بقلم فيليب هوك (Philip Hook)
تختلف الاراء حول تجار القطع الفنية حيث يصفهم الفنان Eugéne Delacroix قائد المدرسة الرومانسية في الرسم بانهم “مكتشفي الاشياء الغامضة و الفريدة” في حين لم يوافقه في الراي الفنان الفرنسي Marcel Duchamp حيث كان اقل اعجابا و انبهارا بهم قائلا “انهم عديمي القيمة من غير الفنانين فهم يستمدون كل ما لديهم من موهبة الفنان و عمله”
ان كتاب معرض المحتال Philip Hook ما هو الا دراسة هدفها تسليط الضوء على الخيمائيين العباقرة الذين لديهم القدرة على تحويل اللوحات الفنية الى ثروة مالية فالكتاب يبرهن على روحهم الريادية و جشعهم المادي في ان واحد.
ان Philip Hook هو مدير دار سوذبيز للمزادات كان قد نشر سابقاً عددا من الكتب التي تناقش عالم الفن بشكل يظهر مهارة الكاتب و خبرته بهذا المجال وجراته مجتمعة معا.. فهو يفضح زيف الكلام المعسول الذي يستخدمه التجار في عملية البيع واصفا اياه بكونه “مجرد تزويق لفظي خالي من العنصر الفكري و الثقافي”.
“مصففي الشعر و وريثي الثروات و الخياطين و الرسامين افتتحوا معارض لجلب الفنانين و مقتني القطع الفنية”
يبين Hook في كتابه ان دور تاجر القطع الفنية هو دور معقد و هذا يحتم عليه ان يمزج بين صفات الحرص و الاهتمام تجاه القطع الفنية و ان يتمتع بالقدرة على تنسيق الاعمال و ترتيبها بالاضافة للخبرة و ان يكون شخصا رأسمالي مما يجعل اسلوب العمل بهذا المجال غريباً و شاقا لحد ما.
و يذهب Hook في كتابه ليكشف لنا عن السيكلوجية المتشابكة و المعقدة لهذه التجارة متتبعا اياها منذ القرن السادس عشر في اسواق مدينة انتويرب البلجيكية حيث كانت اللوحات احياناً تباع قياسا لوزنها و صولا لأسواق اليوم الحديثة و حسب قوله ” يجثم موظفي المبيعات اليوم على حواسيبهم لاتمام عملية البيع كأنهم في سوق مبادلات تجارية ”
و من الجدير بالذكر ان لهؤلاء السماسرة الدور بتحديد شكل الحركات الفنية و احتضان المواهب و اثارة حيرة المؤسسات الاكاديمية في عالم الفن، كما انهم يحللون و بدقة المرونة ” بين السعر الذي يستحقه العمل الفني و ما هي قيمته الفنية الحالية “.
و يوثق الكاتب في كتابه ايضا حياة بعض من تجار الفن الذين استطاعوا ان يصبحوا اثرياء من جراء هذا العمل و من ضمنهم ثلاثة هم Joseph Duveen و الملقب بعراب التجارة الحديثة و المهتم بالمدرسة الانطباعية و Paul Durand -Ruel و نصير المدرسة الوحشية للرسم Ambroise Vollard.
ان الاتجاهات الفنية لهؤلاء الثلاثة متعارضة، فالبرغم من كون Duveen ناجحا في عمله فلقد تمكن من جمع ثروة تقدر بحوالي 13.5 مليونا خلال مسيرته الا انه كان يعتمد على حارسه الشخصي المسمى ب Bert ليخبره عما اذا تم ترميم او تجديد لوحة، اما Paul Durand و هو كاثلوكي متحفظ. كان Durand لا يخشى اخذ المجازفة في عمله بتمثيل الحديث من الاعمال الا انه يعرف ايضا كيف يكسب من تمثيل و بيع لوحات الفنانين الكبار كمونيه، اما بالنسبة ل Vollard كان يتسم اسلوبه بالعكسية فمثلا اذا ساوم الزبون على السعر فان الاخير يزيد سعرها لا العكس.
يتناول الكتاب عددا من التجار الاقل شهرة من سابقيهم و الذين وصفهم Hook كمجموعة من منتهزي الفرص و الذين استطاعوا و بقوة ان ينجحوا بدعمهم للاعمال الفنية المستحدثة خلال القرن العشرين…. فمثلاً لقد قام مصففي الشعر و اصحاب الثروات الضخمة و الخياطين و الرسامين بفتح معارض لجذب الفنانين و مقتني القطع الفنية و من اهم هؤلاء الشخصيات هو الناقد الفرنسي Félix Fénéon الذي اشتهر بانتمائه الى الايدلوجية السياسية اللاسلطوية و كان صديقا للرسام surate و signac حيث كان Signac من مشجعي اللاسلطوية قام برسم لوحة لصديقه الناقد تبرز شخصية الاخير من خلال مجموعة من الالوان.
و يحتوي الكتاب على فصل يتمحور حول مدير دار سوذبيز للمزادات Peter Wilson و الذي تولى ادارة الدار منذ عام 1960 الى 1970 و بهذه الاضافة هوك يقدم لنا دليلا اخر على اختلاف اساليب و طرائق هذه التجارة من مختص لاخر، فمثلا لقد استطاع Wilson و هو عميل مخابرات مثلي الجنس سابق ان يحول المزادات الى عروض مسرحية يحضرها نجوم مثل Dame Margot Fonteyn و kirk Douglas و هذا ما اعطى تجار الفن دفعة اكبر للظهور على الساحة التجارية بشكل اقوى. و مما يجدر ذكره ان Wilson كان شخصية غامضة و محاطاً بالاقاويل فكان في نظر البعض بطلا كجميس بوند اما البعض اعتبره جاسوسا و نظرا لغموض شخصيته لايمكن تحديد اي الاعتقاديين او كلاهما حقيقي.
يبدو الحديث بهذا الموضوع مشوقا و ممتعاً كانواع الحديث التي يمكنك تجاذبها في مطعم او في حانة فالعمل في هذا المجال كما يصفه Hook قائلاً ” ان تكون تاجر قطع فنية في المانيا خلال القرن العشرين هو حقاً تجربة تستحق المحاولة “.
يثير Hook بعض الاسئلة الاخلاقية و هي هل يجوز السخرية من مؤرخي الفن من قبل عالم التجارة؟ ، هل هناك ما يسمى بالربح الزائد؟ هناك الكثير من الاراء حول هذا الموضوع و لكن حقيقية واحدة تبقى ثابتة و هي جزء لا يتجزأ من سحر و شخصية تاجر القطع الفنية الا و هي حب المجازفة. و يذكر Hook لنا حادثة في حدثت في الثلاثينيات و هي ان keneth Clark مدير المتاحف الانكليزي قام بزيارة Duveen التاجر الفني المعروف و قال عنه ” عندما يكون Duveen حاضراً يكون الجميع مفتونين بحضوره “.
المصـدر:-
https://www.theguardian.com/books/2…