تأليف: بول ثيغرد
نشر في: (سايكولوجي تودي)
بتاريخ: 21\9\2017
ترجمة: محمد عبد الزهرة
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم: أحمد الوائلي
تنجم أعمال الشر عن انهيار في الآليات على عدة مستويات.
إذا كان الناس مهيئين بيولوجياً للاعتناء بالآخرين، لماذا إذاً يعاملون بعضهم البعض بشكل سيئ؟ إذا كانت الأدمغة مُعَدّةً للرعاية والتعاطف، فِلمَ العالم مليء بإساءة وإهمال الأطفال، والأزواج الذين تعرضوا للضرب، والاغتصاب، والقتل، والفساد، والحرب؟ ألن يكون من المعقول أن نفترض أن الناس أشرار بطبيعتهم وأن الشر كامن فيهم؟ وبالتالي يكون السلوك الجيد في الواقع إنجازاً نادراً من التطورات الثقافية مثل الدين؟
لطالما انزعجت الأديان من (مشكلة الشر)، وكيف يمكن أن يكون هناك الكثير من الشر في عالم خلقه إله حميد (كلي القدرة والعلم)، فالعقيدة المسيحية تفترض أن الناس أشرار بطبيعتهم (عقيدة الخطيئة الأصلية) ويحتاجون إلى تخليصهم بأن يلتجئوا الى الكنيسة؛ حتى من دون الدافع الديني فهناك مشكلة كبيرة في تفسير سبب قدرة الناس الخيّرين من الناحية النظرية، على أن يكونوا عرضة للفشل بحسب المعايير الأخلاقية.
هذه الإشكالية مشابهة لكيفية نشوء المرض، فالأجسام تعمل بشكل طبيعي في معظم الأحيان، ولكن يمكن أن تتعطل بسهولة بسبب مشاكل بيئية مثل الفيروسات أو مجرد التقدم في السن، ويعتمد الأداء الطبيعي على عمليات الآليات البيولوجية، وهي مجموعات من الأجزاء المترابطة التي تسبب تفاعلاتها تغييرات منتظمة، فمن الأفضل فهم الأمراض على أنها انقطاع في هذه الآليات، على سبيل المثال عندما يعطل فيروس الإنفلونزا عمليات الخلايا والأعضاء كالرئتين.
السلوك غير الأخلاقي ليس مرضاً في ذاته، على الرغم من أنه ينجم أحياناً عن أمراض مثل الأورام في المخ؛ ما هي الأعطال في الآليات التي تقود الناس إلى التصرف بطرق لئيمة وشريرة؟ هنا، الشر يعني فقط أن تكون غير أخلاقي بصورة قاسية، وأن تعمل بشكل يتعارض بشدة مع احتياجات الناس.
الغلمانية (بيدوفيليا) تعتبر شكلاً شديداً من أشكال الشر، حيث يحصل البالغون متعتهم الجنسية باشتهاء الأطفال؛ يجد معظم الناس أن الأطفال يستحقون الرعاية، فكيف يحدث إذاً أن يميل 1٪ من الذكور لممارسة الجنس مع الأطفال؟ يعد الاعتداء الجنسي على الأطفال شراً لما يسببه من ضررٍ كبيرٍ يلحق بالأطفال الذين أسيئت معاملتهم، من المحنة والضيق الآنيين إلى المرض العقلي طويل الأجل والصعوبات مع العلاقات الاجتماعية، والتي تؤدي أحياناً إلى الانتحار. تبدو أسباب الغلمانية متنوعة، بما في ذلك عيوب المخ في المناطق الجبهية، والمشاكل النفسية بالسيطرة على الاندفاعات، والتاريخ السابق لسوء المعاملة كطفل؛ ولا يوجد جواب حاسم متاح حالياً، ولكن من المرجح أن تكون الغلمانية ناجمة عن الأعطال في مزيج من الآليات الجزيئية والعصبية والنفسية والاجتماعية، تتفاعل جميعاً لإنتاج أعمال شريرة.
الانهيارات الأكثر عمومية في السلوك الأخلاقي تحدث في (السايكوباث) المرضى النفسيين، الذين ينخرطون بشكل روتيني في السلوكيات المتلاعبة التي تخدم الذات دون أي اعتبار للآخرين. إن أسباب الاعتلال النفسي لا تزال مطروحة للمناقشة ولكن من المرجح أن تكون متباينة مثل الجوانب الأخرى للشخصية، مستمدة من مجموعات من المتغيرات الوراثية، وعلم التخلق (ملحقات كيميائية للجينات)، والتعلم في مرحلة الطفولة المبكرة، والتعلم من بيئات لاحقة. يصف سايمون بارون كوهين المرضى النفسيين بأنهم لا يملكون أية درجة من التعاطف بسبب عجز عصبي في مناطق الدماغ مثل قشرة الفص الجبهي البطني، لكنه يناقش أيضاً أسباباً نفسية مثل عدم القدرة على إدراك الخوف، والأسباب الاجتماعية مثل الإهمال الأبوي؛ وقد تعمل الأسباب الجزيئية من خلال التأثيرات اللاجينية كمثيلة الجين لمستقبلات الأوكسيتوسين، ومن ثم يبدو أن الاعتلال النفسي هو حالة ظهور الأعطال في آليات التفاعل.
حتى غير المصابين بمرض عقلي يمكن أن يفعلوا أشياء شريرة بسبب التأثيرات العصبية والنفسية والبيئية، فقد يفشل التفكير في إصدار أحكام أخلاقية جيدة عندما ينسى الناس القيم ذات الصلة التي يجب أن تسهم في معالجة التماسك العاطفي. يمكن أن ينتج العجز العاطفي بسبب الإجهاد أو التعب أو الكحول، مما يساهم في إهمال احتياجات الآخرين، وقد يكون الرجال ذوو التستوستيرون العالي أو الأوكسيتوسين المنخفض أكثر ميلاً إلى السلوك العنيف، ويمكن أن تؤدي الضغوط البيئية مثل نقص الطعام والماء والنوم إلى أحكام عاطفية خاطئة من خلال حسابات الترابط والتماسك المحدودة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الناس العاديين بارعون في تقديم مبررات تخدمهم ذاتياً لسبب كون أعمالهم غير أخلاقية؟ كنوع من الاستدلال الحثيث، إذ يمكن مقاومة المشاعر المذنبة من خلال اختراع قصص حول الكيفية التي تكون فيها المواقف مبهمة، والأفعال لها عواقب معقدة، وأن غيرهم من الناس أكثر سوءً منهم؛ فعلى سبيل المثال، قد يتمكن السياسيون الفاسدون من إقناع أنفسهم بأنهم يبذلون قصارى جهدهم ويفعلون كل ما في وسعهم.
الأعمال الشريرة لها أسبابٌ اجتماعية أيضاً وتتأثر بالحالات العقلية للناس بشكل كبير وبالاتصال العاطفي بواسطة الآخرين، ويمكن أن ينتهي الأمر بالجماعات بالانخراط في سلوكيات أكثر خطورة مما يمكن أن يقوم به الأفراد على حدة، ويمكن لممثلي السلطة الذين يعطون الأوامر أن ينتجوا سلوكيات في الناس، يعتبرونها غير مناسبة في وقت لاحق، كما في تجارب (ميلجرام) الشهيرة حيث وافق المشاركون على إعطاء صدمات كهربائية مكثفة للمتعلمين.
وهكذا، حتى من دون مشاكل محددة مثل الغلمانية والاعتلال النفسي، يمكن أن تحدث السلوكيات الشريرة من تلف في الآليات الجزيئية (كتناول الكحول)، والآليات العصبية (الخرف الجبهي الصدغي)، والآليات النفسية (ضعف التحكم في الاندفاع)، والآليات الاجتماعية (تأثير الأقران).
المقال باللغة الانجليزية: هنا