ترجمة وتصميم: نعمان البياتي
تجارب الصواريخ البالِستية بعيدة المدى لكوريا الشمالية، والتي من الممكن أن تصيب الأراضي الأميركية بقنابل نووية، تُقلق الولايات المتحدة وحلفائَها الآسيويين، ولكن انعكاسات هذه التجارب وصلت إلى أبعد من آسيا أو أمريكا الشمالية؛ ففي الشرق الأوسط، يبرز السؤال المهم، هل إن استعداد الولايات المتحدة على موافقة امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي – وإن كانت عند كوريا القدرة على ضرب الأراضي الأمريكية نفسها – يعني أن الأمر نفسه سيتكرر مع إيران؟، فالشعوب والقادة السياسيون في المنطقة، وبالأخص إسرائيل ودول الخليج، يخشون أنهم قد يكونون على وشك مشاهدة فيلم، سيُعرض قريباً من دولهم.
في الحقيقة إن مخاوفهم في محلها، والتشابهات بين القضيتين مقلِقة. في عام 1994، أعلنت إدارة الرئيس بيل كلينتون، عن “إطار عمل مشترك”، يقوم على تجميد وتفكيك البرنامج النووي الكوري الشمالي، مطمئِناً كوريا الجنوبية والحلفاء الآخرين، بحماية أفضل؛ “وأن العالم سيكون أكثر أماناً، وأن الولايات المتحدة، والمفتشين الدوليين، سيراقبون عن كثب نشاطات كوريا الشمالية، للتأكد من التزاماتها”. ولكن بيونغ يانغ خالفت الاتفاق، وانهارت الاتفاقية، وخلال عقد من الزمن، كانت كوريا الشمالية في طريقها نحو القنبلة الذرية.
إدارة الرئيس بوش الابن، حاولت نهج سلوكٍ أكثر تشدداً، ولكنها فشلت أيضاً. فعلى الرغم من التعهدات، والمطالبات، والتحذيرات، من امتلاك عناصر عدائية ككوريا الشمالية لأسلحة دمار شامل، لم يستطع بوش فعل شيء سوى “التنديد بالعمل الاستفزازي” عندما قامت بيونغ يانغ بتجربة نووية عام 2006. ورغم التعهدات الواضحة، بأن كوريا الشمالية ستكون مسؤولة في حال ثبوت محاولاتها لتخصيب اليورانيوم، فإن الإدارة الأمريكية وقفت مكتوفة الأيدي، عندما قامت بيونغ يانغ ببناء مفاعل بلوتونيوم سري لإنتاج الماء الثقيل في سوريا. ووفقاً لمسؤولين في المخابرات الأمريكية، فإن المشكلة لم يتم حلها، إلا عندما أخذت إسرائيل زمام المبادرة، وقصفت المفاعل في سوريا في عام 2007.
أما إدارة أوباما، والتي حاولت تجنب المواجهة العسكرية، والتي لم تود مكافأة سلوك بيونغ يانغ بالحوار، فإنها لجأت إلى سياسة “الصبر الاستراتيجي”، وكانت نتائجها، أن الولايات المتحدة كانت تشاهد “بصبر”، تطوير بيونغ يانغ لبرنامجها النووي، وتطوير قدراتها الصاروخية.
بعدها جاءت إدارة ترامب. في يناير 2017، أعلن رئيس كوريا الشمالية كيم جون أون، عن نية بلاده إجراء تجربة لصواريخ بعيدة المدى، قادرة على حمل رؤوس نووية؛ فكان رد الرئيس ترامب على تويتر “إن هذا لن يحدث!” وأعلن لاحقاً أنه يعتزم إرسال أسطول حربي إلى المنطقة. نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، أكد على رسالة الرئيس ترامب، من خلال زيارته إلى المنطقة منزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية، وحذر بيونغ يانغ من “عدم اختبار عزيمة الرئيس ترامب، وقوة القوات المسلحة الأمريكية”، ولكنهم اختبروه، وتبين أن الرد الأمريكي لن يكون أكثر فعالية من الردود السابقة على مدى 20 عاماً.
بِسجل الأحداث هذا، يمكننا أن نسامح قادة وشعوب منطقة الشرق الأوسط، إذا ما شكّوا في إمكانية الولايات المتحدة منع إيران من امتلاك قنبلة ذرية. ولكن، هناك اختلافات أساسية بين الحالتين، ومن المهم أن نستخلص الدروس الصحيحة من التجربة الكورية. لا يزال هناك متسع من الوقت، لمنع إيران من السير على خطى كوريا الشمالية، فقط إذا كان القادة في واشنطن والعواصم الأخرى، جادّين في حل المسألة، ومدرِكين لنقاط التشابه والاختلاف.
يفترض البعض، أنه بسبب فشل لغة الدبلوماسية في مسألة كوريا الشمالية، فإن على الولايات المتحدة وشركائها، تجنب لغة الحوار، والتركيز ببساطة على العزل الاقتصادي والدبلوماسي حتى يستسلم وينهار النظام الإيراني. ولكن هذه ستكون خطوة خاطئة لعدة أسباب؛ فإطار العمل المشترك، انهار جزئياً بسبب رفض الكونجرس الأمريكي استرضاء كوريا الشمالية بالتعهدات المتفُق عليها، ورفضِهم تزويدها بالطاقة، كما كان منصوصاً في الاتفاق. واختفاء الالتزامات من قبل الطرفين، لم يؤدِ إلى انهيار كوريا الشمالية، ولا استسلامها، بل أنتج دولة نووية مذعورة، مع قدرات صاروخية باليستية قارّيّة. التوجه الصحيح اليوم، هو عدم غلق طريق المفاوضات مع إيران، لأنه سيتركنا مع الخيار الكارثي لإيران النووية، أو ضرب إيران عسكرياً.
المجتمع الإيراني أكثر انفتاحاً وديناميكية من المجتمع الكوري الشمالي. فلديها حكومة غير محبوبة، وطبقة وسطى متعلمة، وفئة سكانية شابّة متحمسة للاندماج في المجتمع العالمي، مما يجعل النظام الإيراني أكثر عرضة للضغط وأضعف أمام الحوافز؛ ومن الممكن، عند انتهاء صلاحية بعض القيود على برنامج إيران النووي بعد عقد من الآن، أن تكون إيران تحت قيادة مختلفة، أكثر انفتاحاً على الحوار، وتقديم الضمانات النووية، والتعاون على المستوى الإقليمي حتى.
من السذاجة التفكير، بأن أي حكومة إيرانية – وإن كانت أقل عدائية لإسرائيل أو الدول السنية – ستتنازل بسهولة عن عقود من العمل، وتتخلى عن البرنامج النووي، ولكن سيكون من الطيش كذلك عدم تجربة الحل التفاوضي، من خلال تقديم حزمة متنوعة من المكافآت والحوافز، والتهديدات والعقوبات، والتي يمكنها دفع القادة الإيرانيين، للمراقبة الفعلية والآمنة لهذه الصناعة. أخذت بيونغ يانغ قراراً مختلفاً، وهي الآن من أفقر وأكثر دول العالم انعزالاً؛ طهران، أو بالأحرى الشعب الإيراني، سينظر إلى سابقتِه، وقد يقرر عن رغبته في الحصول على مستقبل مختلف.
اختلاف مهم آخر، هو أن عملاً عسكرياً لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، يبقى حلاً ممكناً. في حالة كوريا الشمالية، خيار الضربة الاستباقية غير ممكن، ومقيَّد بالحقيقة الاستراتيجية، أن معظم سكان كوريا الجنوبية، وعاصمتها سيول، يقعون تحت مرمى آلاف الصواريخ الكوريّة الشمالية، وأن جميع جيران كوريا الشمالية، بما فيهم كوريا الجنوبية، رافضون تماماً لفكرة التدخل العسكري؛ أما الضربة الاستباقية لمنشآت إيران النووية، فرغم كونها مكلِفة ولها سلبياتها، إلا أنها تبقى حلاً واقعياً، على حساب امتلاك إيران لسلاح نووي، خاصة أن معظم الدول المحيطة بإيران موافقة على ذلك.
لذا، فإنه رغم كون الحل العسكري بعيدٍ عن المثالية، إلا أن على الإدارة الأمريكية وحلفائِها أن يعتبروه حلاً وارداً؛ هذا يعني الاستمرار في تطوير قدرات عسكرية، كالأسلحة الخارقة للذخائر، والقنابل المخترقة للأقبية والمخازن تحت الأرض، محافظةً على سياسة الولايات المعلَنة، أنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ونشر منظومات مضادة للصواريخ في إسرائيل والدول الخليجية، مطمئِنةً إياهم، أنهم ليسوا رهائن بيد إيران، كما إن سيول رهينةٌ بيد كوريا الشمالية.
اختلاف نهائي بين الاثنين، هو أنه على الرغم من أن كوريا الشمالية أصبحت دولة نووية مع قدرات صاروخية بعيدة المدى، فإنه لا يزال لدينا الوقت مع إيران. وجميع قادة الدول الذين عارضوا الاتفاق النووي الإيراني، عليهم أن يعلموا أن الاتفاق ساهم في إبطاءِ نشاط هذه الصناعة، وعليهم أن يستخدموا الوقت المتبقي بحكمة. على واشنطن أن تتقبل نتائج تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن إيران ممتثلة للاتفاقية، وأن تستمر في إعفائها من العقوبات لإبقاء الاتفاقية سارية. أي قرار أحادي من قبل إدارة ترامب، باعتبار إيران غير ممتثلة للاتفاق، أو اختلاق أزمة مصطنعة بخصوص المفتشين، كما يخطط بعض أعضاء الإدارة، لن يؤدي إلا إلى عزل الولايات المتحدة، وإعطاء الذريعة لإيران للاستمرار في نشاطها النووي.
بدلاً من ذلك، على الولايات المتحدة واللاعبين الدوليين الآخرين، أن يستفيدوا من الوقت المتاح من قبل الاتفاقية النووية، وأن يباشروا بالتخطيط لاحتمالية تخلي إيران عن الحل الدبلوماسي، والسير على خطى كوريا الشمالية. على الولايات المتحدة أن تُطلق استراتيجية حوار صادقة مع كل شركائها الدوليين، لإجبار اتفاقية إيران النووية على الاستمرار، والاتفاق كذلك على ما يجب فعله في المستقبل، في حالة مخالفة إيران لبنودها.
الاتفاقية النووية الإيرانية صُممت لإعطاء الفرصة لإيران، أن تُثبت على مدى 10 إلى 15 سنة، أن برنامجها للأغراض السلمية حصراً. وفيما إذا رُفعت العقوبات عن إيران، وبقيت على سلوكها في دعم الإرهاب، وعدم العيش بسلام مع جيرانها، وفشلت في تقديم ضماناتِ سلميةِ برنامجها النووي، عند ذاك تقرر الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون كيفية التصرف مع إيران، من خلال حوارٍ يُفضل أن يبدأ اليوم.
لدى كوريا الشمالية حليف قوي، الصين، والتي لا تملك الرغبة في معاقبة تجاوزاتها النووية، خشية التعجيل في سقوط النظام الكوري الشمالي، وتخسر الصين بالتالي وكيلها في شبه الجزيرة الكورية؛ إيران بالمقابل، لا يجب أن تمتلك حامياً كهذا. وفي حالة فشل إيران في إثبات عملها السلمي، فإن القوى الكبرى يجب أن تتفق على أن جميع الخيارات متاحة، بما فيها العمل العسكري، وإعادة العقوبات، التي كانت السبب الذي جعل إيران توافق على الحوار أصلاً.
سيكون من السذاجة إنكار التشابهات الشديدة بين حالة إيران وكوريا الشمالية، ولكن سيكون من السذاجة أيضاً إنكار الاختلافات. إذا تمكن قادة الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج من تعلم الدروس الصحيحة من مشكلة كوريا الشمالية، فإننا سنكون قادرين على اجتناب تكرارها.
رابط المقال بالانكليزية: هنا