بقلم كايل أورتون
31 أغسطس 2016
قام تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) البارحة، و عبر وكالة أعماق الاخبارية، بتأكيد خبر مقتل طه صبحي فلاحة، المشهور بكنية أبو محمد العدناني. إكتسب فلاحة (العدناني) شُهرةً عالمية بعد خطابه الصادر في سبتمبر 2014 و الذي طالب فيه المسلمين في الغرب بقتل “الكفار” القريبين منهم، و أن “يبصقوا في وجوههم” إن كانوا غير قادرين على أن يجدوا سكيناً أو سيارةً أو صخرةً ليقتلوا “الكفار” بها.
عُرِفَّ فلاحة (العدناني) على إنه المتحدث الرسمي لداعش، فكان الصوت الناطق للتنظيم منذ عام 2011. و كان من مقاتلي الجيل الأول، حيث إنخرط في صفوف التنظيم قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، فيعد بذلك من القلة الممتلكين لهذه المكانة. لكن، كما سبق و فسرت في ورقة بحث لمجمع هينري جاكسون و التي جمعت فيها معلومات عن قيادات داعش، تبين لي أن فلاحة كان أكثر من كونه قيادي صوري.
فلقد كان فلاحة الحاكم للأراضي التي تسيطر عليها داعش في سوريا و الرجل الذي أشرف على الهجمات الإرهابية الخارجية، فكان نائباً للخليفة أو ثاني أهم رجل عنده. من خلال بيروقراطيتها المثيرة للإعجاب، تستمر داعش في التمكن من إستبدال قيادييها المقتولين من دون إحداث أي إرباك كبير في التنظيم. و مما لا شك فيه أن داعش ستعاني القليل من الإرباكات مع مقتل قياديين بحجم فلاحة.
في البداية
لقد كان فلاحة، المولود في بنش في ريف إدلب في 1977، عضواً في جماعة جهادية-سلفية منذ عام 2000 و يعمل ضد نظام الرئيس بشار الأسد، و ذلك وفقاً للسيرة الذاتية الصادرة عن المسؤول الديني الأعلى لداعش، تركي البينالي.
في أبريل من عام 2002، قام مؤسس داعش، أحمد الخلايله (أبو مصعب الزرقاوي)، بنقل تنظيمه الى العراق إبان حكم صدام حسين، و قام الخلايله حينذاك بالإنتقال إلى بغداد في شهر مايو مع بعض من المسؤولين الكبار للقاعدة. و في صيف 2002، قام الخلايله بالسفر إلى لبنان و سوريا لتجنيد مقاتلين، و التخطيط – بمساعدة المخابرات السورية – لأغتيال دبلوماسي أمريكي في الاردن و جلب المجاهدين الأجانب إلى صفوف التنظيم الذي سبق داعش. كان فلاحة عضواً في جماعة مؤلفة من 35 شخص في حلب قامت بإعلان البيعة للخلايله و غادرت إلى العراق لأنتظار قدوم الأمريكان، وفقاً لتركي البينالي.
إنتقل الخلايله (الزرقاوي) إلى بغداد و من ثم إلى أراضي يسيطر عليها تنظيم أنصار الإسلام في شمال العراق في نوفيمبر 2002. بعد أن طالبت عمان، و للمرة الثانية، صدام حسين بأعتقال الخلايله. قام الخلايله و رجاله و جهاديوا أنصار الإسلام بالهروب إلى إيران خلال فترة الإحتلال، و من المرجح أن فلاحة كان معهم.
عاد الخلايله و جهاديوا أنصار الإسلام إلى العراق في وقت مبكر من صيف 2003، و تلقوا مساعدة من إيران و نظام صدام حسين الذي أطيحَّ به، و سارَّ كُلٌ في إتجاهِهِ إلى أن حدث الدمج في 2014. و مع حدوث سلسلة من التفجيرات الإرهابية “المذهلة” في بغداد ضد الأهداف الأجنبية و ضد مرقد شيعي في النجف في أغسطس 2003، كان التمرد قد بدأ و رجال الخلايله قد وصلوا.
حينذاك، أصر الأمريكان أن كل شيء كان على ما يرام، و لكن من كان على الأرض شعر بالفوضى المتنامية و بقوة جناح التمرد التابع للخلايله مقابل بقية أجنحة التمرد التابعة للسلفية-البعثية و رجال العشائر.
لقد كان فلاحة حُراً حينما قام تنظيم الخلايله (الزرقاوي) بإعلان بيعته لتنظيم القاعدة و أصبح إسمه تنظيم القاعدة في العراق. و لكن حدثَّ أن تم إعتقال الخلايلة في 31 مايو 2005، و بقي في السجن لحين 2010، و لذلك فقد ضاعت عليه العملية المعقدة و التنافسية التي من خلالها قام تنظيم القاعدة في العراق، بعد مقتل الخلايلة (الزرقاوي)، بالتحول لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق في نوفمبر 2006، و الهزيمة الإستراتيجية التي مني بها التنظيم في 2008.
صناعة الخلافة
فترة السجن التي قضاها فلاحة كانت بمثابة الدرع الذي حماه من عملية التصفية التي لحقت قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في 2008 و 2009، و من غير الواضح إذا ما كان وجود فلاحة خلف قضبان السجن خلال العميلة التي إقتربت من قطع رأس التنظيم في الفترة ما بين أبريل و يونيو 2010، و تم خلالها أيضاً تصفية أمير التنظيم، حامد الراوي (أبو عمر البغدادي) و معاونه، يوسف الدرديري (أبو حمزة المهاجر)، قد أدى لتولي إبراهيم البدري (أبو بكر البغدادي) قيادة التنظيم.
كان لتنظيم الدولة الإسلامية – على نحوٍ غير ملحوظ – ردة فعل على الصحوات، و لكن، بحلول منتصف 2011، صار التنظيم في تحسن ملحوظ بحيث إنه أرسل 7 من قادته الكبار إلى سوريا من أجل الإعداد لتنصيب فرع لتنظيم الدولة الإسلامية هناك. و لكن فلاحة، على الرغم من كونه سورياً، لم يتم إرساله في هذه المهمة. بدل عنه، أصبح أحمد الشارة (أبو محمد الجولاني) القائد لجبهة النصرة، و التي حولت إسمها مؤخراً لجبهة فتح الشام و “إنفصلت” ظاهرياً عن تنظيم القاعدة. و أصبح فلاحة المتحدث بإسم تنظيم الدولة الإسلامية في أغسطس 2011.
خلال 2012، أصبحت النصرة مستقلة بشكل متزايد. و في ديسمبر 2012، تم نقل نائب البدري، سمير الخلفاوي (حجي بكر)، إلى سوريا من أجل أن يقوم بإخضاع أحمد الشارة (الجولاني). يبدو أن الخلفاوي كان برفقة الفلاحة، الذي حاول أن يقوم بترتيب هجوم ضد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في تركيا. و لكن الشارة (الجولاني) تمكن من إيقافه، و كانت هذه هي اللحظة التي علم عندها تنظيم الدولة الإسلامية بأنه فقد السيطرة على النصرة. إنتقل إلى سوريا أيضاً مع الخلفاوي، أو بعيد ذلك، عبد الرحمن القدولي (أبو علي الأنباري)، صاحب السلطة الدينية العليا في تنظيم الدولة الإسلامية، و الذي كان من المفترض أن يخلف الخلايله (الزرقاوي) لو إنه لم يكن في السجن.
تمكن الخلفاوي (حجي بكر) – و الذي عمل كظابط إستخبارت في وحدة خاصة تابعة لنظام صدام حسين و تدرب في حقل المؤامرة و المنظمات المذعورة مع خطوط ذات سلطة متنافسة و متعدّدة –من صنع كادر من الموالين ضمن صفوف تنظيم النصرة، بمن فيهم عمر العبسي (أبو أثير) و تارخان باتيراشفيلي (أبو عمر الشيشاني). كان القدولي (أبو علي الأنباري)، بفضل مكانه الديني في التنظيم، صاحب الفضل في جمعهم سوية.
فحين أعلن البدري (أبو بكر البغدادي) إخضاعه الرسمي لتنظيم النصرة في أبريل 2013، كانت هناك قطاعات كبيرة من النصرة منتمية إليه مُسبقاً. كان عمر العبسي (أبو أثير) قادراً على أن يجلب معه معظم البنية التحتية التابعة للنصرة و أغلبية مقاتليها الأجانب. و في الوقت الذي سحب فيه تنظيم الدولة الدعم المالي، أصاب الشلل تنظيم النصرة، و بدون أحرار الشام، خصوصاً مع تعليمات محمد البهاية (أبو خالد السوري)، لم يكن معروفاً حينذاك ما إذا كانت النصرة ستتمكن من الصمود في وجه الإنقسام مع التنظيم الأب.
القطع مع القاعدة
حَكَمَ زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، في 24 مايو 2013 بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ينبغي أن يعود إلى العراق و تنظيم النصرة ينبغي أن يبقى في سوريا كفرع مستقل تابع لتنظيم القاعدة. تم تسريب ذلك لقناة الجزيرة في 9 يوليو 2013. عُين البهاية كممثل للظواهري في سوريا لفرض الحكم. قامت عندها داعش بقبول سلطة الظواهري – إلى أن حكم ضدهم. في 14 يوليو، أصدر البدري (أبو بكر البغدادي) رسالة صوتية عبر فيها عن رفضه الصارم و المُحترم لأمر الظواهري. فبدلاً عن حكم الظواهري، صرح البدري إنه “أختار حكم الله.”
و بعد أيام لرفض البدري أمر الظواهري، قام فلاحة (العدناني) بشن هجوم ايديولوجي واسع النطاق على الظواهري، و بذلك بدأ بالدور الذي جعل منه مشهوراً، و أصبح مناصر داعش الإعلامي الأكثر توحشاً، و الرجل الذي ألقى بالمسلحين الإسلامين الاخرين في خانة الإنحراف عن الصراط المستقيم.
قال فلاحة (العدناني) بأن الظواهري يؤيد إتفاقية سايكس-بيكو، و يعطي الشرعية للـ”عصاة المتمردين” في تنظيم النصرة، و أضاف قائلاً: “هدفنا هو تشكيل دولة إسلامية على منهاج النبوة يكون ولائها لله حصرياً.” المعنى المُقترح من كلام فلاحة هو أن أمر الظواهري مناقض لإرادة الله.
تمَّ بذل جهود متنوعة لأقامة صلح بين داعش و النصرة، و لكن داعش كان لها أفكار أخرى. فبعد تحديها لزعيم القاعدة علناً، شرعت بعمل الأساس لأقامة دولة إسلامية. من جانب، فعلت داعش ذلك من خلال تجنيد أعضاء و كتائب كاملة من فصائل و جماعات التمرد المتواجدة في سوريا، و إستمرار القدولي بدوره في الإقناع الديني، و العبسي بدوره عِبر عمله الحثيث كـ”سفير متجول” لداعش في شمال سوريا. و من جانب اخر، قام الخلفاوي (حجي بكر) بإختراق مجتمعات، و تمكن من السيطرة—من خلال الإقناع و الإبتزاز و التهديد—على بعض عناصر النخبة الإجتماعية في سوريا و التصفية المنهجية لكل من وقف في طريق داعش.
في الأثناء التي قامت خلالها داعش بوضع حجر الأساس لدولتها في النصف الثاني من 2013، حدثت صراعات متكررة بينها و بين المتمردين السوريين، و لم يحدث أي صراع يُذكر بين داعش و قوات الأسد. و لإن داعش نظرت لنفسها كدولة، لم تخضع حينها لأي محاكم مستقلة. كان نتيجة ذلك أن إستمرت المقاومة بالإزدياد إلى أن قامت ثورة ضخمة في يناير 2014—هذه المرة ضد داعش. الثورة أخرجت داعش من إدلب و اللاذقية و طردتها من معظم أراضي حلب. تم تخفيض رتبة الخلفاوي (حجي بكر) في الساعات الأولى من هذه الإنتفاضة الجديدة، و في 23 فبراير قتلت داعش البهاية، الرجل الذي عينه الظواهري لتطبيق حكمه في سوريا.
في 3 فبراير، تبرأت القاعدة من داعش. لا تزال هناك روايات متضاربة حول ما يعنيه هذا الحدث—متمحوراً حول طبيعة العلاقة التي ربطت بين داعش و القاعدة. و لكن يكفي القول بأن هذا الحدث كان نهاية العلاقة بين الطرفين.
إستمرت داعش بعملية بناء دولتها ضمن حدود أكثر تحصيناً من ذي قبل. أصبحت الرقة تحت سيطرة داعش الحصرية في خريف 2013 و عاصمة لها. بإحكام سيطرته على الرقة، تمكن التنظيم من التحضير لعملية الإستيلاء على الموصل و إجتياح الأراضي العراقية في يوليو 2014. و بعد مرور شهر، تم إستخدام الأسلحة التي أستولى عليها التنظيم في العراق لأجل تأمين دير الزور. عندما أعلنت داعش عن قيام الخلافة في يوليو 2014—و أصبحت بذلك تنظيم الدولة الإسلامية—كان فلاحة وراء إلقاء خطاب الإعلان.
تم تحديد فلاحة كإرهابي عالمي من قبل الولايات المتحدة في 18 أغسطس 2014. كانت مفاجئة للبعض أن يعرفوا أصل فلاحة السوري، خصوصاً و إنه إمتلك أسبقية و منصب عالي في منظمة يهيمن عليها العراقيون.
الترقي عبر المناصب
يُعد فلاحة من الأعضاء القُدامى لمجلس شورى المجاهدين، المجلس الذي يمتلك نظرياً القدرة على إزاحة الخليفة. كما و كان لفلاحة إتصال بالمجلس الإعلامي و الذي يعد “القناة الرئيسية لنشر رسائل داعش الرسمية.” و من المرجح أن فلاحة إمتلك قدر من إمكانية الإشراف على مجلس الشريعة، مع قيامه بفحص المنتج الدعوي.
وفقاً لما كشفه مسؤول كبير في الجهاز الأمني لداعش بأن فلاحة، عند مقتله، كان حاكم على الأراضي التي تسيطر عليها داعش في سوريا.
في أغسطس 2015، تم مقتل فاضل الحيالي (حجي معتز، أبو مسلم التركماني) – و الذي عمل كقائد للمجلس العسكري لداعش و حاكمها العسكري و نائب الخليفة و عضو سابق في القوات الخاصة لنظام صدام حسين. في هذه الأثناء، كان القدولي (أبو علي الأنباري) الحاكم في سوريا و رئيس المجلس الأمني و الإستخباراتي لداعش، و كان رئيس الأمن الداخلي (المعروف بالأمنيات) الذي إقتلع جذور الفساد و الخيانة في صفوف أعضاء داعش. تم تسليم عمل الحاكم للعبسي (أبو أثير) و أياد الجميلي، مسؤول سابق في الإستخبارات في عهد صدام حسين الذي سيطر على مجلس الأمن و الإستخبارات لداعش. تم قتل العبسي في 3 مارس 2016، و كان من المحتمل أن يتم إستبداله، كحاكم في سوريا، بأبو هيجاء التونسي، على الأقل حول حلب، و لكن تم قتل أبو هيجاء في 30 مارس. و حينها، تمكن فلاحة من تقلد المنصب و أصبح الحاكم في سوريا.
في ذلك الوقت، فقدت داعش قائمة طويلة من مسؤوليها العسكريين، من ضمنهم وليد العلواني (أبو أحمد العلواني)، إستبدال الحيالي كحاكم في العراق، ناصر العبيدي (أبو عمر العبيدي)، شاكر الفهداوي (أبو وهيب) كقائد ميداني في الأنبار، و بعد صدور عدد لا يحصى من التقارير الكاذبة، قُتل باتيراشفيلي في 10 يوليو.
و بقي القدولي (أبو علي الأنباري)، الذي قُتل في 25 مارس، الخسارة الأكبر لتنظيم داعش قبل مقتل فلاحة، فقد ترأس القدولي المجلس العسكري لداعش في ذلك الوقت و لكن موروثه بقي دينياً في المقام الأول.
رئيس العمليات الخارجية
على قدر ما إمتلكه فلاحة من أهمية داخل التنظيم و الخلافة، و كحاكم واقعي على سوريا و نائب للخليفة، على قدر ما يذكره الغرب لدوره في قيادة جناح العمليات الخارجية لداعش.
دعى فلاحة لهجمات “ذئب منفرد” في خطاباته في سيبتمبر 2014 و يونيو 2015 و مايو 2016، و في كل مرة كان يحدث إزدياد لمثل هذه الهجمات، خصوصاً في أوربا. هذه ليست مسألة حظ. و بتنامي دويلة داعش، تطورت مؤسسة الأمنيات إلى أربعة فروع، واحدة منهم أصبحت مؤسسة الإستخبارات الخارجية لداعش (الأمن الخارجي)، و التي أشرف فلاحة عليها بنفسه. كانت وظيفة فلاحة هي العمل كوسيط بين الخليفة و الأشخاص المنفذين للعمليات في الخارج، و التوقيع الختامي على العمليات المُخطط لها.
تم تسليط الضوء على دور فلاحة في الهجمات الخارجية عندما تم إعتقال مواطن فرنسي، فائز بوشران، في لبنان في يونيو 2014 عندما حاول تفجير هدف شيعي. كشف بوشران للمحققين بأنه قد ُأرسِلَّ من قبل فلاحة. كما قامت داعش بالإشادة بدور فلاحة في هجماتها الخارجية من خلال مواد البروبوغاندا، على الرغم من أن ذلك تم بشكل غامض.
كان فلاحة الشخص الذي قبل عهود القسم من الأجانب بنفسه، حسب هاري سارفو، منشق الماني من داعش. تم عصب عيون المجندين كي لا يتمكن أي شخص من رؤية فلاحة. دور فلاحة إمتزج بين الهجمات الخارجية و البروباغاندا: يقال بإنه كان يترأس إجتماعات شهرية يتم فيها تقرير أي من فيديوهات داعش الوحشية سيتم نشرها كجزء من جهود داعش لتجنيد عدد أكبر من الجهاديين.
التحضير لإحتضار الخلافة
فقدت داعش حوالي النصف من الأراضي التي سيطرت عليها في العراق و حوالي خُمس الأراضي في سوريا. عندما وقعت دويلتها تحت الضغط، قامت داعش بالعودة إلى مرحلة سابقة من حربها الثورية، حرب الإرهاب و التمرد، و تحضرت داعش لتفسير هذا التطور لداعميها. التفسير الأكثر تفصيلاً جاء من فلاحة، الذي وصف تفكير داعش بهذه الطريقة:
هل تعتقدين يا أمريكا بأن النصر يتم بقتل قائد أو غيره؟ … هل كُنت منتصرة عندما قتلت أبو مصعب الزرقاوي أو أبو حمزة المهاجر أو أبو عمر البغدادي أو أسامة بن لادن؟ … أو هل تعتبرين يا أمريكا أن الخسارة هي خسارة مدينة أو خسارة أرض؟ هل خسرنا حين فقدنا المدن في العراق و كنا في الصحراء بلا مدينة أو أرض؟ … بالتأكيد لا!
لربما يمكن القول بسهولة أن هذه بمثابة محاولة من داعش لمواساة نفسها، و بالتأكيد أن ذلك جزء من الأمر. داعش متوجهة نحو فترة من الصعوبات و فلاحة، نوعاً ما، يقلل من تأثير ذلك. و لكن تقدير فلاحة ليس مجرد بروباغاندا بسيطة.
لطالما أعطت داعش الأولية للمناطق القروية على المناطق الحضرية، و حدث أن نجت داعش في الصحراء بعد خسارتها في 2008. و حملة داعش ضد أعدائها من القبائل السنية و حركة السياسة في بغداد التي صعدت من وتيرة الطائفية و أعطت لداعش المساحة التي إحتاجت إليها لكي تعود. و يتم هذه المرة إطلاق حركة مشابهة للتي سبقتها مع خسارة داعش للأراضي المسيطرة عليها، و مثال ذلك هي الميليشيات الطائفية التي تقودها إيران (حسب نظرة داعش) و قوات البي كي كي. تقوم هذه الحركة بتوفير شرعية أكبر لداعش لأسترجاع عافيتها على المدى المتوسط و تمكينها من شن هجمات خارجية أكثر على المدى القريب.
الموت و تعاقب القيادة
أكدت وزارة الدفاع الأمريكية بأنها قامت البارحة بإستهدفت فلاحة بطائرة بدون طيارة في مدينة الباب، المدينة الحدودية الباقية تحت سيطرة داعش في سوريا من أجل الوصول لموارد من العالم الخارجي و مقرات الأمن الخارجي. قامت داعش بإصدار بيان رسمي لإستشهاد فلاحة عبر وكالة أعماق، و توسعت في هذا في بيان لاحق بقولها أن فلاحة كان يقوم “بمعاينة العمليات العسكرية” في حلب، و أصدرت بيان نعي في إصدار 30 أغسطس لجريدة النبأ الناطقة بأسم داعش.
داعش سيطرت على ثلاثة مدن قرب الحدرد التركية في الشرق من حلب لمدة سنتين. و فقدت إثنان في وقت مبكر من هذا الشهر: منبج لقوات البي كي كي المدعومة من الولايات المتحدة و جرابلس للمتمردين المدعومين من التدخل التركي المباشر. يقال بأن مدينة الباب هي أكثر تفضيلاً لداعش و من المرجح أنه سيكون هناك إستعراض قوة كبير قبل أن تفقد داعش تلك المدينة، لأسباب ستراتيجية و بريستيجية. من المرجح أن فلاحة كان يقوم بتفحص هذه الترتيبات.
توقيت مقتل فلاحة يقترح دور تركيا. سواء كان هذا التوقيت قد جاء من ممتلكات أنقرة التي رعتها عبر السنوات الخمس الأخيرة، و هؤلاء لهم وجود كبير على الأرض في شمال سوريا، أو أن التوقيت قد جاء من إنشقاق مزعوم في يونيو لرجل فرنسي ترأس أمن الخارج، أبو سليمان الفرنسي، و هذا كله محض تخمين. المتمردين الموالين لجهات مختلفة، الإشارات الإستخباراتية، أو الحظ وحده، كل هؤلاء مرشحون بفرص متساوية لتفسير مقتل فلاحة.
لقد خمنت، برغم عدم توافر الأدلة الكافية، و منذ أشهر مضت، بأنه من ناحية القدرة و الإعتبار، فلاحة كان في طريقه لكي يصبح الخليفة، و لكن كونه ليس منتمي لقبيلة قريش شكل حاجزاً ممكناً في طريقه. و على أثر مقتله، بدأت داعش بالقول أن فلاحة كان من نسل قريش، فيبدو أن ذلك يؤكد بأن داعش كانت تحضره لأجل هذا المنصب.
من المرجح بأن أدوار فلاحة—حاكم على سوريا، توجيه الإرهاب الخارجي، و المتحدث بإسم داعش—سيورث من قبل أكثر من فرد. من ناحية الخبرة و الوضع، لم يبقى الان سوى ثُلة من المؤسسين على قيد الحياة، فيما عدى الخليفة الذي بالكاد يُحسب لأنه من المحتمل أصبح عضواً في التنظيم في 2005. هؤلاء هم:
أولاً: عبد الله العاني و يونس المشهداني، و كلاهما جهاديين، إنضموا لداعش في 2004 و 2006، على التعاقب، أعضاء مجلس شورى المجاهدين و قبيلة قريش، يقال بأنهم خصوم على عرش الخلافة عندما أو إذا ما حدث و سقط الخليفة الحالي.
ثانياً: أياد الجميلي، أصله من الفلوجة و يترأس الأمن الداخلي للتنظيم، و الذي عمل مع داعش بعيد سقوط نظام صدام حسين.
ثالثاً: طراد الجربة (أبو محمد الشمالي)، عمره 36 سنة، “حامي بوابة” داعش، إنضم للتنظيم في 2005 و لعب دور لوجيستي منذ عام 2013 في جلب المقاتلين إلى أرض الخلافة و من ثم إرسالهم للخارج—و لذلك فله صلة بهجمات باريس التي حدثت في نوفمبر 2015.
رابعاً: هنالك ثلاث رجال قضوا وقتاً في السجون الأمريكية في العراق و لكن ليس من المؤكد بإنهم كانو أعضاء في التنظيم خلال فترة الخلايلة. عبد الواحد الختناير أحمد (أبو لؤي)، “وزير” الأمن العام و عضو في مجلس الأمن و الإستخبارات و الذي يقع عمله ضمن الأمن الداخلي، و هي مؤسسة أمن داخلي تسيطر على المدن. فارس النعيمة (أبو شيماء)، عضو المجلس العسكري و المسؤول عن لوجستيات المخازن و التجهيزات، و عبد الله المشهداني (أبو قاسم)، أيضاً في المجلس العسكري و “وزير” الشؤون الخارجية المشرف على بيوت أمن المتطوعين الأجانب و التأكد من وصول الإنتحاريين الأجانب إلى المواقع المُحددة، كان كلاهما مسجونان في مخيم بوكا.
إنه من الوارد أن يتولى الجميلي أو الختناير دور الرئاسة في الجزء السوري، و بإستطاعة الجربة أن يتولى مسؤولية التوقيع الختامي على هجمات داعش الخارجية، بدلاً من تسهيل ذلك. طبيعة دور الرئاسة تعني أيضاً أن الأشخاص ذوي الخبرة الإدارية بأمكانهم تولي مسؤولية كهذه، بدلاً عن ذوي الخلفية الأمنية، فذوي الخبرة اللوجستية كالنعيمة و عبدالله المشهداني مناسبين للمنصب—غير أن المشهداني من المفترض أنه مناسب لدور العمليات الخارجية أيضاً.
لا تتوفر معلومات كثيرة عن العاني أو يونس المشهداني، فمن غير المعروف قابلية كونهم مناسبين لأي من أدوار فلاحة.
يبدو أن دور المتحدث يناسب لشخص كـ تركي البينالي، الذي يشغل منصب المسؤول الديني الأعلى لداعش، و كان واحداً من أشد المتحدثين المدافعين عنها في الماضي، أو ربما الدكتور وائل الراوي، الذي يشغل منصب رئيس المجلس الإعلامي، بفرض أنه ليس—حسب ما يشاع—مقتولاً.
في كل تلك الحالات، هنالك أشخاص تم الحفاظ على سرية هوياتهم و بالإمكان أن يبرز لهم دور لشغل هذه المناصب. في حالة أمن الخارج، هنالك عدد من الأوربيين المدربين من قبل داعش و الذين بإمكانهم—لأسباب ذات صلة بتبادل الرسائل—لعب هذا الدور. التنبأ عن كيفية ملئ داعش لهذه الأدوار الشاغرة هو أمر معقد لأنه مرهون بأدوار رسمية لا تتوافق دائماً مع تلك الواقعية.
لا يزال دور الخليفة البديل أمراً غير دقيق، أحياناً واضح (كما في حالة القدولي) و أحياناً قابل للتمييز فقط بواسطة التمييز (كما في حالة فلاحة). المرشحون الأكثر ترجيحاً، إذا لم يذكروا فيما سبق أعلاه، فهم من داخل مجلس الشريعة.
داعش تمتلك بيروقراطية معقدة: فقدان فرد من تنظيمها، حتى بمهارة و موهبة فلاحة الكبيرتين، لا يعد كافياً لإنهيار المشروع. أكثر ما يمكن للمرء أن يتمناه هو بعض التضائل في مقدرة داعش. الواقع هو أن الأدوار الكثيرة لفلاحة سيتم على الأرجح تمريرها لأشخاص متعددين، و هذا يقترح بأنه سيكون هناك بعض من فقدان التنسيق، و من الممكن أن ينتج عن ذلك صراع داخلي على السلطة. حتى و إن حدث صراع صغير سيصب في مصلحة أعداء داعش: لن يكون أعداء داعش بحاجة لقضاء وقت طويل من أجل التخطيط لهجمات ضد داعش. و تجربة فلاحة الفريدة تعني أنه سيتم فقدان بعض الإمكانية حتى و إن تم التنسيق بين بدلائه على نحو ممتاز خالي من أي عيوب.
المصدر: هنا