كتبه لموقع “بيغ ثينك”: سوتي هيندريكس
منشور بتاريخ: 6/7/2018
ترجمة: ياسر منهل
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
لا يعد ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من انقسام سياسي بالأمر الجديد، فهذا ما كان الحال عليه لعقود مضت؛ هذا ويعتقد 55% من الأميركيين بأن بلدهم الآن أقل اتحاداً مما كان عليه قبل تولي ترامب للسلطة، كما إن 13% من الأمريكيين قد اختلفوا واختصموا مع أصدقائهم على خلفية مواقفهم السياسية، لا بل إن الانقسام السياسي امتد ليشمل اختيار مناطق السكن بالنسبة للمواطن الأمريكي، حيث أصبحت الكثير من المناطق في أمريكا ذات مواقف سياسية متجانسة.
وفي الوقت الذي تثار فيه تساؤلات حول ما إذا كان هذا البلد قد شهد توحداً حقيقياً في أي فترة سابقة، تبرز بعض المخاوف حول خلاف الأطراف السياسية البارزة على مسائل اخلاقية أساسية وفي ظل العداء المتزايد تجاه أفراد أطراف المجتمع الأخرى، إذ يظهر ذلك مؤشرات قوية على إن هذا البلد قد وصل إلى نقطة الخطر.
لذا ليس من المستغرب أن نعلم بأن 31% من المشاركين، في استبيان (راسموسن) الشهير على سؤاله الذي يقول: “ما هي احتمالية قيام حرب أهلية أمريكية ثانية خلال السنوات الخمس القادمة؟”، أجابوا بأن قيام حرب أهلية ثانية هو أمر مرجح في حين إن 11% يَرَون بأن فرصة اندلاع حرب أهلية ثانية مرجح كثيراً.
كذلك وجد الاستبيان بأن ما نسبته 59% من الأمريكيين قلقون من العنف الذي قد يتسبب به أولئك الذين يعارضون سياسة ترامب، كما وإن 53% من الشريحة المشاركة في الاستبيان تخشى أيضاً من أولئك الذين يسخطون من أسلوب وسائل الإعلام في طريقة إظهار الرئيس ترامب ويخشون من أن يلجؤوا للعنف أيضاً.
هذه النتائج لم تكن متساوية بين كل شرائح المجتمع الأمريكي، فـ37% من الديمقراطيين المشاركين في الاستبيان يرون فرصة نشوب حرب أهليةٍ ثانيةٍ أمراً وارداً، أما الجمهوريون فقلقون حول احتمالية نشوب حرب أهلية أقل بقليل من نظرائهم الديمقراطيين وبنسبة 32%، أما النسبة بين غير المتحزبين فكانت 26%، كما يبين القائمون على هذا الاستبيان بأن شريحة النساء والرجال دون سن الأربعين أكثر قلقاً حول احتمالية نشوب حرب أهلية ثانية مقارنة بالرجال فوق الأربعين وكبار السن، كما تشير نتائج الاستبيان إلى إن البيض أقل قلقاً حول احتمالية اندلاع أعمال عنف مقارنة بنظرائهم من بقية عرقيات المجتمع الأمريكي.
ما مدى صحة ودقة هذا الاستبيان؟
تعد تقارير (راسموسن) واحدةً من أكثر استبيانات الرأي الأمريكية دقة وموثوقية، وهذا ما يشهد له تاريخها في العمل باستثناء بعض الزلات البسيطة هنا أو هناك، لذا لا يوجد مبرر للتشكيك بدقة المعلومات الواردة في هذا الاستبيان.
ولكن لا بد من القول بأن تقارير (راسموسن) تتعرض للانتقاد بسبب منهجية عملها الملتوية ومحاباتها للمحافظين، وقد بين السيد (نات سيلفر) مدير موقع خمسمائة وثمانية وثلاثون الإلكتروني الشهير، بأنه من المستبعد أن يكون الأشخاص الذين شاركوا في هذا الاستبيان على علاقة أو اتصال مسبق بـ(راسموسن) بسبب سياسة مؤسسة (راسموسن) القائمة على الاتصال بالهواتف الأرضية فقط، ويبين هذا الأمر سبب اعتقاد طاقم موظفي 538 بأن التقرير فيه شيء من المحاباة في انتقاء العينات من مناطق الجمهورين عند مقارنة استبياناتهم بالاستبيانات الأخرى.
وذكر آخرون مثل (جوناثان جايت) بأن طريقة صياغة بعض الأسئلة المطروحة في استبيان (راسموسن) تدفع الشخص للإجابة عنها بطريقة تظهر الشخص المجيب وكأنه يحمل وجهه نظر محافظة، ذلك إن طريقة صياغة السؤال ستؤثر بالتأكيد في طريقة إجابة الناس، وهذه نقطة هامة يجدر أخذها بالحسبان.
ما هو رأي الخبراء المختصين في هذا المجال؟
ويذكر الأمين السابق لحزب العمال (روبرت ريج) في سياق الحديث عن احتمالية وقوع حرب أهلية، بأن محاولات عزل ترامب قد تتسبب في اضطراب مدني خطير.
أما عضو الكونغرس عن ولاية (أيوا) (ستيف كينج) فيرى في تغريده له على تويتر “بأن أمريكا متوجهة إلى سيناريو مشابه لما حصل في معركة (هاربر فيري) التي قادها أحد معارضي العبودية للسيطرة على معمل للسلاح، لتشكيل جيش من العبيد لكنه فشل في ذلك، وبعدها سيتحول الوضع إلى سيناريو مشابه لما حصل في الحرب الأهلية من استسلام للحامية التي كانت متحصنة في حصن (سُمتر)”، هذا حسب راي ستيف كينج؛ ويبدو إنه حتى لو جزمنا بعدم احتمالية حصول حرب أهلية ثانية إلا إن هنالك اجماعاً على ترجيح احتمالية وقوع تصعيد في أعمال العنف والاضطراب.
هل يفترض بنا الآن أن نهاجر إلى أستراليا، أم ماذا نفعل؟
اتخذ هذا الاعتقاد شكل النبوءة المتحققة ذاتياً وبطرق عديدة، ذلك إنك لو اعتقدت بأن العنف على وشك الاندلاع من قِبل الطرف الآخر فإنك بكل تأكيد ستتصرف بناءً على هذا الاعتقاد، وكما يبين لنا التاريخ، قد تشمل ردة فعلك هذه بعض أعمال العنف الوقائية.
إن هكذا ردود فعل ستؤدي بالتأكيد إلى مزيد من التدهور والانفلات الأمني المتسارع، والحقيقة المؤكدة من ذلك هي إن الناس يعتقدون بأن ردود الفعل هذه ستعجل وتعزز من فرص وقوع أعمال عنف تؤدي بالنتيجة إلى نشوب حرب أهلية ثانية.
ولكن لو نظرنا للأمر من جهة أخرى، لوجدنا إن الأوضاع كانت تبدو أكثر قلقاً في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية الأولى مقارنة بما عليه الوضع في أمريكا اليوم، فالعنف السياسي في ولاية كنساس آنذاك حول مسألة الرق أدى إلى اندلاع أعمال حربية تصدرت أخبارها عناوين الجرائد لسنوات قبل انتخاب لينكولن رئيساً؛ ففي عام 1856 قام عضو كونجرس جنوبي بضرب عضو مجلس شيوخ شمالي بعكازته في مجلس الشيوخ على خلفية اعتراضات الأخير على العبودية والرق، وبعد هذه الحادثة بسنتين حصل شجار في البيت الأبيض على خلفية اعتراضات على قضايا مشابهة.
وازدادت الأمور سوءاً خلال فترة الانتخابات في عام 1860، إذ كان المتنافس الثاني في السباق الرئاسي المرشح الديمقراطي الجنوبي (جون بريكينريج)، والذي كان معروفاً بتعاطفه مع الأفكار الانفصالية، والذي أصبح لاحقاً وزير الحرب لدى الاتحاديين، وحتى قبل ظهور نتائج الانتخابات نصح الجنرال (وينفيلد سكوت) الرئيس (جيمس بوتشانن) بأن مالا يقل عن سبع ولايات ستعلن الانفصال إن فاز لينكولن بالانتخابات لذا يتوجب نشر الجيش في هذه الولايات.
يذكر أن كل ما حصل حينها كان إبان أزمة إلغاء التعريفة الجمركية والتي أعلنتها ولاية كارولاينا الجنوبية، والتي انتهت باندلاع الحرب الاهلية.
وفي الوقت الذي نشهد فيه حالياً أعمال عنف سياسي متزايدة إلا أن أياً من الأحداث آنفة الذكر لم نرَ لها نظيراً في وقتنا هذا، وإذا ما قارنّا أيضاً الوقت الذي داعبت فكرة الانفصال بعض الولايات مثل تكساس وكاليفورنيا وكارولاينا الجنوبية كردة فعل لسياسات حكومية، لم ترقهم آنذاك، وكان هذا الاعتراض هو الأساس في الوصول إلى الحرب الأهلية؛ ورغم إن هذه الولايات لم تأخذ خطوات فعلية لشن حرب، لا نجد اليوم ولاية أمريكية واحدة تتخذ مواقف معارضة شبيهة بتلك المواقف التي اتخذتها الولايات، آنفة الذكر، في الماضي.
نحن نميل للسخرية من الأشخاص الذين يقولون بقرب وقوع حرب أهلية.
يعد (ألِكس جونز) واحداً من أبرز المروجين لنظرية المؤامرة، إذ تنبا (ألكس) هذا بقيام بعض أعضاء الحزب الديمقراطي بإطلاق شرارة حرب أهلية في يوم الرابع من تموز من عام 2018، فقام مستخدمو تويتر وكما هو متوقع بإطلاق نكات وتغريدات تسخر من تنبؤات (ألكس) هذه، لا بل إن ميمية إنترنت كاملة ظهرت على يد الأشخاص الذين يصفون تجاربهم في الحرب الأهلية الثانية المزعومة هذه على شكل رسائل من ستينات القرن التاسع عشر؛ بينما سخر آخرون من تنبؤ (ألكس) هذا عن طريق التذمر والامتعاض من عدم تلقيهم بطائق دعوة لحضور الحرب الأهلية الثانية المزعومة.
كما ويجب التذكير بأنه إذا ما اعتقد الناس بأن شيئاً ما سيقع، فان هذا لا يعني بأن هذا الشيء سيقع بالضرورة، ونذكر هنا بأن العديد من الناس اعتقدوا بأن حرب ضد الاتحاد السوفيتي كانت ستقع في أية لحظة، لكن لم يحصل أي شيء من ذلك؛ وفي الوقت التي تظهر فيه الاستطلاعات احتمالية كبيرة لقيام حرب أهلية، إلا إن هذه النتائج مشابهة تماماً لنتائج الاستطلاعات التي حصلت قبل عشر سنوات عندما كان أوباما رئيساً لأمريكا، ويبدو من هذا إن الأمر ببساطة متعلق بقلق بعض الناس الدائم حول اندلاع أعمال عنف كبيرة.
من الواضح إن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد انقسماً سياسياً اليوم، فأحاديثنا السياسية ذات النظرة السوداوية المتشائمة دائماً تجاه المستقبل، ومؤسساتنا المتوترة دوماً قد قادت عدداً كبيراً من الأميركيين للاعتقاد بأن الحرب على وشك الاندلاع؛ وفي الوقت الذي نعتبر فيه هذا التنبؤ نوعاً من الهستيريا إلا إن حقيقة اعتقاد عدد كبير من الأمريكيين بأن الحرب وشيكة الاندلاع تعد معضلةً بحد ذاتها، وقد أثبت التاريخ بأن المستقبل عصي على التنبؤ، أما هذه الأحاديث العاطفية لدى الناس ستثبت صحتها أو زيفها بحلول الأسبوع القادم.
وفي نفس الوقت، قد يكون التعاطف مع الآخرين خير وسيلة ممكن اتباعها لتجنب وقوع الحرب.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا