لأسباب غريبة وببساطة أنا لا افهمها التي تجعل من النمو السكاني في العالم قضية كبرى. هناك شريحة كبيرة من الجمهور يبدو أنه يعتقد بأن البشر سوف يستمرون في التكاثر حتى ينفذ الماء والغذاء من على الارض. ببساطة يشبهْوننا بالصراصير أو البكتيريا. ولا يوجد عالم سكْان جديّ يعتقد ــ في الواقع أن الخصوبة في العالم في تراجع منذ سنوات ـــ ولكن الحقائق لم تطفئ بعد هذه الأسطورة الخبيثة.
قبل شهرين فقط تلقيت رسالة في البريد الإلكتروني رداً على مقال كتبتهُ في عام ٢٠١١م عن أسطورة الاكتظاظ السكاني نصها: “أنت أوسخ شخص على الارض. لأنك من الواضح شخص تتلقى المال مقابل ما تكتبهُ”. إذن أنا شخص سيء لأنني لا أعتقد أن البشر صراصير!، وأنا احمل هذه الآراء فقط لأني أتلقى الاجر من حسناً… من شخصٌ ما.
المتذمرون الانترنيتون ليسوا الوحيدين الذين يحملون هذه الآراء الغريبة. بيل ماهر المنور الذي ينير الناس بإفكارهُ قال مرة لأمرأة أنها ”أكبر أنانية“ لأنها أنجبت خمس اطفال.
رسالة مختلفة عن الإولى أُرسلت إلي من أنثروبيولوجية هايدي كولران من معهد الدراسات المتقدمة (تولوز الفرنسي) في مقال مراجع نُشر في المعاملات الفلسفية للجمعية الملكية (تأسست في عام ١٦٦٥م، وهي أقدم جمعية علمية في العالم وقد نشر أسحاق نيوتن فيها أبحاثه). أظهر هذا المقال أن البشر هم الكائن الحي الوحيد الذي يُنجب أقل عدد عندما تُصبح الموارد الغذائية متاحة أكثر.
“على مدى السنوات ال٢٠٠ الماضية، النّاس من خلفيات دينية ولغوية وعرقية وثقافية مختلفة، يعيشون في دول ذات أنظمة تاريخية ونظم قيّمية التي تحد في تزايد من أسرهم إلى حوالي اثنين أو أقل من الأطفال”.
علماء السكان لا يفهمون تماماً لماذا الحال على ما هو عليه. على السطح، من السهل قول ذلك، في المجتمعات الغنية فإن تكلفة تربية الأطفال أصبحت عالية جداً، بحيث الناس تنجب أقل عدد من الأطفال. ولكن هذا يفشل في تفسير الظاهر التطورية الأساسية، ألا وهي كيف يمكن للمجتمع أن يتطور في هذه الطريقة التي تنتج أقل عدداً من الأطفال على أنه شيءٌ مفيد. علماء السكان وضعوا نماذج مختلفة ولكن لا يوجد فيما ما هو مرضٌ. وهذا عمل عالمة السكان الدكتورة كولران لتفسر هذه النماج في مقالها بشرح مفصل.
يصر نموذج علم البيئة السلوكية (HBE) على أنه يجب أن تكون ميزة تطورية للحد من الخصوبة. ولعلَ أنجاب عدد أطفال أقل ولكن أكثر تعليماً وأكثر أزدهاراً يزيد من الكفاءة على المدى الطويل (الكفاءة هنا تعني الانجاب الناجح الذي يحافظ على بقاء النوع). المشكلة في هذا الرأي أنه متناقض ويفتقر إلى الأدلة التي تؤيدهُ. إذا كان انخفاض الخصوبة مفيد تطورياً، ففي نهاية المطاف، ينبغي لنا أن نتوقع أن المجتمعات ذات الخصوبة المنخفضة قد تفقد الميزة التطورية المتمثلة بأنجاب المزيد من الأطفال. ولكن رغم ذلك لم يفقدوا هذهِ الميزة.
نموذج التطور الثقافي (CE) رَكّز تَشْدِيدهُ على العوامل غير البايولوجية الأخرى. على سبيل المثال، الرغبة في المكانة الاجتماعية المرموقة قد تجعل الشخص أقل عرضة لإنجاب الأطفال. ولكن في التخلّي عن الأطفال البيولوجيين إذا حققَ الشخص مكانة أجتماعية مرموقة، فإنه/ا لا يزال بإستطاعته “نقل الصفات الوراثية” للجيل القادم في شكل ثقافة. وإذا كان أعضاء المجتمع الأخرين يتماثلون في الأهداف فستكون النتيجة أقل عدداً من الأطفال.
ويبدو أن المؤلفة تفضل النموذج الأخير، إلا أنها تشير إلى أنه لا يزال هناك الكثير يحتاج إلى تفسير. لا توجد صيغة أو نموذج بسيط للخصوبة. التعليم ووسائل منع الحمل والرغبة في المكانة الاجتماعية المرموقة تلعب أدواراً مُتَدَاخِلة ولكنه من غير الواضح ما هو الشيء النهائي الذي يقود معدلات الخصوبة.
دول مثل اليابان وروسيا التي ستخسر حوالي ١/٣ و١/٥ من سكانهما في ال٤٠ إلى ٥٠ سنة المقبلة، ما لم وعلى إمل أن تجد الدكتورة كولران الإجابة عاجلاً وليس آجلاً.
المصدر: هنا