحصل في الشرق تُسيطر عليه أصوات غربية، حتى بعد ثمانية وعشرين عاماً من اتحاد ألمانيا فإن أغلب الصحفيين البارزين وصناع القرار والسياسيين المؤثرين غربيون.
لذا عندما تناقش ألمانيا ميل الشرق نحو اليمين المتطرف، فإن التنازل يتلخص حتماً في: من أجل مصلحة النقاش، فإن ألمانيا الشرقية ليست مفصولة عن بقية البلاد، والحدود التاريخية تتم إعادة رسمها؛ في هذا الانقسام القديم/الجديد يتم التقليل من شأن الألمان الشرقيين بتحويلهم إلى أدوات للتحليل والدعاية السياسيّة، على إنهم لم ينخرطوا في المحادثة من الأساس.
الغرب والشرق يشبهان أقارب غير متساوين، حيث يحب الأقوى منهم أخاه الصغير والقبيح ويتقبل تصرفاته المنحرفة النابعة جرّاء تعرضه للأذى، لكنه بنفس الوقت يبقى يعتني به؛ هذا الاستعباد للألمان الشرقين من قبل التحليل النفسي الغربي هو دراما سياسية بحد ذاتها، ويبدو أن الألمان الشرقيين، حتى في أكثر تصرفاتهم عنفاً وتصميماً لا يمكن أن يصبحوا تابعين لأحد.
“نعم يبدو أن الألمان الشرقيون وُضعوا على الهامش”، هذا ما أجاب به السيد (ستاملر) عندما قدمت له هذا التأويل، بالنسبة له فالتحليل العام الحالي لا يحرم بالضرورة من الحق في التصويت، ويقول إن هذا يمكن أن يكون شيئاً من التمكين السياسي؛ فجأةً يذهب الناس الذين حُرموا لعقود من التصويت إلى صندوق الاقتراع، ويمكن ألا يصوتوا للحزب الذي يريد منهم بقية الشعب أن يصوتوا له، لكنهم على الأقل مارسوا حقهم السياسي ولفتوا نظر الأمة لهم؛ “يمكنك النظر إلى هذا، أياً يكن على الهامش فإن له الحق في التحدث”.
بأية طريقة، فإنها اللحظة المناسبة للحديث، يمكن أن تعني هذه اللحظة التحدث إلى شخص يصرخ عليك، كما يوضح السيد (ستاملر)، لكن من المفيد تجربة هذا على أية حال، بدلاً من ترك الألمان الشرقيين يغوصون في صمت مزعج.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا