الرئيسية / سياسة / الخليج والربيع العربي: العلاقات الخليجية الإيرانية

الخليج والربيع العربي: العلاقات الخليجية الإيرانية

الخليج والربيع العربي – المقال الثاني
إعداد كلكامش نبيل
تصميم: أحمد الوائلي

مؤخراً، انتهيت من قراءة كتاب “دول الخليج والإصلاح في الشرق الأوسط: بين إيران و”الربيع العربي”، للدكتور يوئيل غوجانسكي من كلية العلوم السياسية بجامعة حيفا ومعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والصادر عن دار بالغريف ماكميلان عام 2015.
يقع الكتاب في 4 فصول أساسية، وهذا هو المقال الثاني من سلسلة من ثلاث مقالات من أجل تغطية الموضوعات المتشبعة التي يتناولها الكتاب فيما يخص تاريخ دول الخليج والعلاقات والخلافات البينية وعلاقة هذه الدول بالولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل.
في الجزء الثاني من الكتاب “دول الخليج وإيران”، يتناول غوجانسكي العلاقة بين الدول اعضاء مجلس التعاون الخليجي – فضلاً عن اليمن – وإيران، كلٌ على حدة في محاولة لفهم المخاوف المشتركة والأولويات المختلفة لهذه الدول في تعاملها مع إيران. من خلال هذا الاستعراض، سنفهم بأن ظروفاً متباينة ومصالح معينة تحدد طبيعة علاقة كل دولة خليجية بالجارة إيران وصعوبة إيجاد موقف موحد لهذه الدول في علاقتها بها ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي.

المملكة العربية السعودية
تعتبر المملكة الدولة العربية الخليجية الأكبر من حيث المساحة والسكان، ويرى الكاتب بأن صراعها مع إيران يتعلق بصراع نفوذ على العالم الإسلامي فضلاً عن النفوذ في منطقة الخليج. يرى الكاتب أن أبرز نقطة للخلاف بين الدولتين في الفترة الراهنة تتجلى في الوضع السوري، لكنه يقول بأن “العلاقات بين السعودية وإيران تتعقد أيضاً بخصوص الوضع في العراق”.
نقرأ في الكتاب ما سأترجمه كالآتي، “من بين نتائج الاضطراب الراهن في الشرق الأوسط العداء بين هاتين الدولتين وتصاعد حدة وشدة صراعهما حول شكل المنطقة. حيث تمثل هذه التطورات، فضلاً عن الحاجة لأن تقوم (السعودية) بأخذ دور أكثر قيادية في العالم العربي، تحدياً إضافياً للمملكة وقد يجعلها ذلك أكثر عرضة للعداء الإيراني من أيّ وقتٍ مضى.”
للدين والتوزيع المذهبي دور في هذا الصراع، حيث يقول غوجانسكي، “بينما يشكل الشيعة 10-15 في المائة فقط من مجموع المسلمين في العالم (حوالي 130-200 مليون من أصل 1.3 مليار)، إلا أن الشيعة يمثلون، لاسيما في المناطق التي تحيط بحوض الخليج، حوالي 80 في المائة من السكان.” ويرى بأن هناك محاولات لامتصاص غضب الشيعة في السعودية، ويذكر أنه وفي عام 2005، تم السماح رسمياً بإحياء مراسم عاشوراء بشكل قانوني مع أن مراسيم صغيرة الحجم قد سُمح بها بالفعل من قبل.
يفرد الكتاب مساحة للحديث عن الصراع السوري، فيذكر، “لقد اتخذت السعودية، مع قطر، موقفاً يهدف لإضعاف المحور الإيراني السوري. حيث عملت الدولتان، على سبيل المثال، معاً من أجل تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية واستمرتا بتقديم الدعم المالي والعسكري للمعارضة.” ويضيف بأن “الاحجام الأميركي عن الانخراط في سوريا قد تسبب في شكوك دول الخليج حيال مصداقية الولايات المتحدة، الداعم الدفاعي الرئيسي بالنسبة لهم”. ويضيف عن دور الدول الأخرى في هذا الصراع قائلاً، “فبدأت عناصر خليجية، لاسيما في الكويت والإمارات العربية المتحدة، بتمويل جماعات سُنية متمردة بشكل خاص – وهذا ما تسبب في مزيد من التطرف والتشظي ضمن صفوف المتمردين في صراعٍ محتدم من أجل التمويل والنفوذ.”
وفيما يتعلق بموقف السعودية من الربيع العربي، يقول غوجانسكي، “يتصرف السعوديون أحياناً كقوة ثورية وفي أوقات أخرى كقوّة معادية للثورة، بناءً على مصالحهم.”
وفيما يخص العراق، يكتب غوجانسكي تحت عنوان “كابوس العراق”، بأنه ومن وجهة نظر سعودية، فإن الدعم العراقي للشيعة في البحرين ودعم العراق لسياسة إيران في منظمة أوبيك ضد السعودية، وعلاقاته الاقتصادية الوطيدة مع إيران، والخطوات الأخرى التي اتخذتها حكومة المالكي، مثل دعمه لنظام الأسد في سوريا، قد أثبت الزعم السعودي بأن العراق يقوم بما تدعوه إليه إيران، وأنه في الواقع قد أصبح دولة تابعة لإيران.”

الكويت
يذكر الكتاب بأن الكويت ومنذ الغزو العراقي لها عام 1991، تنظر إلى جارها الشمالي على أنه مصدر التهديد الأساسي. ويذكر بأن حدة الصراعات الطائفية أقل بكثير وأن كويتي من الطائفة الشيعية قد شغل منصب وزير النفط في السابق وان للطائفة تواجد كبير في الجيش والشرطة.
وعن مخاوف الكويت من العراق يكتب، “في مناسبات كثيرة، رفعت الكويت من مستوى الإنذار في صفوف جيشها وقامت بنشر القوات في جزيرة بوبيان وعلى طول حدودها مع العراق.” ويذكر بأن ذلك كان واضحاً على وجه الخصوص، “بعد تهديدات من ميليشيات شيعية (لاسيما كتائب حزب الله)، بمحاولة اجتياز الحدود، وحادث اطلاق النار على السفارة الكويتية في بغداد (والذي غادر السفير الكويتي في اعقابه العراق لفترة)، والصواريخ التي تطلق على الكويت من جهة العراق.” وبهذا يرى غوجانسكي بأن الكويت تقيم علاقات متوازنة مع إيران لكنها تخشى العراق بدرجة أكبر.

قطر
تبدو قطر، وفقاً لما نقرأه في الكتاب، لغزاً في اقامتها لعلاقات مع أطراف كثيرة متنازعة ومحاولتها أن تكون لاعباً رئيسياً على الساحة الإقليمية والدولية.
نقرأ، ما سأترجمه كالتالي، “ترى إيران، من جهتها، بأن علاقاتها مع قطر بمثابة جسر محتمل مع الخليج كان ينوي المساعدة في تحسين العلاقات مع دول الخليج الأخرى، وفرصة محتملة لاحداث صدع بين دول مجلس التعاون الخليجي وطموحاتها في الوحدة، وتشجيعهم على استبدال الدعم الأميركي بآخر إيراني في منطقة تعتقد بأنها ساحتها الخلفية.”
يكتب غوجانسكي بأن قطر، البلد الصغير ذو الموارد الهائلة، والذي يمتلك معدل الدخل الأعلى في العالم، والمقدر بحدود 102 ألف دولار أميركي للفرد عام 2014، قد اعتمد على قناة الجزيرة في سياسته الخارجية والتي عملت كأحد أهم أدواته السياسية والدبلوماسية فاعلية.
لكنه يرى بأن “الربيع العربي” قد وضع قطر في موضع اشكالي. يقول، “من جهة، تسعى قطر للاحتفاظ بشكل حكومتها وسيطرتها الكلية على العمليات السياسية المحلية. ومن جهة أخرى، هناك رغبة في تبني موقف يتماشى بقوة مع الجماهير العربية التي نزلت الى الشوارع للاحتجاج على الفساد والقمع. بذلك، تبدو قطر وكأنها تبنت موقفاً مزدوجاً. فمن أجل الحفاظ على الشكل الملكي للحكم، قام القطريون من خلال قناة الجزيرة التي بدأت بتخفيف نقدها لأعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين – لاسيما على قناتها باللغة العربية – وفي الوقت نفسه قاموا بزيادة نقدهم لزملاء إيران في “المحور المتطرف” مع تركيز خاص على نظام الأسد.” لكن الصراعات البينية واضحة، ففي عام 2006، أفادت صحيفة الشرق الأوسط السعودية – وبهدف احراج العائلة المالكة القطرية بوضوح – الى زيارة الأمير القطري لإسرائيل سراً. لاسيما وان العلاقات القطرية السعودية ليست على ما يرام، وكانت دعوة قطر للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور اجتماع مجلس التعاون الذي عقد في الدوحة بمثابة توضيح لموقف قطر المساند لإيران والمعادي للسعودية، بحسب غوجانسكي.
مع هذه الإشارات للعلاقات بين الدوحة وتل أبيب، إلا أن غوجانسكي يرى بأن “علاقات قطر مع العناصر المتطرفة قد أضرت بتلك العلاقات منخفضة المستوى مع إسرائيل، ومع الولايات المتحدة، إلى حدٍ ما، أيضاً.” ويرى بأنه “وبالنسبة لقطر، فإن ذلك كان بمثابة ثمن صغير تدفعه مقابل الفوائد التي تجنيها من إبقاء تلك العلاقات، والتي تساعدها، من وجهة نظرها، في تحصين نفسها ضد الضرر.”
وفي تفسير للعلاقات القطرية المتشعبة نقرأ، “ينبع التعاون القطري الإيراني من حقيقة أن البلدين يتشاركان معاً أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، حقل الشمال، والمعروف في إيران بإسم جنوب فارس، والذي تفوق مساحته بشكل ساخر مساحة قطر البرية.” وفي الوقت نفسه تضم قطر قاعدة العبيد الجوية، أكبر قاعدة من نوعها في الخليج وقاعدة السيلية، أكبر قاعدة اعادة تموضع أميركية خارج أراضي الولايات المتحدة. يكتب غوجانسكي، “على الرغم من العلاقات الأمنية الوطيدة لقطر مع الولايات المتحدة، إلا أن التشنج يتصاعد أحياناً، ولاسيما بسبب علاقات قطر مع العناصر المتطرفة، بما في ذلك حزب الله وحماس. مع ذلك، تمكّن هذه العلاقات الولايات المتحدة من استخدام قطر كوسيط لإجراء حوارات غير مباشرة ووسائل أخرى للتواصل مع هذه العناصر المتطرفة.”
ويرى غوجانسكي بأن قطر، وبإبقاء الباب مفتوحاً مع العناصر المختلفة، تساعد في تعزيز موقفها في المنطقة من خلال انخراطها في الدبلوماسية وغيرها من أشكال النشاط.
لكن غوجانسكي يعتقد بأن “دعم قطر للمتطرفين في صفوف المعارضة في سوريا (ومن قبلها في ليبيا) قد أثار النقد وأضر بعلاقات قطر مع الولايات المتحدة، التي تخشى من عواقب تقوية مثل هذه الفصائل.” ويضيف، “ومنذ ذلك الحين، قلصت قطر من انخراطها في الأزمة ودعمها للمعارضة بشكل عام، فيما أصبحت السعودية الداعم الرئيسي للمعارضة (وبذلك تم استبدال مصطفى صباغ، المقرب من قطر، بأحمد الجربا، المقرب من السعودية، ليكون رئيس الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية).

الإمارات العربية المتحدة
عن العلاقات الإماراتية الإيرانية، نرى بأن الاعتبار الاقتصادي، بحسب غوجانسكي، قد قاد الإمارات لتبني موقف براغماتي تجاه إيران حتى فيما يتعلق بالجزر الثلاث. ويذكر بأن هناك تواجد إيراني كبير ضمن إمارات الاتحاد (يقدر بحدود 400,000 إيراني، لاسيما في دبي). ويذكر بأن الإمارات توفر منفذ مالي ومصرفي لمساعدة إيران في تفادي الحصار. لكنه يقول بأن “إيران تنظر اليوم إلى السعودية، الى جانب الولايات المتحدة، على أنها مصدر التهديد الرئيسي لاستقرارها وطموحاتها الإقليمية.”

البحرين
تبدو العلاقات بين البحرين وإيران أكثر جدلاً وتعقيداً. ويرى الكاتب بأنه وبهدف تعزيز أمن هذه الدولة الصغيرة، قامت الحكومة بالموافقة على استضافة الأسطول الأميركي الخامس وتسعى بشكل دائم للاقتراب من السعودية.
مع غالبية شيعية من السكان، يرى غوجانسكي بأن شيعة البحرين من أصول عربية وأنهم أكثر صلة بالمؤسسة الدينية العراقية في النجف مقارنة بالمؤسسة الدينية الإيرانية في قم.
نقرأ في الكتاب، “لا تعتبر مزاعم إيران بخصوص سيادتها على البحرين أمراً جديداً وتعتمد في الحقيقة على أن المحافظين المحليين في جنوب إيران قد حكموا الجزيرة في الفترة بين 1602 و1783. وفي عام 2009، على سبيل المثال، صرح ناطق نوري، المستشار المقرب لآية الله علي خامنئي، بأنه وحتى استقلالها، كانت البحرين الإقليم الرابع عشر لإيران، وانها كانت ممثلة في المجالس الإيرانية”.
ولهذا اختارت البحرين ان تستضيف الأسطول الخامس، ليس بصفته عامل يساهم في أمن الجزيرة فحسب بل ليمثل انجازاً اقتصادياً غير كبير للأسرة المالكة، والتي تستفيد من موارد الإيجار وتجهيز القطعات الأميركية بالتجهيزات المختلفة (والبالغ عددها حوالي 5,000 جندي).
وبهذا يختتم غوجانسكي كلامه عن البحرين بالقول، “يمكن أن تعمل البحرين بمثابة باروميتر (مقياس ضغط) لقياس التوتر بين السُنة والشيعة وبين إيران والعالم العربي، وكذلك القدرة على تعزيز اصلاح سياسي – حتى لو كان أساسياً – في المنطقة استجابة للاضطرابات”.

سلطنة عُمان
يرى الكاتب بأن عُمان – البلد المنعزل حتى انقلاب السلطان قابوس على والده في السبعينات – بموقعها الجغرافي وتركيبتها السُكانية المختلفة مذهبياً وقُربها من إيران ومضيق باب المندب، قد تحتّم عليها اتخاذ مواقف أكثر براغماتية وليونة.
تبدو عُمان بلداً متزناً مع الجميع اليوم. يقول غوجانسكي، “لم تنس مسقط، بدورها، دعم الشاه لها في قمع العمل المسلح الشيوعي في محافظة ظفار في السلطنة في الفترة بين 1964 و1975.” وبهذا بقيت عُمان مكاناً مناسباً لعقد الوساطة بين إيران وأطراف أخرى. نقرأ في الكتاب، “أثناء الحرب العراقية الإيرانية، عُقدت المحادثات السرية لوقف إطلاق النار بين الجانبين في مسقط وقد لعبت عُمان دوراً بارزاً – من خلف الكواليس – في إعادة أسرى الحرب الإيرانيين الذين وقعوا في يد الأميركان خلال الصدامات البحرية التي وقعت بين البلدين في نهاية الحرب.” ويضيف في موضع آخر بأن عُمان “عملت كوسيط بين إيران والغرب في قضية البرنامج النووي للأولى.”
يعتقد غوجانسكي بأن للقرب الجغرافي والمصالح المشتركة مع إيران من خلال باب المندب والخوف من الوهابية السعودية دور في مواقف عُمان – ذات الأغلبية الأباضية، حيث يكتب عن تصريح مدير أبحاث مجلس الدولة، وهي هيئة استشارية للحكومة العُمانية، عندما قال، “لن نسمح للسعوديين باللعب في مجتمعنا.”
ختاماً، يعتبر هذا الجزء من الكتاب مهماً في توضيح العلاقات المتشعبة والمنفردة لكل من أعضاء مجلس التعاون الخليجي في تعاملهم مع إيران والقضايا الإقليمية الأخرى ووسائل كل منهم في تحقيق مصالحهم وأهدافهم وتأثير ذلك على إعاقة بلورة موقف موحد للمجلس تجاه كل القضايا التي تطرأ على الساحة.

عن Ahmed Alwaeli

Designer, Translator..

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …