ترجمة: محمد نهاد
الانسان والقرد والفأر حيوانات مختلفة بالطبع، لكن لديها الكثير من الأساسيات الاحيائية المشتركة. الانسان وقردة الـ (ريسوس ماكاك) تُقدر بأنها تتشارك فيما يقارب الـ 93% من حمضها النووي. الفئران، ناهيك عن القرود، شبيهه بالإنسان في وظائفها العضوية بصورة كفيلة بجعلها حقول تجارب للعقاقير التي تستهدف الامراض التي تصيب البشر. وادمغة الثلاثة على الرغم من انها مختلفة في احجامها فإن جميعها مصنوعة من نفس نوع الخلايا.
ما هو الشيء حيال ادمغتنا والذي يجعل منا فريدين؟ للإجابة عن هذا فإن الباحثين في مؤسسة كافلي للعلوم العصبية في جامعة ييل يبحثون في القشرة الدماغية.
ليس بالأمر السهل عملية تحديد العوامل الجسدية الدقيقة التي تُفرق بني البشر. بنو البشر والقردة والفئران، الجميع لدسهم جينات قادرة على انتاج ذيل. فلماذا إذا لا يمتلك الانسان أذيلاً؟ بعد ذلك هنالك لغة. ما الذي يجعلها لدى الانسان متطورة وبقدر كبير، هذا ان لم يكونوا ينفردون بهذه الخاصية؟
دماغ الانسان المتميز :
يُعتقد ان القشرة الدماغية هي الموقع الأساس للأفكار الإنسانية ومن ضمنها قابلية تكوين الأفكار والمشاعر الى كلمات. في الفئران والقرود والبشر فإن كُتل بنائها الأساسية (الخلايا العصبية او ما يعرف بالـ عَصَبُون) متشابهة ولها نفس التركيب سداسي الطبقة. على الرغم من ان القشرة الدماغية الإنسانية هي أكبر الثلاثة بكثير–10 مرات أكبر من المنطقة القشرية الدماغية في القرود و1000 مرة أكبر من نظيرتها لدى الفئران – ولحد الان فإنه من غير الواضح قابلية الانسان اللغة تتطور من الـجنين او كيف انها تطورت في تاريخ الاجناس. التراكيب الجسدية المسؤولة عن اللغة لا تزال وبصورة كبيرة تعتبر لغزاً والحال نفسه بالنسبة للشفرة الجينية لها.
لكن هنالك شيء في تركيبنا الاحيائي يعمل على تركيبنا وبالأخص تركيب ادمغتنا، وهو شيء فريد او على الأقل قريب من ذلك. في مختبره، باسكو راكيج، حامل شهادة الدكتوراه في الطب والعلوم دوبيرغ، بروفيسور علم البيولوجيا العصبية وعلم الاحياء في جامعة ييل والمدير المؤسس لمؤسسة كافلي لعلوم الاعصاب، دائما ما يستخدم الفئران كنماذج تجارب لدراسة تطور قشرة الدماغ، “على أي حال، يمكنك النظر على الفأر حتى تخرج عينك من مكانها ولن تستطيع إيجاد نظامها الكهربائي المختص باللغة لان الفئران غير قادرة على الكلام،” يوضح البروفيسور ذلك. في حين ان التنظيم الخلوي البسيط في قشرة الدماغ في الانسان والفئران متشابه، يصرح راكيج ان “الروابط تختلف والوظائف تختلف هي الأخرى”.
دراسة هذا الاختلاف هي احدى المبادرات البحثية المركزية لمؤسسة كالفي في ييل. وكما يشير راكيج، فإن معرفة الانسان والفئران ومجموعة جينات قردة الريسوس ماكاك تعني ان “بإمكاننا الان المقارنة بين الثلاث اجناس للمرة الأولى في تاريخ البشرية.” هو وعلماء اخرين في المؤسسة يبحثون في التركيب الجيني والتطور الجنيني للقشرة الدماغية في الفئران والقردة والبشر لملاحظة متى ما تظهر النزعات البشرية الواضحة وايٌ هي الجينات المسؤولة عن انتاجها. في خضم هذه العملية، كانوا يسعون الى الإجابة عن سؤال شغل اللغويين وعلماء النفس والفلاسفة لعدة قرون والان تبناه علماء الاعصاب الا وهو: ما الذي يجعلنا بشراً؟
* باسكو راكيج، حامل شهادة الدكتوراه في الطب والعلوم دوبيرغ، بروفيسور علم البيولوجيا العصبية وعلم الاحياء في جامعة ييل والمدير المؤسس لمؤسسة كافلي لعلوم الاعصاب يظهر في الصورة مع رسم على الحاسوب يظهر فيه نموذجه المفضل من نظرية الوحدة الاشعاعية للتطور القشري. تنسب الصورة لمؤسسة كالفي للعلوم العصبية.
حل طريقة الربط الفريدة لدينا
فهم النفس هو أحد اهداف هذا البحث. لكن الجهد أيضا قد ينتج فوائد عملية في معالجة الامراض العقلية. عضو الجمعية نيناد سيستان الحاصل على الدكتوراه في الطب والدكتوراه في الفلسفة يوضح قائلاً “ليس هنالك نموذج حيواني فعال بمقدوره توليد حالات الطب النفسي الإنسانية وبصورة تامة. ولهذا فمن المهم دراسة ماهية الاختلاف حول تطور الانسان ووظيفته. فهم تطور الانسان وسلوك الانسان والعديد من الامراض النفسية“.
سيستان وهو أستاذ مساعد في علم الاعصاب في جامعة ييل، يقود حاليا مشروعين تهدف الى تعريف ما يميز القشرة الدماغية لدى الانسان من تلك لدى الفأر عدا عن الحجم وعدد الخلايا العصبية. في أحدهما، يدرس سيستان “فئران الضربة القاضية” او ما يعرف بال “نوكاوت مايس” والتي تصير فيها بعض الجينات غير فعالة لتعريف أي الجينات مهمة لتطور القشرة الدماغية. في البحث الاخر، يحلل هذه الجينات لمعرفة كيف تعمل هذه الجينات في تطور الجنيني لكل من الفئران والبشر. هدفه هو معرفة كيف ان الجينات المشتركة قد تكون قد تغيرت خلال الملايين من الأعوام من التطور وصولا الى تعبيرها عن صفات مختلفة في اجناس مختلفة.
في مقارنة مشابهه للجينات القشرية في الانسان وقردة الريسوس ماكاك، عرف سيستان الجينات المشتركة المرتبطة بـ مجموعة من الخلايا العصبية والموجودة وبصورة فريدة في القشرة الدماغية المتطورة في الانسان. “ما هو ممتع هو ان تعبير هذا الجين يقع في منطقة الكلام المستقبلي من دماغ الانسان” يقول سيستان. الهدف من كل هذه التحاليل لقردة الماكاك والفئران والبشر هو لغرض تعريف صنف الخلية او الجينات التي لها، حسب صياغته، “تعبير بشري فريد من نوعه.”
سيستان يقول ان خصائص دماغ الانسان المميزة ستوجد بصورة مطلقة في الارتباطات الدماغية الفريدة – الروابط الشبكية العصبية والغير موجودة في الحيوانات الأخرى. بإمكان العلماء الحكم باستخدام دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الـ (ام ار أي) بأن المناطق الدماغية المخصصة للكلام واللغة كبيرة وبصورة استثنائية لدى الانسان. لكن التكنلوجية التصويرية الحالية بإمكانها تمييز الصيغ الكبيرة فقط، وليس تفاصيل هذه الشبكة. لس من الكافي الإجابة عما يراه سيستان باعتبارها أسئلة أساسية حول القشرة الدماغية: “ما هي مجموعة الجينات او البروتينات او الظروف التي أدت الى هذه الروابط المختلفة؟ وبعد ذلك كيف تتغير هذه الروابط بالخبرة؟” يأمل ان يقوم بحثه بتوفير فكرة أوضح عن جميع العوامل من الجينات وصولا الى التنشئة والتي تعطي البشر قابلية تامة للأفكار واللغة.
* صورة مجهرية من مختبر نيناد سيستان توضح كيف يبدأ دماغ الفئران والانسان والحيوانات الاخرى بالنمو. تبين الصورة فأراً في يومه الجنيني الـ 10.5 وتعبير جين الـ Fezf2 في تطور الاوعية القشرية الدماغية (باللون الأزرق) في بداية عملية تطور الدماغ. الجين ضروري لتوجيه نمو الخلايا العصبية وروابطها في عملية تشكيل القشرة الدماغية. تنسب الصورة لـ جيي غوانغ تشين وكينيث كوان وملادين روكو رازين.
الرابط:
http://www.kavlifoundation.org/science-spotlights/human-factor#.Vza5WYR97IW