بقلم: آني لوري غايلور، الرئيسة المشاركة لمؤسسة الحرية من الدين.
ترجمة: كلكامش نبيل
عندما سمعت السؤال الذي يقول: “هل ينبغي علينا أن نُعلم الدين في المدارس الحكومية؟ تراجعتُ مذعورة. لماذا؟ إن الولايات المتحدة حاليا في وضع لا تُحسد عليه وهي تقترب من ذيل قائمة الدول الصناعية عندما يتعلق الأمر بتدريس نظرية التطور في مدارسنا الحكومية. ونتيجة لذلك، فإن نصف البالغين على الأقل يتبنون نظرية الخليقة ويرفضون نظرية التطور. إن رفض المنطق، وهذا الانتعاش الديني الذي ما زلنا في خضمه، يضعف موقفنا الدولي. إذ كيف يمكن لأمة أمية من الناحية العلمية أن تتنافس في السوق العالمية؟ وماذا يعني لمستقبلنا أن يرفض نصف سكاننا الحقيقة ويتقبلون الخرافات؟
وفي هذا السياق يجب أن نأخذ في الاعتبار فيما إذا كان في الامكان الوثوق حقاً بقدرة المعلمين العاديين في المدارس الحكومية – وخاصة المعلمين في الصفوف الأدنى – في أن يكونوا موضوعيين فيما يخص “تعليم” الدين. تتلقى مؤسسة الحرية من الدين باستمرار اتصالات من قبل طلاب وأولياء الأمور يواجهون معلمين ومدراء مدارس ينظرون الى جمهورهم الأسير من الطلاب على أنه حقل تجارب مهم وناضج بهدف التجنيد. نحن نتعامل مع أكثر من 2000 شكوى في السنة مقدمة من قبل أفراد من الجمهور المعني برصد انتهاكات الفصل بين الكنيسة والدولة، وتتعلق الغالبية العظمى من هذه الشكاوى بانتهاكات في مدارسنا الحكومية. علينا أن نراقب عن كثب مدارسنا الحكومية للامتثال للمنع الواضح منذ أكثر من 60 عاما للصلاة والتعليم التعبدي في مدارسنا الحكومية. لقد كان علينا مؤخرا التقدم بشكوى في أكثر من ولاية واحدة بخصوص أطفال في رياض الأطفال تم اجبارهم على الصلاة من قبل معلميهم!
يصادف هذا العام – 2014 – الذكرى الخامسة والستين للقرار التاريخي لمجلس ماك كولوم في. للتعلم الصادر عن المحكمة العليا في الولايات المتحدة، والقاضي بمنع التعليم الديني في مدارسنا الحكومية. كان جيم ماكولوم الطفل الوحيد في مدرسته الابتدائية الذي لم يشارك في الفصول الدينية. وقد تعرض للاضطهاد، وكذلك أسرته، بسبب اشارته إلى أن الأمر يعود إلى أولياء الأمر فيما يخص تعليم أطفالهم المعتقدات الدينية. كما أن هذا العام يصادف أيضا الذكرى السنوية الخمسين لمنع أبنغتون شيمب لقراءة الكتاب المقدس وتلاوة الصلاة الربانية. أصبح الداعيين في كلتا الحالتين منبوذين بسبب التحدث ضد وجود الدين في مدارسهم الحكومية. لسوء الحظ، فأنه وحتى اليوم، لا يزال الطلاب الذين يتمسكون بفصل الكنيسة عن الدولة منبوذين في الغالب، ويتضح ذلك من خلال سوء معاملة طالبة المدرسة الثانوية جيسيكا ألكويست العام الماضي. فبعد أن كسبت حكماً اتحادياً في ولاية رود آيلاند يقضي بإزالة لافتة للصلاة من مدرستها الثانوية العامة، اصبح من الواجب على جيسيكا على الفور ان يتم اصطحابها إلى المدرسة برفقة حراسة من الشرطة. واضطرت للانسحاب إلى التعليم الخاص بعد تلقيها تهديدات متكررة وشرسة باستخدام العنف والقصاص ضدها. يكرّس الدين في مدارسنا الحكومية الانقسام، وعادة ما يبني الوعي بالخلافات الدينية الجدران بين الطلاب.
في عام 1890، تقدم أولياء الأمور الكاثوليك في ولايتي، ولاية ويسكونسن، بدعوى قضائية ضد ممارسة القراءة التعبدية للكتاب المقدس (البروتستانتي) في المدارس الحكومية. وبالتوافق مع حكم أعلن هذه القراءة للكتاب المقدس غير دستورية، اشارت محكمة العدل العليا في ولاية ويسكونسن بحكمة بما يلي:
ليس هناك مصدر وسبب للنزاع والخلاف والمعارك والمعارضة الضارة والاضطهاد والحرب وكل شر في الدولة يشبه الدين. دعنا ندخله مرة أخرى في الشؤون المدنية لدينا، وسترى حكومتنا تتدمر بسرعة. لنسمح له مرة أخرى بالدخول في مدارسنا الحكومية، وسيتم تدميرها.
يختلف التعليم التعبدي والتمارین الدینیة، بالطبع، وبشكل كبير عن التعلیم والتعلم الأکادیمي “حول” الدین. لكن ذات الطريقة التي يُطرح بها هذا السؤال، باستخدام “الدين” بصيغة المفرد بدلا من “الأديان” بصيغة الجمع، تكشف عن أحد المخاطر الفطرية لهذا النوع من التعليم. وغالبا ما ردت المحكمة العليا على خصمها فاتي ماك كولوم، ردا على مسألة تدريس الدين في المدارس: إذا كنا سنعلم الدين، فدين من الذي سيتم تعليمه؟ حيث أنه دائما تقريبا ما يتم “تدريس” الدين المهيمن، مع إشارات رمزية إلى الأديان الأخرى يتم الالقاء بها في المنهج.
في أفضل البيئات المدرسية الحكومية الممكنة، سيكون من المثالي، بالطبع، أن تشمل، على الأقل في المرحلة الثانوية، حصة عن علم الأديان المقارن. وتدرس معظم حصص الدراسات الاجتماعية والجغرافيا بالفعل الانتماءات الدينية للمنطقة، وبعض من العقائد التي تميّزها. يجب ألا يكبر الطلاب الأميركيون وهم يجهلون الأديان العالمية. ولكن على نفس المنوال، لا ينبغي أن يكبروا وهم يجهلون الأديان الميتة في العالم، أو حقيقة أن غير المتدينين وغير المنتمين هم من بين أكبر قطاعات العالم، عندما يتعلق الأمر الهوية الدينية. في الولايات المتحدة اليوم، هناك شخص بالغ واحد بين كل خمسة بالغين وشخص ضمن كل ثلاثة شبان يعرف نفسه بأنه “لا ديني”.
إذا كنا سنقوم بتعليم الدين في المدارس الحكومية، سيتوجب علينا “تعليم الإلحاد” أيضاً. فهل الأميركيون مستعدون للقيام بذلك بطريقة عادلة ومحايدة؟ وهل يشير المعلمون إلى أن غير المتدينين يمثلون ثاني أكبر “طائفة”، بعد الكاثوليك في الولايات المتحدة؟ في نهاية المطاف، فإن الهدف من أي حصة في المدارس الحكومية، بغض النظر عن الموضوع، يجب أن يتمثل في تعليم مهارات التفكير النقدي. هل يرغب الدينيون في الاتفاق على وجوب تعليم الأطفال في المدارس الحكومية كيفية التشكيك في الدين؟
ربما يكون الدينيين هم من يجب أن يكونوا حذرين من “تعليم الدين” في المدارس الحكومية. فغالبا ما يكون الملحدون والمفكرين الأحرار أكثر تعليماً عن الدين والكتاب المقدس من المؤمنين العاديين. وقد أصدر منتدى بيو للدين والحياة العامة دراسة استقصائية منذ عدة سنوات خلصت إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالمعرفة الدينية، فإن الملحدين واللا أدريين يسجلون درجات أعلى من أي من المؤمنين، الذين غالبا ما يكونون جاهلين بشكل مخجل بمبادئ دياناتهم الخاصة. وغالباً ما يقول أعضاء مؤسسة الحرية من الدين لنا بأنهم قد توصلوا إلى رفضهم للدين بعد قراءة الكتاب المقدس.
فالدراسة النزيهة والأكاديمية لمزاعم الأديان، بدلا من التحفيظ التعبدي والببغائي للمقاطع الأكثر استساغة من الكتاب المقدس، ستؤدي حتما في أن يتحقق أي مفكر من أن: هناك الآلاف من الأديان في العالم، وجميعها يدعّي أنه الايمان الحقيقي الوحيد. لا يمكن أن يكون الجميع على حق … وربما، يكون الجميع على خطأ!