كتبه لمجلة ”ساينتفيك أمريكان“: آدم ماستروياني وداكوتا ماك كوي
منشور: بتاريخ 17/5/ 2018
ترجمة: رشا الخطيب
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مرتضى ضياء
أشارت دراسة حديثة إلى ما يسمى بـ “مفارقة المساواة بين الرجال والنساء“ وأوضحت أن عدد النساء المهتمّات بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يرتفع في الدول التي تعاني من انخفاض المساواة بين الرجل والمرأة. لكن لماذا تمثل السيدات نسبة 40% من الدارسين للهندسة في الأردن في حين تصل تلك النسبة لــ 34% فقط في السويد و%19 في أمريكا؟ يشير الباحثون إلى أن النساء أقل اهتماماً بهذه المجالات، وعندما تمنحهن الدول الغربية الليبرالية حرية الاختيار فإنهن يخترن مجالات مختلفة.
ونحن نخالفهم الرأي، فليس من المفاجئ أن النساء لا يهتممن كثيراً بمجالات لن تمنحهن دخلاً كبيراً مقابل عمل أقل قيمة، وحيث يشكك الرجال في وجود تلك التحيزات الجنسية من الأساس.
بدلاً من إظهار المفارقة، يساعد هذا البحث على توضيح أن الحدود التي تُبعد النساء عن الحكومة أو مجالس الإدارة قد لا تكون نفس الحواجز التي تُبعدهم عن العلوم. فمن المهد إلى الصفوف الدراسية، تلعب البيئة دوراً فعالاً وتؤثر تأثيراً كبيراً على اهتمامات الفتيات وقدراتهن في الرياضيات والعلوم. وفي المرحلة المبكرة من المدرسة، تدفع تحيزات المعلمين غير الواعية الفتيات بعيداً عن مجالات العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا. وبحلول سنوات ما قبل المراهقة، تتفوق الفتيات على الأولاد في صفوف العلوم ويُظهرن اهتماماً مساوياً بها، لكن الآباء يعتقدون أن العلوم أكثر صعوبة لبناتهم من أبناءهم وأقل إثارة للاهتمام كذلك، وتلك المفاهيم الخاطئة تتكهن بالخيارات المهنية لأطفالهم.
وفيما بعد، تحصل النساء على تقدير أقل من الرجال عند القيام بنفس الأداء الحسابي. وعندما تقدم النساء الحاصلات على تخصص في أحد هذه المجالات على منحة دكتوراه، من المستبعد أن يتلقين ردًا. وكذلك عندما يقوم الأساتذة المتخصصون في المجالات المذكورة بمراجعة نماذج التقديم لمناصب في مجال البحوث، من غير المحتمل أن يعينوا “جنيفر” بدلًا من “جون” حتى وإن كان كلا النموذجين متطابقين، وفي حال عُينت “جينفر” ستحصل على راتب أقل بـ 4000 دولار. أما النساء ذوات البشرة الملونة فإنهن يواجهن تحديات أكبر حيث تتداخل التحيزات العرقية والجنسية.
يتضح من تلك النتائج أن النساء في المجتمع الغربي لا يُعبّرن بحرية عن افتقارهن للشغف في هذه المجالات، ويعد المؤشر الأفضل لاختيارات النساء للتخصص الجامعي هو مقدار العنصرية الجنسية اللاتي يتلقينها في هذا التخصص وليس في كونه “رياضيات” أو “علوم”، إن التوجهات الثقافية والتمييز هي ما يساعد في قولبة اهتمامات النساء بطريقة يمكن وصفها بأي صفة عدا أنها حرة حتى في الدول التي تُصنف كبلدان حرة.
إن بحث “مفارقة المساواة بين الرجل والمرأة” يغفل تلك العوامل الاجتماعية لأنه يعتمد على قدر كبير من المساواة يطلق عليه “مؤشر الفجوة الجنسانية”، الذي يتبع مؤشرات مثل التفاوت في الأجور ونسبة التمثيل في الحكومة والنتائج المتعلقة بالصحة، والتي تعتبر معالم هامة على طريق التقدم، ولكن إذا أردنا أن نفسر شيئاً معقداً مثل تمثيل الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فعلينا أن نقوم بأكثر من مقارنة الرواتب وحساب عدد المقاعد في البرلمان؛ علينا أن نعرف ما يدور في الرؤوس.
ولحسن الحظ أن لدينا وسائل لفعل ذلك فاختبار” الربط الضمني” هو أداة موثقة لقياس مدى ارتباط مفهومين في عقول البشر. حلل عالم النفس ”براين نوزاك“ وزملاؤه ما يزيد عن 500,000 استجابة لنسخة من اختبار الربط الضمني، كانت معنية بقياس الارتباط العقلي للرجال والنساء بالعلوم، وقارنوا نتائج 34 دولة من مختلف أنحاء العالم، ربط الناس العلوم بالرجال أكثر من السيدات. لكن من المثير للدهشة أن تلك الروابط الجندرية كانت أكثر قوة في السويد (المفترض أنها تتسم بالمساواة) من أمريكا، وكانت الأردن الدولة الأكثر تأييداً للمرأة. أعدنا تحليل بيانات الدراسة وتبين أن تقييم مؤشر الفجوة الجنسانية من إجمالي المساواة الجنسية في دولة ما ليس له دخل بنتائج تلك الدولة في اختبار الربط الضمني للعلوم.
وهذا يعني أن مؤشر الفجوة الجنسانية فشل في تفسير التوجهات الثقافية نحو المرأة في مجالات العلوم وخليط التاريخ والثقافة المعقد الذي يشكّل تلك التوجهات. على سبيل المثال، هل كنت تعلم أن أحد أقدم الجامعات في العالم تم تأسيسها من قبل امرأة مسلمة؟ بينما قد يكون هذا جيداً في تحديد الدول التي يمكن أن تفوز فيها المرأة بالانتخابات، فهو سيء في تحديد الدول التي سترحب بالسيدات في أقسام الفيزياء.
إن الاتجاهات الثقافية ليست قوانيناً للطبيعة وكلانا دليل حي أن المعلمين الجيدين بإمكانهم مساعدة طلابهم على التحرر من قيود التوقعات الجندرية. أحدنا رجل اختار تخصصاً في علم النفس، (حيث تذهب نسبة 76% من شهادات البكالوريوس للنساء) بعد أن أخبره أحد المدرسين المساعدين أنه جيدٌ في ذلك. والآخر هو امرأة وقعت في حب الرياضيات بفضل والدها الذي صمم منهج الرياضيات الخاص به بعد أن أخبر المعلمون بناته أن “الرياضيات للذكور فقط”. كان يجلس في كل صباح مع بناته وبيده ورق طباعة وقلم تخطيط لاستكشاف جمال الرياضيات في جلسات ممتعة متواضعة. نحن الاثنان ندين بوظائفنا الأكاديمية لمعلمَينا الذَين لم يحددا اهتماماتنا وقدراتنا بناءً على نوعنا.
إن المخاطرة كبيرة، وإذا اعتقدنا أن الدول الغربية قريبة من تحقيق المساواة الجنسية وأن أي فوارق قائمة بين الجنسين ترجع إلى اختلاف القدرات والاهتمامات، فنحن نخاطر بجعل تلك الفوارق مقبولة ودائمة.
وهذا من شأنه أن يؤلم الرجال والنساء على حد سواء؛ فقد أظهرت الدراسة أن الفتيات قد تفوقن بالفعل على الفتية في جميع المواد المدرسية لمدة قرن من الزمن. هل نفترض أن الذكور لن يكونوا أبداً بنفس ذكاء الفتيات وبنفس درجة اهتمامهن بالدراسة؟ بالطبع لا، فالجميع يعلم أن الفتية بإمكانهم التفوق في الدراسة تماماً مثل الفتيات شرط منحهم البيئة المناسبة. يجب أن نمنح النساء نفس التفهم؛ فبمنحهم البيئة المناسبة أيضاً، بإمكانهم التفوق في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بنفس مقدار تفوق الرجال فيها.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا