ترجمة:امنة الصوفي
تدقيق:مصطفى شهباز
كان كارل ماركس وأتباعه الثوريون يرون بأن تقويض المجتمعات الرأسمالية يكمن من خلال “ابراز التناقضات ” استخدمت روسيا نسخة من تلك الفكرة الماركسية في جهودها الرامية إلى إرباك الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية في العام الماضي. وليس مفاجئا أن تستخدم روسيا استراتيجيات ماركسية، حيث تربى زعماؤها على الثقافة الماركسية، لكن ما يثير الدهشة أكثر، والأهم من ذلك بالنسبة للسياسة الأمريكية، هو أن سياسة الرئيس دونالد ترامب تستعمل استراتيجية مماثلة.
ادعى ماركس أنه كلما بدأت ظروف العمال في التحسن، كلما كانوا غير راضين عن مصائرهم، وان انقساماتهم الداخلية امر محتم. أما لينين فقد اقتنص هذه الفكرة وحولها الى استراتيجية ثورية.
أثار لينين مفهوما أنه مع تطور الرأسمالية، سيشهد العمال، أو يمكن أن يشهدوا في لحظة ما، التناقضات بين المفهوم المتداول عن الحرية المطلقة من جهة وعجزهم عن السيطرة الحقيقية على زمام حياتهم من جهة اخرى. وكانت مهمة الثوري الشيوعي هي “ابراز” أو “تعجيل” تلك التناقضات. خلال الحملة الانتخابية عام 2016، فعل الروس شيئا من هذا القبيل، ليس لخلق ثورة، ولكن لتعميق وتصعيد الانقسامات الاجتماعية (وللمساعدة في انتخاب دونالد ترامب). ومحاكاة للتجربة الامريكية، فقد استخدموا الفيبسبوك لتنشيط وتأجيج مجاميع سياسية مثل : مؤيدو حقوق المثليين، والناشطين من أصل أفريقي، ومؤيدي انشقاق تكساس، ومعارضين الهجرة. (“أمريكا معرضة للخطر، ونحن بحاجة إلى حماية بلدنا الآن أكثر من أي وقت مضى، بغض النظر عن الخزعبلات الليبرالية).
وبذلوا جهودا مضنية دفاعا عن شرعية حمل السلاح. ففي أحد الإعلانات، تسأل امرأة شابة: “لماذا لدي بندقية؟ لأنه من الأسهل على أسرتي إخراجي من السجن على أن اكون داخل مقبرة”. وحاولوا أن يناشدوا المسيحيين بإعلانات استفزازية نقلا عن ترامب:” سنقول عيد ميلاد سعيد مرة أخرى” وعيد الميلاد في خطر!
باختصار، حاول الروس تعزيز شعور التظلم والإهانة من جميع مكونات المجتمع الأمريكي. وكان الهدف هو تكثيف الانقسامات الاجتماعية والإسهام في جو من الشكوك المتبادلة والغضب، حتى الغضب، من شأنه أن يضعف الامة في نهاية المطاف ويجعل من ادارة الحكم مهمة صعبة . كان لينين ليشعر بالفخر بلا شك لو رأى صنيع بوتين.
حتى لو فازت هيلاري كلينتون، فإن استراتيجية روسيا قد أثبتت فعاليتها. كما قال مشارك روسي في حملات مماثلة مؤخرا، “هدفنا هو عدم توجه الأميركيين نحو روسيا” ولكن بدلا من ذلك “إثارة الاضطرابات والاستياء”.
وما يثير الاهتمام في البيت الابيض . أن كل رئيس لديه استراتيجيته الخاصة للتعامل في أوقات الأزمات الطارئة. حيث عمل فرانكلين روزفلت، جون كينيدي ورونالد ريغان على سحب البساط من تحت أقدام خصومهم باساليب مسالمة وسلسلة وفكاهية. بينما توجه ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون نحو وسط الصيف السياسي. اما جورج بوش وباراك أوباما فقد انخرطوا في الأعمال التجارية وتقديم عمل مهم ومتماسك.
على النقيض من هذه ذلك،فأن دونالد ترامب يقوم بابراز التناقضات. محاولا إثارة الاضطرابات والاستياء، على الرغم من المودة الظاهرية تجاههم. انه يخلق الاعداء واكباش الفداء. هذا هو أيضا نهج ستيفن بانون، وهذا ما يجمع هذان الرجلان في نقطة ما.
قد تكون هذه السياسة ذكية. ولكن جوهريا، يبدو أن هذا شئ غريزي لدى ترامب، يلتجأ اليه عند المنعطفات أو الازمات. في بعض الحالات، تبدو تصريحاته مزعجة تماما كالاعلانات الروسية (الاخبار الكاذبة) في الفيسبوك.
وأوضح مثال على ذلك هو جهوده الطويلة، قبل أن يشغل منصبه، لإقناع الأميركيين بأن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. كسياسي ورئيس، والنظر في ادعائه الأخير أن أوباما فشل في رعاية عائلات الجنود الذين قتلوا في الحرب؛ تركيزه على ما إذا كان لاعبو كرة القدم المحترفين يقفون للنشيد الوطني، جنبا إلى جنب مع تهديده لإلغاء الإعفاء الضريبي للرابطة الوطنية لكرة القدم؛ واستخدام سياسة الشخصنة في الهجوم على الحزب الجمهوري. واقتراحه بأنه إذا استمرت هيئات البث في تقديم “أخبار مزيفة”، فقد يتم إلغاء تراخيصها؛ ادعاءه بأن الديمقراطيين لا يؤمنون بالتعديل الثاني للدستور ويريدون إلغاءه؛ تركيزه المتجدد على أهمية قول “عيد ميلاد سعيد”. تركيزه المستمر على هيلاري كلينتون وجرائمها المزعومة.
في حين أن استراتيجية ترامب المميزة هي تكثيف الانقسامات الاجتماعية، وجعل ما يفرق الأميركيين بارز وواضح قدر الإمكان، فان هذا النهج يرتبط في كثير من الأحيان مع الفكر الماركسي اكثر من اليمين.