الرئيسية / ثقافة / قراءة في كتاب… بنادق،جراثيم، صُلب: مصائر المجتمعات البشرية.

قراءة في كتاب… بنادق،جراثيم، صُلب: مصائر المجتمعات البشرية.

“انه كتاب بارع، غني بالمعلومات وتنويري” هكذا وصف المؤرخ ويليام ماكنيل كتاب ، بنادق،جراثيم، صُلب: مصائر المجتمعات البشرية.

لقد حدد ماكنيل مقاربتين متناقضتين للتاريخ:”مقاربة تركّز على استقلال التطورات الثقافية -التي يفضلها ماكنيل بنفسه، بينما المقاربة الثانية هي التي يُركّز كتابي عليها هي تأثير العوامل البيئية.

من دون التشكيك بمقاربة ماكنيل الا ان خلافاتنا تنشأ من مقاييس تاريخية مختلفة ، فتركيزي ينصب على المرور على القارات باكملها منذ العصر الجليدي الاخير للارض وتبيان أثر التغيرات البيئية على الثقافات المختلفة، بينما هو يركّز على مناطق اصغر بكثير وفي اوقات اقصر من التاريخ.

إن انماط اوسع من التاريخ ستتكشف في قارات مختلفة على مدى ال13000 سنة الماضية ، حيث كان البشر عبارة عن تجمعات من الصيادين مع ادواتهم الحجرية في عصر ماقبل الكتابة.

ولو اخذنا عام 1492 كمثال لوجدنا ان النمط البدائي كان موجودا في استراليا والجزء الاكبر من الامريكيتين وبعض صحارى افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن المجتمعات الاورو-اسيوية هي تجمعات سكنية تمتلك دويلات ، لديها الكتابة، والتكنولوجيا، والحديد والجيوش ،وهذا هو السبب الذي حدا بالشعوب الاورو-اسيوية-وخصوصا الاوربيين- الى غزو الشعوب الاخرى .

لماذا اخذ التاريخ هذا المسار؟ لماذا لم يكن الافارقة هم الغزاة بدل الاورو-اسيويين؟

ان اختيار نمط اوسع من التاريخ لحل هذا السؤال الكبير -الذي لم يحل -سيكون مناسبا ،وقلما تطرق اليه المؤرخون.

ان التركيز اليوم على تاريخ العالم منذ 3000 سنة قبل الميلاد، وفي الدول الاوربية- الاسيوية فقط، اي منذ ظهور القراءة والكتابة. وحتى هذه القفزة الحضارية لم تأتِ بالصدفة حيث تمتلك سوابق طويلة من الاسباب البيئية الواضحة ، فلا يمكن القفز من المجتمعات البدائية الى دول متطورة تستخدم الكتابة والتكنولوجيا المعدنية او جيوش دائمة من لاشيء، فهذه التطورات اعتمدت على الانتاج الغذائي”الزراعة والرعي” والتي نشات بشكل مستقل في اجزاء مختلفة في اوراسيا قبل 8000 سنة قبل الميلاد.

نَتَجَ من ذلك كثافة سكانية،تخزين الاغذية،ظهور الطبقات الاجتماعية ، المركزية السياسية التي ادت الى ظهور المشيخات”حوالي 5500 قبل الميلاد””،ومن ثم ظهور الادوات المعدنية”4000 قبل الميلاد” والدويلات”3700 قبل الميلاد”والكتابة”3200 قبل الميلاد”بينما في الامريكيتين كان صعود العمليات الزراعية ابطا بكثير ،وكذلك الكتابة ، والدويلات، وهلم جرا اي لم تظهر الا بعد الاف السنين من ظهورها في اوراسيا .

هذا التضاعف للقوة عبر الاف السنين قادت الشعوب الاورو-اسيوية الى ان تُبحر في نهاية المطاف وان تقهر الشعوب الاخرى ، وبالتالي فان: البنادق، الجراثيم، الصلب، يناقش الاختلافات بين البيئات القارية المسؤولة عن رئاسة اوراسيا للحضارة.

ولنبدأ بسرد الاختلافات التي تبدأ من الانواع النباتية والحيوانية المناسبة للتدجين ،، المناطق القارية الواسعة، العزلة، الفؤوس، الحواجز الجغرافية الداخلية.

اخطاء السيد ماكنيل تتضمن ان التطورات الثقافية انتشرت بصورة مستقلة عن الاختلافات البيئية واخذه لفترات تاريخية اقصر ومناطق اصغر، ولكن على مدى مئات الاجيال من التاريخ البشري مابعد العصر الجليدي ، وعلى مدى مساحة واسعة من انتشار البشر في التجمعات السكانية والاختلافات الثقافية، اصبحت الامور تفرضها القيود البيئية.

فاستراليا مثلا، لم يكن اختلافها بسبب تطورات ثقافية مستقلة، وانما عوامل بيئية هي المسؤولة عن ذلك، فاستراليا اصغر مساحة واقل انتاجية ؟، بل انها القارة الاكثر عزلة، مع عدم وجود انواع من الحيوانات البرية القابلة للتدجين في ذلك الوقت، هذا هو الذي قاد الى الاختلافات على المدى الطويل بين استراليا والقارات الاخرى.

يجب ان تؤخذ الامور بعواملها السابقة عليها ، اذن،لفهم ماساة الحرب العالمية الثانية يجب ان نفهم الثقافات المتناقضة في كل من المانيا وفرنسا ودول اوربية اخرى في عقود سابقة ، وهذا هو النهج التقليدي للتاريخ، والذي لسنا بحاجة للدفاع عنه.

لذلك لكي نفهم لماذا تم تدمير مجتمعات امريكا الاصلية من قبل المجتمعات الاورو-اسيوية يجب ان ناخذ بعين الاعتبار التطورات الرائدة على مدى 13000 سنة، من البنادق، الجراثيم، الصلب في اوراسيا، والتي لم تحصل في الامريكيتين، يجب علينا استكشاف البيئات البايولوجية والفيزيائية المختلفة التي عملت على تشكيل الثقافات الانسانية المختلفة، نعم ان الاجابة تعتمد على الجغرافيا البيولوجية، علم الوراثة الخلوية للمحاصيل، تطور الجراثيم ، سلوك الحيوان، وغيرها من المجالات البعيدة عن تدريب المؤرخين.

فشل المؤرخين بشرح اوسع نمط للتاريخ يترك لنا فجوة اخلاقية هائلة، ففي غياب تفسيرات مقنعة فان اغلب الناس يلجاون-بوعي او بدون وعي- الى افتراضات العنصرية، حيث ذكاء الفاتحين وثقافتهم المتفوقة هي التي جلبت لهم الانتصار.ان انتشار النظريات العنصرية هو السبب الاقوى لدراسة العوامل البيئية على المدى الطويل من التاريخ البشري.

رابط المقال: هنا

وثائقي مستوحى من الكتاب: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف تركز على شيء واحد فقط

نشر في: موقع فوكس تأليف: ريبيكا جينينغس بتاريخ: 4 سبتمبر 2019 ترجمة: مازن سفان تدقيق …

هل تجعلنا قراءة قصص الخيال أشخاصاً أفضل؟

تقديم: كلوديا هاموند ترجمة: ياسين إدوحموش تصميم الصورة: امير محمد كل يوم يُباع أكثر من …