الرئيسية / ثقافة / الدين والعقل: الإيمان ينقص مع التفكير التحليلي كما تُظهر الدراسات

الدين والعقل: الإيمان ينقص مع التفكير التحليلي كما تُظهر الدراسات

الكثير من الناس ذوي القناعات الدينية يشعرون أن إيمانهم أصلب من الصخر. ولكن دراسة جديدة وجدت أن دفع الناس من أجل الانخراط في التفكير التحليلي يمكن أن يُسبب في إهتزاز معتقدهم الديني، حتى وإن قليلاً. يقول الباحثون أن النتائج لها آثار كبيرة محتملة من أجل فهم الأسس المعرفية للدين.
علماء النفس غالباً ما يقسمون التفكير إلى فئتين واسعتينهما: أولاً، التفكير الحدسي وهو سريع وسهل (كمثال، المعرفة الفورية للحالة المزاجية للشخص أن كان غاضباً أم حزيناً من تعابيرالوجه). ثانياً، التفكير التحليلي وهو الذي يكون أبطأ وأكثير تأنياً (كمثال، حل مسائل الرياضيات وغيرها من المهام الصعبة). كلا النوعين من التفكير له نقاط ضعفه وقوته، وغالباً ما تتداخل فيما بينها. يقول ويل جيرفيس، طالب متخرج في جامعة بريتش كولومبيا في فانكوفر، كندا والمشارك في تأليف الدراسة الجديد والتي نشرت اليوم في قسم العلوم: ”مؤخراً أصبح هناك إجماع ناشئ بين الباحثين على أن الكثير من المعتقدات الدينية ترتكز على البديهيات“.
مثال على ذلك من دراسة قام بها عالم الأعصاب والفيلسوف جوشوا غرين وزملاؤه في جامعة هارفرد، والتي نُشرت في سبتمبر الماضي في مجلة علم النفس التجريبي. لقد سئلوا المئات من المتطوعين المعينين الكترونيا أن يجيبوا على ثلاثة اسئلة بأجوبة جذابة وبديهية تبين أنها على خطأ. كمثال على هذا، “مضرب وكرة تكلفتهما معاً 1.10 دولار. كلف المضرب دولاراً أكثر من الكرة فما هو سعر الكرة؟ على الرغم أن 0.10 دولار يتبادر بسهولة إلى الذهن (وهو جواب بديهي) إلا أنه يحتاج بعضاً من التفكير التحليلي للحصول على الإجابة الصحيحة وهي 0.05 دولار. أولئك الذين أجابوا بأجوبة بديهية كانوا أكثر إحتمالاً لأمتلاك معتقدات دينية قوية، حتى عندما تحكم الباحثون في مستوى الذكاء، التعليم، التساهل السياسي وغيرها من العوامل.
في نفس الدراسة، مجموعة أخرى من المتطوعين كتبت فقرة عن وقت في حياتهم حينما أفضى الحدس أو المنطق الدقيق إلى نتيجة جيدة. أولئك الذين كتبوا عن حدسهم أظهروا معتقدات دينية قوية على استبيان تم أخذه مباشرة بعد ذلك. إذاً، كان التفكير البديهي يشجع المعتقد الديني، كما تقترح دراسة غرين، التفكير التحليلي قد يشجع الكفر، أو كما أفترض جيرفيس ومستشاره عالم النفس الإجتماعي أرا نورينزيان.
لتجربة هذه الفكرة، وضع الثنائي عدة طرق لوضع الناس لا شعورياً في عقلية تحليلة أكثر. في تجربة من التجارب مع 57 طالب دراسات أولية، بعض المتطوعين عرضوا اعمالاً فنية تُظهر وضع التفكير التأملي (مثل رودن المفكر) بينما عرض الآخرون فناً يُظهر مساعي فكرية أقل(كما في رمي القرص) قبل الإجابة عن استبيان بشأن إيمانهم. في تجربة أخرى مع 93 طالب دراسات أولية وعينة أكبر من 193 أمريكي بالغ معينين الكترونياً، البعض منهم قام بحل ألغاز كلماتية تتضمن كلمات “تحليل” و “سبب” و”تأمل”، بينما أكمل الأخرون الغازاً مماثلة بكلمات لا تتعلق بالتفكير مثل “مرتفع” و “مستوى”. في كل هذه التجارب، الأشخاص الذين حصلوا إشارات متعلقة بالتفكير أظهروا معتقدات دينية ضعيفة في استبيان تم أخذه بعد المجموعة المراقبة.
في تجربة أخيرة، جيرفيس ونورينزيان سئلوا 182 متطوعاً ليجيبوا عن إستبيان ديني كالعادة، بينما آخرون أجابوا عن نفس الإستبيان مطبوعاً بخط يصعب قرائته، حيث وجدت دراسات سابقة أن هذا الشئ يشجع التفكير التحليلي وبالفعل، اولئك الذين عملوا بجد لكي يفهموا ما كتب في الإستبيان حصلوا على تقييم أقل لمعتقداتهم.
ولأن الناس تم اختيارهم عشوائياً للتفكير التحليلي والمجاميع المراقبة ولأن النتائج كانت متناسقة عبر كافة التجارب، يقول جيرفيس أن النتائج لا يمكن أن تحدد أي المجموعتين أكثر تديناً. بالاضافة إلى ذلك، في تجربتين من هذه التجارب، قام الباحثون بتقديم الاستبيان للمشاركين قبل أسابيع ولم يجدوا أي اختلاف بين المجاميع.
آثار التلاعب بالتفكير التحليلي كانت متواضعة. يقول جيرفيس ”نحن لا نحول الناس إلى ملحدين“، بل أن الاجابات على الاستبيان من قبل المتطوعين أظهرت تحولاً صغيراً بعيداً عن المعتقدات الدينية.
دانييل كانيمان، عالم نفسي وحائز على جائزة نوبل في جامعة برنستون والذي قام بأعمال رائدة في دراسة مساهمة التفكير البديهي والتحليلي على صنع القرار عند البشر، يقول ”إنه لمن الصعب التمييز بين ما يؤمن به شخص وما يقول أنه يؤمن به“ ويضيف ”كل ما أظهروه، وكل ما يمكن أن يظهر، هو أنك حين تفكر بحسم فانك ترفض التصريحات التي لولا ذلك التفكير لأيدتها كما أنها تخبرك أن هناك معتقدات دينية يحملها الناس إذا كانوا يفكرون بطريقة أكثر حسماً سيقومون بعدم تأييدها“.
بالنسبة لجيرفيس ونورينزيان، تُشير النتائج إلى أن التفكير البديهي، بالاضافة إلى عوامل ثقافية ومعرفية أخرى هو عامل أساس في المعتقد الديني. غرين يوافق قائلاً ”عبر القليل من المزج بين الثقافة والبيولوجي، عقولنا تبدي تقبلاً حدسياً للدين”. كما يقول غرين أيضاً “إذا كنت تريد أن تصبح غير متدين، من الأرجح أن تكون بسبب انعكاس ذلك والعثور على بعض الأشياء صعبة التصديق“.
“بطريقة ما، هذا يؤكد ما قاله العديد من الناس متدينين وغير متدينين عن المعتقد الديني لفترة طويلة، أي أنه شعور أكثر من كونه فكرة” كما يقول نيكولاس ايبلي العالم النفساني في جامعة شيكاغو. ويتوقع نيكولاس أن النتائج لن تؤثر على تغيير رأي أي شخص بشأن وجود الله أو هل أن المعتقدات منطقية. “إذا كنت تعتقد أن المنطق التحليلي هو الطريق إلى فهم العالم بدقة، لربما ترى أن هذا دليل على أن التدين بلا طائل ولا فائدة منه” ويضيف “أما إذا كنت متديناً، أعتقد أنك تعتبر هذا الدليل كأظهار أن الله اعطاك نظاماً للاعتقاد يكشف نفسه لك كالفطرة السليمة“.
المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

لا يحدث كل شيء لسبب

بقلم: نيكولاس كليرمونت ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: امير محمد ١١/حزيران / …

كيف تركز على شيء واحد فقط

نشر في: موقع فوكس تأليف: ريبيكا جينينغس بتاريخ: 4 سبتمبر 2019 ترجمة: مازن سفان تدقيق …