كتبه لـ(ذي كونفرزيشن): ليونور غونسالفيس
منشور بتاريخ: 25/1/2018
ترجمة: أحمد طريف المدرس
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
توجد الرتب والتسلسلات الهرمية في كل مكان، وغالباً ما يقال إنها عبارة عن بناء اجتماعي وُجد للسماح لبعض الأشخاص (مثل ذوي البشرة البيضاء) بالسيطرة على الآخرين. لكن لا يتفق الجميع مع هذا الطرح، حيث أثار عالم النفس في جامعة تورنتو (جوردان بيترسون) جدلاً واسعاً بعدما طرح فكرة أن التسلسل الهرمي أمر طبيعي في الواقع، وتزامن ذلك مع إعلانه عن كتابه الجديد (12 قاعدة للحياة: ترياق الفوضى).
ولإثبات وجهة نظره يستخدم بيترسون الكركند الذي يتشارك مع الإنسان بسلف تطوري كمثال. يقول بيترسون بأن الكركند لديه تسلسل هرمي أيضاً، كمايمتلك جهازاً عصبياً يعمل على السيروتونين (مادة كيميائية في الدماغ ترتبط غالباً بمشاعر السعادة)، فكلما ارتفعت رتبة الكركند في التسلسل الهرمي يزداد تركيز السيروتونين عنده، وكلما ازدادت الهزائم والفشل ينخفض مستوى السيروتونين. إذ يرتبط التركيز المنخفض للسيروتونين بالمزيد من المشاعر السلبية، وهذا يجعل إعادة تسلق السلم الاجتماعي أمراً صعباً. ووفقاً لبيترسون، تعمل التسلسلات الهرمية في البشر بطريقة مماثلة، ولكن هل يمكن أن تشرح مادة كيميائية في الدماغ تنظيم المجتمع البشري؟
يوجد السيروتونين في القشريات (مثل سرطان البحر) وهو مرتبط بشكل كبير بالهيمنة والسلوك الاجتماعي العدواني. عندما يتم إعطاء الكركند الحر حقنة من السيروتونين، فإنه يتخذ وضعاً جسدياً عدوانياً مماثلاً للوضع الذي يتخذه الحيوان المهيمن حين يقترب من آخر خاضع. كما أن أنظمة السيروتونين يمكن أن تعطي نتائج أكثر تنوعاً في الفقاريات التي تتمتع بأدمغة شديدة التعقيد مثل الزواحف والطيور والثدييات بما في ذلك البشر.
إذا ما شبهنا الأنظمة العصبية بألعاب الحاسوب، فإن المفصليات مثل سرطان البحر ستكون بمثابة لعبة الدودة على الجيل الأول من الهواتف المحمولة، وستكون الفقاريات مثل ألعاب الواقع المعزز. وفيما تُعد اللوزة الدماغية واحدة من أكثر هياكل الدماغ تأثيراً بالسلوك الاجتماعي المهيمن، وتقع في الفص الصدغي للرئيسيات بما في ذلك البشر، فإن المفصليات لا تمتلك اللوزة الدماغية (لا يمتلك الكركند حتى دماغاً، بل مجرد نهايات عصبية تسمى العُقَد العصبية).
هناك أكثر من 50 مادة كيميائية تعمل كنواقل عصبية في الجهاز العصبي بما في ذلك الدوبامين والنورادرينالين والأدرينالين والسيروتونين والأوكسيتوسين. وهي موجودة في جميع أنحاء الطبيعة، النباتات مثلاً لديها السيروتونين، أما عند الحيوانات (بما في ذلك البشر) فيتم إنتاج معظم السيروتونين واستخدامه في الأمعاء للمساعدة على الهضم، وترتبط طبيعة وظيفته بالجزء الذي يعمل عليه.
يمكن أن يكون لنفس الناقل العصبي تأثيرات متباينة في الكائنات الحية المختلفة. ففي حين ترتبط المستويات المنخفضة من السيروتونين مع انخفاض مستويات العدوانية في الفقاريات مثل سرطان البحر، نجد أن العكس يحدث عند البشر، وذلك لأن المستويات المنخفضة من السيروتونين في الدماغ البشري تجعل التواصل بين اللوزة الدماغية والفصين الأماميين أضعف، مما يزيد من صعوبة التحكم في الاستجابات العاطفية للغضب. لذلك من المستبعد أن تؤدي المستويات المنخفضة من السيروتونين إلى جعل البشر يستقرون في أسفل التسلسل الهرمي، ونستنتج أيضاً أن عقد مقارنة بين الكركند والبشر هو أمر لا يخلو من المشاكل.
ومع ذلك، يدّعي بيترسون أن النظم العصبية للبشر والكركند هي في الواقع متشابهة لدرجة أن مضادات الاكتئاب تعمل على الكركند. وقد تبين أن أحد هذه الأدوية (بروزاك) يحول دون امتصاص السيروتونين في المستقبلات العصبية للسيروتونين في الكركند، وبسبب تشابه االنهايات العصبية بين الإنسان والكركند وأستخدام نفس المادة الكيميائية، فقد كان للعقار تأثيراً على الكركند مشابهاً لتأثيره على البشر، لكنه لم يجعل الكركند أكثر سعادة.
قال بيترسون على قناة الأخبار الرابعة في المملكة المتحدة بأنه: ”لا مفر من وجود استمرارية في الطريقة التي تنظم بها الحيوانات والبشر هيكلها الاجتماعي“. كما أننا نعلم أن دماغ الإنسان مرن للغاية، وأن السلوك والمجتمع يمكن أن يؤثران على كيفية تطوره. حتى مقدار السيروتونين الذي ينتجه هو ناتج عن عدد من العوامل الداخلية والخارجية. على سبيل المثال ”تهديد الصورة النمطية“ هي عملية يشعر خلالها الأفراد بالقلق حول المهارات التي يرونها من وجهة نظرهم مرتبطة بأعضاء مجموعة أخرى، ونحن نعلم أن هذه المشاعر السلبية تغيّر نشاط الدماغ. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين ينظرون لأنفسهم على أنهم ذوو منزلة أقل من الآخرين يمتلكون كمية مختلفة من المادة الرمادية في أجزاء الدماغ المسؤولة عن اختبار العواطف وردود الفعل تجاه على التوتر عن اولئك الذين يمتلكون نظرة مغايرة لأنفسهم.
وهكذا فإن اعتبار أنه من ”الطبيعي“ أن يكون بعض الأفراد ”فاشلين“ بالاستناد إلى نمط حياة الكركند هو أمر قد يحمل عواقب وخيمة، فقد يستمر بعض الأفراد في رؤية أنفسهم أقل شأناً من الطالب الذي تنمّر عليهم في المدرسة حيث تتكيف أدمغتهم مع هذا ”الحقيقة“. وإذا اخترنا بدلاً من ذلك الاعتقاد بأن جميع البشر متفردين ومتساوين وأن لدينا القدرة على جعل المجتمع أكثر عدلاً، ستتغير أدمغتنا، وهذا مثال واضح لكيفية تغيير المواقف لكل من الأدمغة والسلوك.
أما فيما يتعلق “بالاستمرارية” فهناك استمرارية في التطور بنفس الطريقة التي تستمر بها العائلات. أجدادك استمروا من خلال والديك وهؤلاء استمروا من خلالك. آخر سلف مشترك لنا مع الكركند كان حيواناً يعود ل 350 مليون سنة، وكان أول حيوان طور الأمعاء. هذا هو العضو الرئيسي الذي نشترك فيه مع الكركند، ليس السيروتونين وبالتأكيد ليس الجهاز العصبي.
يمكننا أن نتمسك بالماضي ونختار محاكاة البنية الاجتماعية للحيوانات القديمة. لكن الحقيقة أن نجاة الكركند لفترة طويلة دون حدوث تغييرات تطورية كبيرة هو انعكاس لمدى تكيفه مع بيئته التي لم تشهد تغيراً كبيراً. أما البشر فقد غادر أسلافهم المحيطات، وطوروا الرئتين، والحبال الصوتية، وقمنا ياستكشاف القارات وبناء الطائرات وبعضنا حتى يعيش خارج الأرض. نحن نتوق إلى التغيير والتحدي، كما نحاول أن نجعل مجتمعاتنا أكثر عدلاً وتوازنا ونطمح دوماً لجعل الإنسانية أفضل وأكثر تقدماً.
بالإضافة لكل ذلك فإن مملكة الحيوان مليئة بأمثلة عن التسلسل الهرمي، مع مستويات عالية من التنظيم لوحظت عند الحشرات. وترتبط هذه بنا ارتباطاً وثيقاً كارتباط الكركند، إذ تمتلك الحشرات السيروتونين والجهاز العصبي. ففي عالم النحل تكون الملكة أكبر بكثير من الذكور وهي الخصبة الوحيدة بين الأناث، وتقوم بوضع كل البيض في المستعمرة بعد أن يتم تخصيبها من قبل العديد من الذكور. ثم بعد موسم التكاثر يتم طرد الذكور من المستعمرة ويموتون جميعاً. إذا اخترنا تنظيم المجتمع بهذه الطريقة “الطبيعية”، فهل سنكون بخير هكذا؟
المقال باللغة الإنجليزية: هنا