كتبه لمجلة الأتلنتك: كريسبين سارتويل
بتاريخ 20- حزيران- 2014
ترجمة: ياسر منهل
مراجعة: أحمد نُعيم
تصميم: حسام زيدان
ثمة انقسام غير مسبوقٍ يضرب أوصال المجتمع الأمريكي بسبب الأيديولوجية السياسية التي تهمين على عقول أفراده، حسبما ذكرت دراسة صدرت مؤخرًا عن مركز [بيو] للدراسات. حيث تشير الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث أنصار كلا الفريقين السياسيين المختصمين (اليمين واليسار) يعتقدون أن خصومهم مغيبّون ومضللون وبأنهم يحولون دون رفاه البلاد ومصلحة العباد.
وما أطرحه في هذا المقال كحل لهذه الإشكالية لن يكون بتعزيز روح المواطنة والحوار، رغم أهمية ذلك فهذا الحل غير مجدٍ وغير ممكن في هذه الحالة. وإنما سأسلك نهجًا فلسفيًا لكوني أحاول أن أُواجه كلا الطرفين بحقائق تثبت تناقض مواقفهما. فالانقسام بين اليمين واليسار ليس صدامًا بين أفكار سياسية مختلفة، وإنما قد يكون انقسامًا بين هويات اجتماعية على أساس طبقي أو إقليمي أو عرقي أو جنساني.
فاصطفاف المواقف السياسية على طول المحور السياسي بطرفيه اليميني واليساري: الرجعي والتقدمي، المحافظ والليبرالي، الشيوعي والفاشي، الاشتراكي والرأسمالي، الديمقراطي والجمهوري هو اصطفاف مشوش فكريًا؛ ومتحامل عقائديًا؛ وعرضي تاريخيًا. فموقف أي طرف على طول هذا المحور مشوبٌ بالتناقض.
يتطلب تجاوز العصبية الحزبية أو الفكرية التفكير خارج نطاق الطيف السياسي (بشقيه اليمين واليسار) وليس من داخله، وهو أمر يفوق قدرة الفريقين. وكان أول ظهور لمصطلح اليمين واليسار إبان الثورة الفرنسية عام 1789؛ في إشارة إلى أماكن جلوس أنصار الملكية ومعارضيها في مجلس النواب.
ومن الجدير بالذكر أن مصطلح (اليمين واليسار) قد ذُكر قبل الثورة الفرنسية في كتابات روسو وبيرك. وأول ذكر للمصطلح بمعناه السياسي جاء في كتاب توماس كارليل الثورة الفرنسية عام 1837، بيد أن فكرة استخدام المصطلح لم تتبلور وتتضح بمفهومها المعاصر إلا في كنف الماركسية في أواسط القرن التاسع عشر. علماً بأن المصطلح لم يكن رائجًا تمامًا في البلدان الناطقة بالإنكليزية حتى مطلع القرن العشرين.
قبل هذه الحقبة، وبالأحرى في مناطق خارج الدول الغربية، كان هناك العديد من البنى والنُظم الفكرية لتحديد المواقف السياسية وتنظيمها. نورد -على سبيل المثال- حركات الإصلاح الداعية للمساواة في بداية وأواسط القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة؛ حيث برزت دعوات إلغاء الرق، ونشطت الحركات النسوية، والنزعة السلمية، والتي كان أغلب دعاتها وقادتها من المسيحيين الإنجيليين، وتميزّت هذه الحركات بدعوتها الفردية الراديكالية، وبمناهضتها لسلطة الدولة. ويحضرني في هذا المقام شخصيات مثل لوكريتيا موت، وهنري ديفيد ثورو، ووليم لويد غاريسون، الذين أظهروا مواقف متسقة، ولا يمكن أن تحسب هذه الشخصيات على اليمين أو اليسار.
ويُعرف الطيف السياسي (اليمين واليسار) بأنه الموقف المتعارض ما بين رأس المال والدولة، وهذا المفهوم اعتمدته دراسة مركز بيو. ويرى الديمقراطيون أن الحكومة تقوم بالعديد من الإسهامات النافعة لمعيشتنا وحياتنا، في حين يرى الجمهوريون أنها عائق أمام الازدهار الذي تخلقه الأسواق الحرة. ومثال على الطيف السياسي هو الزعيم الشيوعي ماو والذي يمثل نظام شيوعية الدولة، والفيلسوفة إيان راند على النقيض، والتي تمثل الرأسمالية الداعية لإطلاق حرية العمل بدون قيد أو شرط.
ويقوم أساس الفروقات الذي يعتمد عليه كلا الفريقين على فكرة مفادها أنه يمكن فصل الدولة والمؤسسة أو القوة الاقتصادية والقوة السياسية والتفرقة بينهما. وهذا ما أراه خاطئًا تمامًا، وذلك بسبب ميل البنى الهرمية للتوافق. وأطلق عليه مبدأ التوافق الهرمي. وكنتيجة لمبدأ التوافق الهرمي، نجد ميل أصحاب الثروات إلى السلطة السياسية، وميل السلطة السياسية إلى أصحاب الثروات: فثمة علاقة ترابط ودعم متبادل بين السلطة ورأس المال عادةً.
ويتضح مما سبق صحة مبدأ التوافق الهرمي والجميع يُقر بذلك. ومن المثير للدهشة أن يكون المواطنون السود أغنى من البيض في حكومة يسيطر عليها العنصريون البيض. لكن الأدهى من ذلك أن لهذه الحكومة قبضة تنظيمية غير متغلغلة في شؤون الإدارة. وقد تسعى دائمًا لإجراء إصلاحات من أجل الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، بيد أن هذه المساعي قد تجلب نتائج عكسية، ذلك أنك حين تعزز سلطة الدولة لتسيطر على رأس المال، فإنك بذلك ستساهم في جعل رأس المال أكثر تجانسًا وتركزًا وقدرة على ممارسة السلطة على نطاق أوسع. خذ مثالاً على ذلك العلاقة بين مصرف غولدمان ساكس ووزارة الخزانة الأمريكية على مدار العقود القليلة الماضية، أو العلاقة بين شركة هاليبيرتون ووزارة الدفاع الأمريكية، أو شركات الاتصال والإنترنت المختلفة مع وكالة الأمن القومي. فالفروق بين القطاعين العام والخاص هي فروق نظرية في ضوء التداخل الكبير بين القطاعين على أرض الواقع.
ثمة علاقة تبادلية بين الاقتصاد والدولة كما هو الحال في إيران ومصر، والصين وروسيا، والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. ويمكننا القول إن دولة الصين حاليًا تجمع بين الخصائص الأكثر وضوحًا للفلسفة الماوية وخصائص الرأسمالية المؤسسية: فالشعب يعمل من أجل تحقيق أكبر قدر من النقود، ووضعه في المكان المخصص له؛ في قمة الهرم السياسي في الصين. كما يسعى النظام الصيني لفرض نفسه على أرض الواقع، بفضل السطوة القاسية لنظام الشمولية الجماعية الذي تتبناه الدولة. ويبدو هذا النظام غير متناسق عند حصره في نطاق الطيف السياسي. ويربط أي باحث سياسي تقليدي بين الرأسمالية في شخص جون لوك وآدم سميث والديمقراطية أو (الليبرالية حسب ظني). ومن جهة أخرى، نظرًا لأن الاشتراكيين يرفضون الاستثمار الحر، ويدعون لنظام أشمل في إعادة توزيع الثروة، فإنهم يحتاجون إلى دولة قوية تفرض سلطتها. وقد اعتقد الناس لزمنٍ طويلٍ أن النظام الصيني يمزج بين عناصر متعارضة ومتناقضة.
لم يعد أحد متقينًا من الوضع الراهن. علينا أن ننظر للدولة الصينية على أنها نظام يجمع بصورة مرحلية بين شيوعية الدولة والرأسمالية المؤسسية. وهما فلسفتان متناقضتان أيديولوجياً. ولا غرابة في ذلك، فنحن نعيش على أرض الواقع، لا بين ثنايا كتب الأيديولوجيات. ففي عالمنا هذا اعتمدت الرأسمالية المؤسسية على سلطة الدولة دائماً، في حين أن الزخم العملي الأساسي لليسار الداعي لمركزية الدولة يتبع الاقتصاد. فلقد كان الاتحاد السوفيتي مزيجاً من الرأسمالية الاحتكارية، أما الدولة الأمريكية المعاصرة فهي مزيج من شيوعية الدولة.
لقد كنا مخطئين حين اعتقدنا أن هذه الأيديولوجيات تُطبق ما تدعيه من أفكار، بيد أن الأساس كان ضعيفًا. فهناك منظرون رأسماليون أوصوا باتباع الأسواق الحرة غير الخاضعة لسلطة الدولة، وعلى الطرف الآخر كان هنالك منظرون شيوعيون توهموا بطرح فكرة اللا سوق، وسعوا إلى فرض سيطرة الدولة على كل جوانب الحياة، بما فيها الأسواق. لقد كانت ادعاءات كلا الفريقين مجرد أوهام، فما يريده كل طرف يناقض ما يرفعه من شعارات، فكل طرف كان مخلصًا للبنى الهرمية، والبنى الهرمية عادة ما تميل للتوافق (مبدأ التوافق الهرمي).
من المعلوم أنك حين تقلص سلطة الدولة، فأنك تزيد سلطة رأس المال، والعكس صحيح. ودونما مبالغة، فهذا الادعاء يفتقر للدليل التجريبي. إن زيادة رأس المال وتركزه بأيدي قليلة، وظهور هياكل احتكارية (عملقة اقتصادية) تسهم في زيادة رأس المال سيكون مستحيلاً دون وجود الدولة.
يعد ميتشيل بيود واحداً من بين عدة مؤرخين كشفوا عن معايير ربط الاقتصاد بالدولة، حيث ذكر في كتابه تاريخ الرأسمالية: ما يجب على أي شخص تذكره في أي حالة هو أهمية الدور الذي تلعبه الدولة في نشوء الرأسمالية ومراحلها الأولى …… فالعامل الرئيس في عملية التحول هو الدولة. فكل من الوحدة الوطنية، وتوحيد العملة، والتماسك القضائي، والقوة العسكرية، وبدايات بروز الاقتصاد القومي: يعود الفضل في إرساء هذه المبادئ للدولة.
لم تكن تراكمات رأس المال وتركزه في أغلب الحالات التي نشهدها اليوم ممكنةً في ظل غياب السياسة الداخلية النافذة والقدرة على تشكيل سلطةٍ عسكريةٍ. ولم يكن من الممكن قيام الاقتصاد الاستعماري البريطاني، وهو أعظم أشكال الرأسمالية، من دون وجود دولة عملاقة ترعاه. ويُعزى لحقبة “البارون السارق” في أمريكا السبب في ترّكز الثروة في أيدي مجموعة خاصة من الناس، ويُعتقد كذلك بأن هذه الحقبة كانت مُصطنعة من الدولة. وإذا ما نظرنا إلى الإجراءات الفعلية التي اتبعها فانديربيلت وروكفلر وكارنيجي، نرى بأن هؤلاء الأشخاص قد اعتمدوا اعتمادًا رئيسيًا على غطاء الدولة، حيث تمتع هؤلاء الأشخاص بنفوذ كبير في الدولة بفضل ثروتهم الهائلة. ولقد مرت هذه الحقبة بعدة تسويات فيما عُرف لاحقًا بعصر التقّدم، فقد تمت تسوية بعض الاتحادات الاحتكارية والثروات، مع استمرار الاندماج على المدى الطويل، ومن ثم صارت الحكومة هي المصرف المركزي (بالاندماج مع مصرف جيه بي مورغان تقريباً)؛ وهكذا ظهرت المؤسسة البيروقراطية الحديثة.
وإذا ما نظرنا للاتحاد السوفيتي من باب المقارنة. فإن إجراءات الاتحاد في تأميم الصناعة، وفرض خطة خمسية لم تنجح في جعل المجتمع أكثر مساواة، بل إنها نجحت في تحويل الحزب الشيوعي إلى لجنة من الرأسماليين. فالشمولية الشيوعية كانت نموذجًا متطرفًا لاندماج الدولة مع رأس المال، لكن هذا الاندماج شمل كل النواحي وجميع الأصعدة. وإذا ما تأملنا مدى التداخل بين السياسة الحكومية والقطاع الخاص، فان الفارق بينهما يبدو منعدمًا. فالمُنَظِمون وجماعات الضغط من أصحاب الشركات وكبار موظفي الكونجرس هم نفس الأشخاص.
أما عن تميز الأسواق الحرة في الدول الكبرى والقوية، فهي فكرة أيديولوجية يشترك فيها كلا من اليمين الرأسمالي واليسار الشيوعي. فالأجدر بنا أن ننظر إلى الطيف السياسي لليمين واليسار على أنه أيدلوجية واحدة، ولا يصح تصنيفهما على أنهما طرفي نقيض. لذا يعتمد الانقسام بين اليمين واليسار والديمقراطيين والجمهوريين- الذي طغى على السياسة الأمريكية، والأسس التي يستند الفريقان إليها في تقديم الحجج والمبررات لأنصارهم حول الأسواق الحرة كفكرة مقابلة لفكرة البرامج الحكومية القائمة على المساواة- على خطأ تاريخي.
عادةً ما يوصف اليمين واليسار على أنهما طرفي نقيض. لكن يمكن إظهار عدم منطقية هذا الرأي من خلال تعريف موقف هذين الطرفين بطرق متعارضة. فمن الغريب أن ينتمي كلا من راند بول وجون مكين إلى الحزب ذاته، وأن ينظر إليهما على أنهما من نفس الطيف السياسي (اليمين). فهما يختلفان مع بعضهما البعض أكثر من اختلافهما مع باراك أوباما. ومن أكثر تجليات الحركات اليمينية على مر التاريخ هي: “الملكية والفاشية” و”الاصولية والليبرالية”، وهذه المذاهب لا يربطها باليمين رابط مشترك سوى تلك الأسباب التي تدفعها لمعاداة الشيوعية الماركسية، والعكس صحيح. ومع ذلك فهذه المذاهب لها من الأسباب ما يكفيها للوقوف ضد بعضها البعض. وإن القينا نظرة على السياسي المحافظ ديفيد بروكس ومواقفه المتناقضة والمحافظين الجدد العاملين في سلك الأمن القومي، ستجد أنهم مزيج من المواقف المختلفة والمتناقضة.
ومن ناحية أخرى، يرى القطب اليساري نفسه مجتمعاً بلا دولة، يعيش على نظام المقايضة ومكتفياً محلياً؛ وينظر لنفسه بوصفه عالماً تسوده المساواة دون قيود الفروقات بين الرجل والمرأة أو الفروقات العرقية والتوجهات الجنسية؛ وبوصفه دولة رفاهية متسلطة أو نظامًا جديد متولدًا من رحم حزب الخمير الحمر الكمبودي. أما الحزب النازي والكنيسة الكاثوليكية والأرستقراطية الوراثية والرأسماليون الداعمون للكاتبة إيان راند والأميركيون المتحمسون الذين يؤيدون حيازة السلاح هم جميعاً في أقصى الطرف من قطبي اليمين واليسار. وينطبق الحال كذلك على مخترقي الحواسيب (الهاكرز) وموظفي برنامج الغذاء لمساعدة الفقراء والناشطين المناهضين للعولمة ومثيري الفوضى والمدافعين عن فكرة الحكومة العالمية. لذا من الصعب إيجاد طريقة أقل تماسكًا أو فائدة لفهم وتمييز الاختلاف السياسي.
ولا جرم في أن النظر في أي اختلاف أو تعارض آخر في المواقف بين “المساواة” و”الحرية” سيولد سلسلة أخرى من التناقضات. حيث ينظر اليسار إلى المساواة باعتبارها قيمة أساسية في معتقده السياسي. أما السبل التي يقترحها اليساريون لزيادة المساواة الاقتصادية فهي تتطلب زيادة عدم المساواة السياسية، حيث تعتمد هذه السبل على برامج سياسية واسعة: تحتاج للكثير من الموارد والمزيد من التشريعات والقوانين، وتتطلب أيضا توسيع السلطات والرقابة بيد موظفي الدولة أو المتعاقدين مع الدولة بما يشمل برامج الرفاه. وبرامج الرفاه أكثر انتشارًا الآن في البلاد مقارنة بالقرن البائد، ولدينا مؤسسات تقوم على التعليم الحكومي الإلزامي. فهذه إنجازات حققها اليسار، غير أن القطب اليساري يسعى تحسين برامجه هذه، والسؤال المطروح: هل نجح اليسار في تحقيق المساواة؟! الجواب هو العكس تماماً وإنما تسبب في ظهور هياكل هرمية لا يمكن هدمها. تسود الآن في أوساط اليسار طبقة التكنوقراط وهي نخبة اليسار، وهذه النخبة تؤمن بالعلم والخبرة وتميل للشعارات الجماعية. وهذا التوجه لا يقوم إلا على الموهبين ويصنع طبقية هرمية مترسخة بين الأجيال.
مهما رفع اليمين من شعارات، فهو يتصرف بتناقض ملحوظ يبرز في معالجته لمفهوم الحرية، المقدس عنده، والذي يصعب فهمه في إطار معارضة اليمين لحرية زواج المثليين أو رفضه تشريع تعاطي الماريجوانا أو في ظل سياسة الأمن والرقابة الشديدة المفروضة على حياة المواطنين بشكل واسع.
وقد يختلف كلا من ميلتون فريدمان، وفلاد لينين، وهو شي من، وباري غولدواتر، وباراك أوباما، وراند بول، وفرانسوا ميتيران، ومارغريت تاتشر، ورونالد ريغان، وفيديل كاسترو، وفريدريك هايك، وتوماس بيكتي، وبول كروكمان، وأوغستو بينوشيه، مع هذا وذاك، لكنهم بالتأكيد يتفقون على أن الدولة كانت على مر التاريخ قوة تقف بوجه الرأس المال الخاص. فمن أجل تقليص نفوذ أي من الطرفين (رأس المال والدولة)، يتوجب عليك تعزيز سلطة الطرف الآخر والعكس صحيح. فالمال والسلطة يختلفان بصورة عكسية والتوازن بينهما يشكل أساسًا لموقفك السياسي.
يمتد الطيف السياسي من النموذج السلطوي في أقصى طرفيه إلى نموذج سلطوي أيضًا في أقصى طرفه الآخر، ويتخلل هذين الطرفين نموذجٌ سلطوي آخر. ولا يقبل هذا الطيف الآخر ما لم يكن خاضع له. فهو يُضيق النطاق على النماذج البديلة المغايرة لتقسيمه الهرمي أو يؤسس لهياكل تستند إلى عدم المساواة أو للتوزيع غير العادل للسلطة والثروة. ولكن يبقى هنالك بدائل لهذا الطيف السياسي، والبديل الذي أقترحه يدعو لأن نُرّتب مواقفنا السياسية بناءً على نتائجه سواءً كانت تُعزز الهيكل الهرمي أم تفككه. وعوضًا عن اليمين واليسار، علينا أن نفكر في ترتيب عمودي في مقابل الترتيب الأفقي للثروة والسلطة.
———————–
*يمثل الزمن عاملاً حاسمًا عند الحديث عن اليمين واليسار. حيث يريد التقدميون أن تتحرك عجلة الزمن بسرعة للأمام، بل ويرغبون في تسريع عجلة الزمن لكي ننتقل إلى المستقبل المشرق الموعود، في حين يسعى المحافظون لإيقاف عجلة الزمن والرجوع بالزمن إلى الوراء للعصور الذهبية الماضية. ويتضح من هذا أن كلا الطرفين يستخدمون مفهوم الزمن بطريقة مطاطة، حيث تتوقف حركة الزمن واتجاهه على نتائج الانتخابات المقبلة. وتبين فكرة تسريع عجلة الزمن أو الرجوع بالزمن للوراء حالة الاضطراب العقلي التي تسيطر على عقول وأذهان هؤلاء الأشخاص. ومثال على ذلك تيد كروز، ورافائيل كوريا، وحركة طالبان، والمغنية بيونسي، وشعب السورواها الذين يقطنون الأمازون حاليًا وحياتهم تنحصر في العصر الحجري، وإعلاميو قناة MSNBC في أوقات الذروة، يعيشون جميعًا في نفس اللحظة ويسيرون في نفس الاتجاه والسرعة في آنٍ واحدٍ.
ولعل التقدميين والرجعيين الحقيقيين يقولون إن فكرة إيقاف الزمن أو تسريعه هي مجرد تعبير مجازي. بيد أني أعتقد أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، فكلا طرفي الطيف السياسي الأمريكي يُبدون إعجابهم بالمبادئ والتقاليد الأمريكية. وأي تقدم يحققه أي طرف مهما كان حجمه ما هو إلا إعادة إحياء أو ترجمة للتقاليد الموجودة. فحديث باراك أوباما لا يختلف في هذا السياق عن حديث راند بول. فالطرفان مشغولان بإعادة تفسير وتطبيق التقاليد وكلا الطرفين يقومون بذلك تحت ظروف متغيرة، لذا فإن تفسير كل طرف لإعادة التقاليد يعد تفسيراً جديداً وربما متناقضاً مع تفسير الطرف الآخر. فالزمن صارم بهذا المعنى أيضًا.
رابط المقال باللغة الإنجليزية: هنا