كَتَبَهُ لموقع “مارك مانسون دوت نت”: مارك مانسون
منشور بتاريخ: 2013
ترجمة: أسامه العبادي
تدقيق: عقيل صكر
تصميم: مينا خالد
قبل خمسمائة عام، اعتقد راسمو الخرائط: بأن كاليفورنيا جزيرة. اعتقد الأطباء في ذلك الوقت أيضاً أنك إن أحدثتَ فتحاً في ذراعك ونزفت في كل مكان فإن ذلك سيُشفي المرض. اعتقد العلماء أن الحريق ينشأ من مادة اللاهوب الكيميائية. اعتقدن النساء أن مسح وجوههن ببول الكلب؛ له فوائد في معالجة تقدّم السن. كما اعتقدَ علماء الفلك أن الشمس تدور حول الأرض.
عندما كنت طفلاً صغيراً، كنتُ أفكر أن كلمة “وسطي” هي نوع من الخضروات، وأنني لم أكن أريد أكلها. كنت أعتقدُ بأن أخي قد عثر على ممرٍ سرّي في منزل جدتي، لأنه كان يستطيع أن يذهب إلى خارج المنزل؛ دون أن يغادر الحمام (كان هناك نافذة في الحمام). كما أنني اعتقدتُ أيضاً أنه عندما كان صديقي وعائلته في زيارة إلى “واشنطن بي سي” فإنهم حتماً سافروا عبر الزمن إلى الوراء؛ بشكل ما إلى وقت عاشت الديناصورات، لأنه وعلى العموم، “بي سي” كانت قبل زمن طويل.
عندما كنت مراهقاً، أعتدتُ أن أجرّب أن لا أكترث لشيء، في حين كانت الحقيقة أنني اكترثتُ أكثر من اللازم. كنت أعتقدُ أن السعادة قدر وليست اختياراً. أعتقدتُ أن الحب شيء يحدث تلقائياً؛ وليس شيئاً يُعمل لأجله. اعتقدتَ أنك كي تكون “شخصاً بارد الأعصاب” عليك التدرّب والتعلّم من الآخرين؛ عوضاً عن أن تكتشف ذلك بنفسك.
عندما كنتُ مع صديقتي الأولى، اعتقدتُ أنها لن تتركني. ثم بعدما تركتني، اعتقدتُ أنني لن أحس بما أحسسته معها مجدداً مع فتاة أخرى. وعندما حصل وأحسستُ ما أحسسته مع غيرها، اعتقدتُ أن الحب وحده لم يكن كافياً أحياناً. وبعدها أيقنت أنك أنت من تقرّر متى كان الشيء “كافياً”، وأن الحب يمكن أن يكون أي شيء تريده أن يكون لك، إن اخترت أنت ذلك.
في كل خطوة عبر الطريق كنت مخطئاً. حيال كل شيء. خلال حياتي كلها، كنت مخطئاً تماماً عن نفسي، الآخرين، المجتمع، الثقافة، العالم، الكون، كل شيء. وأتمنى أن يستمر الحال هكذا لبقية حياتي.
تماماً كما هو الحال عندما ينظر “مارك الحالي” إلى “مارك السابق” في هفواته وأخطائه، في يوم من الأيام سينظر “مارك المستقبلي” إلى افتراضات “مارك السابق” وسيلحظ هفوات مماثلة. وسيكون هذا شيئاً جيداً. لأن ذلك سيعني بأنني نضجت.
هنالك ذاك الاقتباس الشهير لـ “مايكل جوردان” حول الفشل مراراً وتكراراً، وهذا هو سبب نجاحه. حسناً، أنا دائماً مخطئ حيال كل شيء، وذلك سبب تحسّن حياتي.
نحن لا نريد أن نسمع بأننا مخطئون. ولكننا نحتاج ذلك حتّى ننضج
المعرفة هي عملية تتضمّن تكرارات لا نهائية. نحن لا ننتقل من “الخطأ” إلى “الصواب” بمجرد معرفتنا للحقيقة. ولكننا ننتقل من كوننا مخطئين جزئياً إلى مخطئين بشكل أقل – إلى مخطئين بشكل أقل من ذلك -، وهكذا دواليك. نحن نقتربُ من الحقيقة؛ ولكننا لا نصلها أبداً.
ولذلك، ومن منظور السعادة، فإننا يجب أن لا نبحث عن الجواب المطلق “الصواب” لأنفسنا، وإنما يجب علينا أن نفتش عن الطرق الخاطئة التي نتبعها اليوم؛ كي نكون أقل خطئاً غداً.
حينما ننظر من هذا المنظور، فإن التطوير الذاتي يمكن أن يكون علمياً جداً. النظريات هي معتقداتنا. أفعالنا وتصرفاتنا؛ هي التجارب. المشاعر الداخلية الناتجة وأنماط التفكير؛ هي بياناتنا. نستطيع حينها أن نأخذ تلك البيانات ونقارنها بمعتقداتنا الأصلية، وأن نمزجها بفهمنا الكلي لاحتياجاتنا وتكويننا الإحساسي للمستقبل.
هذا المقترب للتطوير الذاتي هو المتفوّق، لكونه يعتمد على التجربة أولاً، وعلى التفسير المناسب للتجربة من خلال الأنظمة المعتقدية المختلفة؛ ثانياً.
على سبيل المثال، دعنا نقول أنك تطمح لأن تكون كاتباً محترفاً. لديك افتراضات وضعتها عن نفسك – أنت مبدع – أنت تحب أن تعبّر عمّا في نفسك، يستمتع الناس بما تكتبه، ستكون سعيداً إن كتبتَ كل يوم، وهكذا دواليك. وتريد الآن أن تتبع هدفاً نهائياً؛ بتحويل ذلك إلى مهنة احترافية.
أتلقى الكثير من الرسائل الالكترونية؛ من أشخاص في هذا الموقف، وجميعهم يسألون السؤال ذاته، “ماذا علي أن أفعل؟”.
الجواب سهل. عليك أن تكتب كثيراً.
عليك أن تختبر تلك المعتقدات في العالم الحقيقي، وتجمع ردود أفعال حقيقية؛ ومعلومات حسّية من الناس. من الممكن أن تجد أنك لا تستمتع في الحقيقة بالكتابة كل يوم؛ كما كنت تعتقد. من المحتمل أن تكتشف أن لديك الكثير من المشاكل في التعبير عن ذاتك؛ في أفكارك الفاتنة، ممّا كنتَ تعتقد. تدرك بأن هناك الكثير من الفشل والرفض المرافقين للكتابة، وذلك يحول دون الاستمتاع بها بعض الشيء. تكتشف أيضاً أنك تقضي وقتاً أطول في تصميم موقعك الالكتروني والعرض التقديمي؛ ممّا تقضيه في الكتابة، وبأن ذلك عينه ما تستمع بعمله.
وبذلك فإنك تدمج هذه المعلومات الجديدة وتعدّل في أهدافك وتصرفاتك على نحو مماثل.
وهذا بالمختصر ما يدعى بالحياة. أو على الأقل ما يجب أن تكون عليه الحياة. ولكن في مكان ما في الطريق، نصبح جميعنا مهووسين جداً بأن نكون على “صواب” حيال حياتنا بحيث أننا لا نعيشها في النهاية.
أحياناً ما نقول بأن الناس لا يخطّون خطوات لأنهم خائفون من الفشل. أنتِ عزباء ووحيدة وتريدين حبيباً؛ ولكنك لا تخرجين من البيت لفعل شيء. أو أنكَ تعمل ليل نهار وتعتقد بأنك تستحق ترقية؛ ولكنّك لا تواجه مديرك حيال الأمر. الحكمة التقليدية في هذه الأمور بأنك ببساطة تخاف من الفشل، أو الرفض، أنت تخاف من أن يقول شخص “كلا”.
ولكن الأمر يتعدى ذلك. بالطبع، الرفض مؤلم. الفشل مخزٍ. ولكن هنالك أمور يقينية نتمسك بها؛ ونخاف أن نشكك بها أو نتخلّى عنها، أمور تلبي احتياجاتنا وتعطي حياتنا معنى. تلك المرأة لا تخرج من بيتها وتواعد أشخاصاً لأنها ستكون مضطرة لأن تواجه يقينها حيال رغباتها واحترامها لذاتها.
ذلك الرجل لا يطلب الترقية لأن ذلك يعني أن عليه أن يواجه يقينه حيال قيمة عمله؛ وهل هو فعلاً منتج أم لا.
هذه الأمور اليقينية مصممة لتمنحنا راحة معتدلة في الوقت الحالي عن طريق رهن السعادة لاحقاً. تلك الأمور هي استراتيجيات فظيعة للأمد البعيد. هذه هي الأمور اليقينية التي تبقينا في مكاننا وبعيدين عن الاتصال. هذه الأمور هي ما تدفع الناس لليأس والتعصّب والتطرّف.
الوصول إلى منزلة رائعة في الحياة؛ متعلّق بشكل ضئيل بإمكانية أن تكون على صواب دائماً؛ وبشكل أكبر، بإمكانية أن تكون على خطأ على الدوام.
ما هو الأمر الذي أنت في خطأ فيه اليوم والذي من الممكن أن يقودك إلى التطور؟
لذا قم بتجربة الأمر. افترض أنك على خطأ (حيال كل شيء). انظر إلى أين يقودك ذلك. مهما كان ما تعاني منه في الوقت الحالي، تمرّن على بعض من عدم اليقين. اسأل نفسك، “ماذا لو كنت على خطأ حيال هذا الأمر؟” لأنني أستطيع أن أقول لك بأنك كذلك. أنت على خطأ حيال ذلك وحيال كل شيء آخر أيضاً، تماماً مثلي وتماماً كأي شخص أخر.
وهذه أخبار جيّدة.
لأنك أن تكون على خطأ يعني التغيير. أن تكون على خطأ معناه التقدم. إنه يعني أنك لن تحدث فتحاً في ذراعك لتعالج نزلة برد، أو أن ترشّي بول كلب على وجهكِ لتَظهري شابة من جديد. إنه يعني أن لا تعتقد بأن “الاعتيادي” هو خضروات أو أن تكون خائفاً من أن تعير انتباهاً.
في خلال خمسمائة عام من الآن، سيشير البشر إلينا ضاحكين كيف أننا تركنا السعي وراء المال والعمل – اللذان – يحدّدان حياتنا. سيضحكون كيف أننا كنا خائفين من أن نبدي عرفاننا لأولئك الذين يهموننا بشكل خاص. سيضحكون على طقوسنا وخرافاتنا، على مقالقنا وحروبنا. سيحدقون ببلاهة على وحشيتنا. سيدرسون فنوننا ويتناقشون في تاريخنا. سيفهمون الحقائق عنا بشكل نجهله؛ تماماً في وقتنا الحالي.
وفي ذلك الوقت، سنكون على الأغلب مخطئين في كل شيء تقريباً. مثلما سيكونون هم مخطئين تماماً، وإن كانوا أقل خطئاً.
ومن الممكن، من المحتمل – على أمل – أن ينظروا إلى عالما ويفكرون، “ياللهول، كيف عاشوا هكذا؟”.
المصدر: هنا