ما الذي يعرفه العلم عن المِـثليّة الجنسيّة “Homosexuality”؟؟
استعراض لبحوث علميّة تناولت بالدراسة، موضوع المِـثليّة الجنسيّة..
يقول الدكتور دان إيدن “Dan Eden” (مُـعدّ الدراسة):
’’مؤخّرًا، إلتمسني البعض بتحديث مقالة علمية قديمة، تُـوجِز الأبحاث العلمية التي تتناول في موضوعها المِـثليّة الجنسيّة. وهذه المقالة ستطرح خُـلاصة ما تناولته في البحث. دزائن من مقالات المجلّات العلميّة على مدى العشر سنوات المنصرمة، فيما خصّ المِـثليّة الجنسيّة. ورغم أنّنا الآن نعيش في زمن تمَّ التوصّل فيه إلى فهم أجزاء معيّنة من الدماغ، وتطوير ميكانيكيات وآليّات جديدة هي أكثر دقّة وإنضباطيّة، إلّا أنّ الإستنتاج الأساسي الذي يرمي إليه هذا المقال لم يتغيّر، لعدم تغيّر صحّة مفهومه العلمي على أيّةِ حال.
المِـثليّة الجنسيّة الآن، منتشرة بين شريحة تتراوح نسبتها من 8% إلى 15% من ذكور العالم، ونسبة أقل (بفارق طفيف) عند إناثه. ولتقريب الصورة أكثر، بإمكانك القول أنّ هنالك في أميركا (سنة 2011 م) عددًا لا يُـستهَان به من المِـثليين (رجالًا ونساءً) قد يصل إلى حدٍّ يكافئ فيه عددهم عدد العاطلين عن العمل فيها، والكثير من هؤلاء يعانون في إخفاء هويتهم الجنسية، خشيةَ أن يتمّ إزدراؤهم أو إساءة معاملتهم (أو أشياء من هذا القبيل) من قِـبَل عموم الناس، والذين يكونون عادةً جاهلين بالأسباب والعوامل الدافعة إلى المِـثليّة الجنسيّة (وينطبق هذا أيضًا على الظروف الإستثنائية التي يعيشها المِـثليّون).. وهذا ما قد يعتبر لغزًا..
في ضوء فرط الأعمال الإستقصائيّة المُـجراة سلفًا، و التي لا تزال تُـجرى في محاولة مستمرّة للتحقُّـق من دوافع وأسباب وخواص هذه الظاهرة!‘‘
مقال مُـفصّل عن المِـثليّة الجنسيّة وكلّ ما يتعلّق بها في هذا الرابط:-
محتوى المقال:-
– مقدّمة
– استعراض لبحوث علميّة تناولت بالدراسة، موضوع المِـثليّة الجنسيّة..
– المِـثليّون الجنسيّون وُلِـدُوا مِـثليّين!
– كيف تكون الأدمغة أدمغة إناث أو ذكور إذًا؟
– ولكن لماذا ….؟
– ماذا عن المِـثليات من النساء (السحاقيّات)؟
– حقائق شيّقة وقراءة مستزيدة عن: المِـثليّة الجنسيّة.
استعراض لبحوث علميّة تناولت بالدراسة، موضوع المِـثليّة الجنسيّة..
تشارلز اتش. فنيكس “Charles H. Phoenix” وروبيرت دبليو جوي “Robert W. Goy” وآرنولد ايه. غيرال “Arnold A. Gerall” وويليام سي. يونغ “William C. Young”، كانوا قد نشروا في العام 1959 للميلاد مقالًا علميًّا بعنوان (الحركة المُـسَيطَر عليها «والمُـنظَّمة» السابقة للولادة لبروبايونيت التيستوستيرون على الأنسجة المسيطرة على السلوك التزاوجي لخنازير كينيا) – “Organizing action of prenatally administered testosterone propionate on the tissues mediating mating behavior in the female guinea pig”. وكان هذا المقال العلمي أحد الدراسات الحيوانية – (يُـراد بذلك أنّها أُجريَـت على حيوانات) التي أثارت إهتمام شريحة من علماء النفس وعلماء الأعصاب.. فقط. وفي عام 1991 للميلاد ، الصحيفة العلميّة المرموقة، (العلم) “Science”، نشرت مقالًا علميًّا.. تمَّ في غضونه إيراد تقرير العام 1959 سالف الذكر، مُـرفَقًا معه عدد من الدراسات الحديثة. وكانت النتيجة التي توصّل إليها مقالهم:
«توحي هذه النتيجة بأنّ الـ INAH (وهو أحد أجزاء منطقة ما تحت المهاد في الدماغ) له سلوكان مختلفان تجاه التوجُّـهات الجنسيّة، على الأقل في الرجال، و تقترح بأنّ التوجّه الجنسي يستند على ركيزة بايولوجية!».
و مُـذْ نشر صحيفة (العلم) – “Science” لهذا المقال، كنت بإنتظار تغييرات نوعيّة؛ ولكن ظهر أنّها كانت بطيئةً نوعًا ما. ورأي العوام من الناس، لا يزال محافظًا على فكرة أنّ المِـثليين قد اختاروا نمط حياة منحرف! وأعتقد إن أبشع صور الكراهية تجاه المِـثليين تمثّلت بجماعات دينيّة معادية للمِـثليّة الجنسيّة وأفرادها، وتنبع هذه الكراهية من اعتقاد الغالبية العظمى من الناس بأنّ المِـثليّة الجنسيّة نمط حياة منحرف يختاره المِـثليّون!
وجهل الناس بأسباب المِـثلية، هو ما دفع مراهقين مِـثليين إلى الإنتحار، فضلًا عمّا يتعرّض له مراهقون مِـثليون من مضايقة وعنف من زملائهم (الذين ينظرون إلى المِـثليين نظرة مختلفة وسلبيّة) في المدارس الثانويّة، وإدارات المدارس وأصحاب النفوذ والمسؤولية فيها.. إضافةً إلى أنّ آباء المِـثليين المُـتعرّضين إلى هذا النوع من العنف، يبدو أنّهم يبذلون قليلًا من الجهد لإحتواء هذه الإعتداءات، كما يظهر أنّهم يحاولون الإبتعاد وغضّ النظر عن هذه المشكلة سويًّا.
أما رجال الكنيسة، فلا يزال الكثير منهم ينظر إلى المِـثلية على أنّها «خطيئة». زوج أحد كبار المرشّحين الجمهوريين (مرشّح سابق) يدير عيادة من نوعٍ خاص، مُـدّعيًّا القدرة على علاج المِـثليّة الجنسيّة كما لو كانت بكل بساطة مجرّد إختيار خاطئ. وهذه النظرة للمِـثليّة، يشارك هذا الرجل بها العديد من رجال الكنيسة، مستندين بذلك إلى ما جاء عن الرسول بولس في الكتاب المقدَّس:
’’لا تنخدعوا: فلا الفاسقون ولا الذين يعبدون الأصنام ولا الزُناة ولا العاهرون ولا الذين يمارسون الشذوذ الجنسي ولا السارقون ولا الطمّاعون ولا السكّيرون ولا الشامتون ولا السالبون، لا أحد من كل هؤلاء له نصيبٌ في (مملكة الله). ولقد كان بعض منكم على هذه الحال، لكن الله طهّركم وخصّكم له، واعتبركم صالحين بقوّة اسم سيّدنا عيسى المسيح وبروح الهنا‘‘ –
1 كورنتوس: 6 – السطر التاسع: الآية الحادية عشر. / الآيات الكتابية بترجمتها العربيّة مأخوذة من (الكتاب الشريف – طبعة 2007).
لكن.. هل فعلًا بإمكان المِـثليين أن «يتمَّ تطهيرهم» كما تنصّ عليه المعتقدات الدينيّة المحافظة؟!!
المِـثليّون الجنسيّون وُلِـدوا مِـثليين!
جاء في كونسيرفابيديا “The Conservapedia” (وهي موسوعة ويكي ألكترونية):
«أسباب المِـثليّة مردودة إلى طبيعة الإنسان الميَّـالة إلى الخطيئة وإلى التطبُّـع وإلى البيئة وإلى إختيار الفرد.»
لكن الأبحاث العلميّة تناقض هذه الرؤية..!
المِـثليّة الجنسيّة من منظور علمي، ليست إختيارًا، بل هي حالة فطرية يُـولَد عليها المِـثلي، أشبه بفرد مولود أعسر اليد. وقبل أن ترفض هذا التشبيه، عليك أن تعرف بأنّه قد مرّت فترات من تاريخ البشريّة أُعتُـبِرَ فيها أعسروا اليد أفرادًا شريرين، وربّما كان من الممكن أن تُـشنَق أو تُـحرَق أو تُـرجَم حتّى الموت أو تُـدفَن حيًّا لمجرّد كونك أعسر اليد. ولهذا، عندما جرّبت العيش في إحدى البلدان العربية في فتراتٍ سالفة، فضّلتُ إخفاء كوني أعسر اليد جهد إمكاني. ولكن اليوم، نحن نعرف جيدًا بأنّ طبيعة إستخدام اليد اليسرى، هو نتيجة للنسب المفرطة لهورمون التيستوستيرون “Testosterone” لدى الفرد الأعسر اليد، ممّا يتسبّب بتباطؤ نمو الفصّ الأيسر في دماغ الجنين النامي. وهذا ليس إختيارًا فرديًّا أن تكون أعسر اليد، فأعسر اليد وُلِـدَ أعسرًا.
ومن المفارقات العجيبة، أنّ المِـثليّة تنجم عن أسباب تشابه تلك التي ينشأ بها الفرد أعسر اليد. في الواقع، بدلًا عن النسب المفرطة لهورمون التيستوستيرون في حالة الجنين الأعسر اليد، يتلقّى الجنين الذكر في حالة كونه مِـثلي الجنس، نسبًا قليلةً جدًّا من الهورمون، أو في أوقاتٍ متأخّرة عادةً.
ويركّز الباحثون على دراسة جزء من الدماغ يُـعرَف ب منطقة (ما تحت المهاد) “hypothalamus” لأنّه من المعروف أنّها مسؤولة عن الميول والإختيارات الجنسية للفرد. وتُـوصَف هذه المنطقة علميًّا عادةً بأنّها (ذات طبيعتين)، حيث أنّها تكون ذات تركيب في الذكور يختلف عما هي عليه في الإناث. وكذلك، هنالك إختلافات في تركيب هذه المنطقة من الدماغ، بين الأفراد «ذوي الميول الجنسية الطبيعيّة» والمِـثليين. وقد كشفت دراسات حديثة عن مقاطع وأجزاء ومراكز في هذه المنطقة لم تكن معروفة من قبل. وكانت هنالك مفاجئآت أخرى.
مع تطوّر وتقدُّم التقانات المختبريّة، ركّزت الدراسات الحديثة على جزء معين من منطقة ما تحت المهاد، تُـسمّى علميًّا بالــ (SDN) مركز السلوك الجنسي ذو الطبيعتين “sexually dimorphic nucleus” والذي تؤكّد الدراسات الحديثة على أنّه أبرز الفروقات التشريحيّة بين أدمغة الذكور والإناث في الثدييات. و هذا المركز أكبر بما يتراوح بين ثلاث إلى ثمان مرّات في الحجم عند الذكور مما هو عليه من الحجم في الإناث. ومركز من نوعٍ آخر في الدماغ هو الــ (INAH-3)، يظهر أن له حجمًا في الذكور يساوي ضعف حجمه في كل من المِـثليين والإناث. في الواقع، حجمه في الذكور الطبيعيين أكبر من حجمه في المِـثليين بأكثر من الضعف.
والدراسات العلميّة تفيد بأنّه ليس هنالك أي دليل يستند إليه أولئك الذين يعزون المِـثليّة الجنسيّة إلى مسبّب إجتماعي بحْـت. بل على النقيض من ذلك، هنالك عدد من الدراسات أُجرِيَت على حيوانات وأخرى على أفراد بشريين، كشفت عن تأثيرات هورمون التيستوستيرون قبل ولادة الجنين، وفي مرحلةٍ حرجة تُـعرَف علميًّا بــ «زوال الانوثة».
الدراسات الشهيرة التي أجراها الدكتور هاري هارلو “Dr. Harry Harlo” على قرود ريسوس “Rhesus” برهنت على أنّ ظواهر كالحب والقدرة على تنشئة أفراد أصحّاء هي قدرات مكتسبة يمكن أن يتمّ تعديلها بعد الولادة. وهذه التأثيرات اللابايولوجية قد تلعب دورًا ما في المِـثليّة الجنسيّة عند الإناث، ومن الممكن أن تكون عاملًا مساهمًا بدرجةٍ معيّنة في أن تكون الأنثى ذات ميول جنسية مِـثليّة قد تصل إلى درجة تكون فيها المِـثليّة الجنسيّة إمّا ظاهرةً أو مخفيّةً. لكنّها، وإن ساهمت، فهي لا تسبّب المِـثلية الجنسيّة بطبيعة الحال.
كيف تكون الأدمغة أدمغة إناث أو ذكور إذًا؟
علم الأجنّة يبيّن لنا إنّ الأجنّة المبكّرة جميعها تبدأ كإناث. وفي مرحلةٍ مبكّرة من الحمل، إذا كانت الكروموسومات التي تخصّ الجنين تحدّد أنّه ذكر، يتم تبديل جنس الجنين عن طريق إفراز هورمونات جينيّة مُـبرمَجة وراثيًّا بشكلٍ مُـسبَق، تُـسمَّى بــ (منشّطات الذكورة) أو الآندروجينات (آندرو – جينات) “androgens”. وهذه الهورمونات، وخاصّة التيستوستيرون، تحوّل جنس الجنين من أنثى إلى ذكر، وتطوّر الصفات الذكريّة عند الجنين (مرحلة زوال الانوثة. – المترجم). و في حال لم تُـفرَز هذه الهورمونات ينمو الجنين ليكون أنثى بشكلٍ دائمي.
وإذا كان زوج الكروموسومات بالصيغة “XX” فإنّ هذا سينجم عنه فرد أنثى. وفي حال كون زوج الكروموسومات بالصيغة “XY”، فسينجم عنه فرد ذكر الجنس. تساهم الأنثى بالكروموسومات “X” فقط، حيث أنّها لا تملك سوى هذا النوع من الكروموسومات الجنسيّة، في حين أنّ الذكر «الاب» بإمكانه المساهمة بنوعين من الكروموسومات الجنسيّة وهما “X” أو “Y”، لذا يظهر بديهيًّا أنّ الكروموسومات التي يساهم بها الأب هي التي تحدّد جنس المولود. فإذا كان للرجال – بضمنهم المِـثليين – أزواجًا كروموسوميّة جنسيّة بصيغة “XY” كيف من الممكن أن يلد هؤلاء الرجال أطفالًا مِـثليين؟ ما الذي يجعل تركيب منطقة ما تحت المهاد في أدمغتهم مختلفًا عمّا هو عليه في الأطفال الطبيعيين؟
في ورقةٍ علميّة نُـشرَت منذ ما يقارب الربع قرن، كان باحثون في علم النفس في جامعة فيلانوفا “Villanova University” في حيرةٍ من أمرهم، فيما يخصّ جنس الأفراد. الدكتورة اينجبرك وارد “Dr. Ingeborg Ward” كانت تدرس السلوك الجنسي عند الفئران، وقبل بحثها بسنين، كانت منطقة ما قبل المهاد موضع شكّ العلماء فيما إذا كانت تلعب دورًا في تحديد جنس الفرد أو لا.
الدكتورة وارد قامت بتقسيم الفئران الحوامل إلى ثلاث مجاميع، حيث كانت تتساءل فيما إذا كان هناك شيء مميّز من الممكن أن يحدث خلال المراحل المبكّرة من الحمل. عرَّضت الدكتورة وارد المجموعة الأولى إلى إجهاد شديد (خلال الأيّام العشرة الأولى بعد حملهن)، متمثّلًا بإهتزازات مزعجة وألوان ساطعة وضوضاء وأصوات صاخبة. عشرة أيّام من حمل إناث الفئران تعادل علميًّا ما يقارب الــ 3 أشهر من حمل الإناث البشريّة. وعرَّضت الدكتورة وارد المجموعة الثانية من الفئران إلى ذات النوع من المؤثّرات، ولكن في فترة أواخر حملهن، قبل الولادة. أمّا المجموعة الثالثة، فقد ضمَّـت ذكورًا من نسل الإناث المُـعرَّضة للإجهاد قبل الولادة، وأخرى من نسل أمّهات لم يتعرَّضنَ لأي نوعٍ من الإجهاد. وتمَّ تعريض أولئك المواليد إلى ذات النوع من المؤثّرات.
بعدها، قامت الدكتورة وارد بالسماح لكلّ الذكور بالوصول لمرحلة البلوغ دون أي تدخّل منها. ثم سمحت بمخالطة هؤلاء الذكور بإناث سليمات (لسن من المجموعات آنفة الذكر)، لمراقبة رغبتهم في وقدرتهم على التزاوج مع الإناث البالغات الطبيعيّات، وجاءت النتيجة كالآتي:
’’ذكور الفئران التي عُـرِّضَت إلى الإجهاد (ما قبل أو بعد الولادة أو كليهما)، أظهرت المُـعرَّضة لإجهاد ما قبل الولادة منها إنخفاضًا في معدّلات الرغبة في الجماع عند الذكور. أمّا الإناث فقد أظهرت إستجابات قسعية بمعدّلات عالية – (الإستجابة القسعيّة أو «اللّورديّة»: تشير إلى السلوك والرغبة الجنسيّة المتصاعدين أثناء فترة الجماع). أمّا تلك التي تعرّضت لإجهادات ما بعد الولادة فلم تظهر عليها أية تأثُّـرات سلوكيّة. وتُـعزَى التكيُّـفات التي ظهرت على الذكور المعرّضة للإجهاد قبل الولادة إلى التعديلات التي يسبّبها الإجهاد على نسب هورمونات الغدد التناسلية خلال مراحل حرجة من مراحل التمايز الجنيني الجنسي، خاصّةً وأنّ الإجهادات تسبّب ضعفًا في هورمونات الآندروجين (منشّط الذكورة) والآندروستينيديون “androstendione”، أو ضعفًا في قشرة الغدّة الكظرية لأمهات الأجنّة، أو الأمرين معًا، يتزامن كل هذا مع إنخفاض في معدّلات إفراز هورمون التيستوستيرون.‘‘
إذا كان الجنين حاملًا لكروموسومات “XY”، سيكون من المقدّر له أن يكون ذكرًا، وسوف يحتاج هورمون التيستوستيرون لتنشيط منطقة ما تحت المهاد المتشكّلة حديثًا، وهذه المرحلة هي المرحلة الحرجة الأولى في تكوّن الجنين و تمايزه، وتُـعرَف بمرحلة «زوال الأنوثة»، وإذا ما جرى أمر ما بصورةٍ غير الصورة المفترض أن يجري بها، هنا ستتغيّر الوجهة التي تسير صوبها العمليّة بأسرها.
حديثًا، اكتشفنا بأنّ هورمون التيستوستيرون عليه أن يتكسّر إلى استيراديول “estradiol”، بينما الآندروستينيديون لا ينبغي أن يتكسّر إلى استيراديول. وهذا إن دلّ على شيء فسيدل على مدى تورّط هذا الهورمون في عمليّة نمو الدماغ باكرًا في الأجنّة.
وفي حال تعرُّض الأنثى للإجهاد، ستتأخّر عمليّة إنتاج التيستوستيرون، أو تقل الكميّات المنتَـجة، ورغم أنّ هذا لا يعني عدم إنتاج الهورمون، إلّا أنّ هذا البطؤ أو الشحّة في إنتاج الهورمون، حتّى وإن كانت هناك كميات وفيرة «ليست بالكميّة المطلوبة»، فهذا سيقود إلى اضطرابات في عمليّة زوال الأنوثة من منطقة ما تحت المهاد.
في عام 1972، لم تكن للدكتورة وارد أدنى فكرة عن أن الاندروستينيديون في الإناث الحاملة بالذكور، من شأنه أن يمنع أو يحول دون تطوّر منطقة ما تحت المهاد إلى الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه في الذكور الأصحّاء، لكنّنا نعرف جيدًا الآن أنّ بإمكان الهورمونين السالفي الذكر أن يفعلان ذلك حين تتعرّض الأنثى للإجهاد. الدماغ البشري يحدّد نوع جنس المولود في وقتٍ باكر جدًّا من نمو الجنين أثناء الحمل، لكن حالما يتم تحديد جنسه، فلن يكون العكس أبدًا.
إضطراب عمل التيستوستيرون في مراحل لاحقة له تأثيرات طفيفة أو شبه معدومة على جنس الجنين وصفاته الجنسية. وفي المراحل المتوسّطة من الحمل، بإمكان المناسل في الإناث الحاملات أن تنتج المزيد من التيستوستيرون بما فيه الكفاية لنموٍّ سليم في أجساد الذكور. وفي بعض الحالات قد يحصل نقص أو اختلال أو عيوب ما في المتلقيات التي تعدّ مستلمات التيستوستيرون، أو قد يحصل حجب واختلال لعمل الهورمون داخليًّا بتأثيرات ناجمة عن إضطراب عمل الهورمون مع الهورمونات الداخلية (غالبًا اندروجينات أخرى مثل التيستوستيرون – منشّطات الذكورة)، وهذا الإضطراب قد يثبّط بشكلٍ ملحوظ فاعلية الهورمون ودوره في العمليات الجارية في مرحلة زوال الأنوثة.
كتبت الدكتورة وارد:
’’… معلوماتنا الحالية تؤيّد الفرضيّات التي مفادها أن تعرّض الحوامل من الفئران إلى الضغوط والإجهادات من شأنه أن يعدّل عمليات التمايز السلوكية الجنسية عن مسارها الطبيعي، بسبب انخفاض نسب التيستوستيرون ذو الأهمية الوظيفيّة العالية، وإرتفاع نسب الاندروستينيديون في مراحل نشوء ونمو وتمايز الأجنّة. في ظروف الإجهاد والضغط تنخفض نسب هورمون التيستوستيرون المتدفّق من الغدد التناسلية، يصاحب ذلك إرتفاع في معدّلات تدفُّـق الاندروستينيديون من الغدد الكظرية. ولتشابه التركيب الكيميائي للهورمونين، يظهر جليًّا إنهما يتنافسان على ذات المواقع المستهدَفة التي تستقبل الهورمونين. ولأنّ الاندروستينيديون هورمون أقل فاعلية وتأثيرًا من التيستوستيرون، سيكون من السهل توقّع انخفاض القدرة على والرغبة في الجماع عند الذكور الذين أُجريَـت عليهم الدراسة، والمعرَّضين للإجهاد في مراحل ما قبل الولادة، ونحن لاحظنا (مرارًا وتكرارًا!) الفروقات النسبية والمتقاربة بين الهورمونين السالفي الذكر، كُـلًّا من التيستوستيرون، والاندروستينيديون.‘‘
ولكن لماذا …. ؟
أتوقَّـع أنّنـا سويًّا بدأنا نفهم إنّ المِـثليّة الجنسيّة لا تنتقل وراثيًّا، لكن لِـمَ قد نلاحظ حدوثها بنسبٍ مرتفعة/منخفضة في مناطق جغرافية ذات طبيعة سكّانية معيّنة ؟ يبدو إنّ هذا يؤشّر انّ تفضيل جنس واحد للفرد له فوائد تطوّرية ما (بدلًا عن أنّ يكون مثليًّا!). وإلّا، ينبغي بنا التفكير في إمكانية تقويم الهشاشة والضعف في دماغ الجنين النامي (كدماغ المِـثلي). إذًا، ما هي تلك الفوائد التطوّرية؟
مرّةً أخرى، نقتبس كلمات الدكتورة وارد:
’’هذه التغيّرات الجنسيّة الفريدة، تمدّ الأفراد بالأسس اللّازمة لتحقيق ازدهار سكّاني (بمفهومه البايولوجي بالتّأكيد. -المترجم)، حيث إن الأجيال المنحدرة من أفراد متضرّرين لا تمتلك القدرات السلوكية للمساهمة في الإزدهار والنمو السكّاني. وبهذا فإنّ البيئة بإمكانها السيطرة بحدود معيّنة على القدرات التناسلية للأجيال المتعاقبة ذات الأجنّة المتميّز بعضها عن البعض الأخر.‘‘
(لشرحٍ أكثر وضوحًا وتفصيلًا لهذا المفهوم، راجع مقالات صحيفة ساينس ديلي “ScienceDaily” لفهم متكامل لهذه الأفكار العلمية في unsure emoticon : هنا
ماذا عن المِـثليّات من النساء “Lesbians”؟
جنين الأنثى في مراحل نموّه، لا يكون في أي ترقّب لهورمون التيستوستيرون. في حين يحصل هذا الترقّب فقط في حال كون الجنين متجّهًا إلى التمايز إلى ذكر. الاندروستينيديون الناتج عن تعرّض الأنثى الحامل لإجهادات ما قبل الولادة له تركيب جزيئي مشابه للتيستوستيرون، و أي نسب متزايدة من الهورمون ستؤثّر على طبيعة تمايز منطقة ما تحت المهاد إلى تلك الموجودة في الذكور أو الإناث. لذا فإنّ آليّة مشابهة لتلك التي يصبح فيها الذكر مِـثليًّا، من الممكن أن تشرح تحوّل الأنثى إلى أنثى مِـثليّة. من غير الخوض في المزيد من التفاصيل العلميّة ..!.
حقائق شيّقة وقراءة مستزيدة: عن المِـثليّة الجنسيّة.
• في النساء الطبيعيّات، إصبعا السبّابة والبنصر يكونان ذوا أطوال متقاربة جدًّا. بينما في الرجال، يكون البنصر أطول من السبّابة غالبًا، وهذا بسبب التأثير المدهش للتيستوستيرون.
• كل أخ لذكر بكر له حظّ أكبر من إحتمالية ميول جنسيّة مِـثليّة! فمثلًا ذكر له أربعة إخوة له ثلاثة اضعاف إحتمالية إمتلاك ميول جنسيّة مِـثليّة أكثر من رجل ليس له إخوان!
• أطوال أصابع السحاقيات من النساء – كمعدّل – تكون غالبًا مشابهةً لما هو عند الرجال. وتنطبق ذات الملاحظة على بعض الخواصّ الجسميّة الأخرى، كوظائف الأذن الداخلية، أو حتّى الأسلوب الذي تطرف به عينهن (مشابهًا لأسلوب طرف عين الرجل أكثر منه شبهًا لأسلوب طرف عين الأنثى)!
• إنّ 75% من الأطفال الذكور الذين يفضّلون لباس الإناث على لباس الفتيان، ويفضّلون اللّعب بالدمى (من تلك الأنواع التي تعتاد الفتيات اللّعب بها) وما شابه من طرز التسلية عند الإناث، على تلك التي يفضّلها الفتيان في العادة، سينمون ليكونوا مِـثليين جنسيًّا في المستقبل! في حين أنّه – على نحوٍ مماثل – تنمو الفتيات اللّواتي يفضّلنَ اللّعب بالشاحنات على حفلات الشاي ليكنَّ مِـثليّات.
• دراسات أُجريَـت على الحيوانات، أوضحت أنّ نسبة 8% تقريبًا من الخِـراف تمارس المِـثليّة الجنسيّة، ما ظهر نتيجة لملاحظة نسبة منها، ذوات أعين ذكور فقط، وفقط ذكور! الرُعاة الأستراليّون يطلقون على هذه الظاهرة إسم (التربية الخجولة).
• دراسات أُجريَـت في جامعة ويسكنسون هارلو “University of Wisconsin’s Harlow Primate Research Center” درست آثار الإجهاد والتربية والإعداد لِـما بعد الولادة على القرود، عرض أنّ السلوك الجنسي السليم من الممكن أن يتم تثبيطه وإعتراضه في حال غياب رعاية والدي القرود، وهذا يشرح مصدر السلوك الجنسي المُـنحرف أو المختل وظيفيًّا، بدلًا عن القول بولادة هؤلاء القرود مِـثليين.
• أظهرت دراسة حديثة أنّ عقول النساء المِـثليّات جنسيًّا تستجيب بشكلٍ مختلف إلى الهورمونات الجنسيّة عن الطريقة التي تستجيب بها عقول النساء الطبيعيّات إلى هذه الهورمونات، متماشيةً مع ما توصّلت إليه دراسات سابقة أوضحت بأنّ إستجابات دماغ مِـثليّي الجنس من الرجال مختلفة عن إستجابات الرجال الطبيعيّين. بيْـدَ أنّ الفروقات في الإستجابة عند الرجال السليمين والمِـثليّين تظهر واضحةً أكثر منها في النساء السليمات والمِـثليّات منهن.
هل السحاقيات مختلفات؟
أدمغة المِـثليّات من النساء أظهرت تشابهًا كبيرًا بين ردود الفعل عند النساء المِـثليّات والرجال السليمين في دراسةٍ نُـشِرَت في الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم “National Academy of Sciences”.
في حين أنّ دراسة سابقة منشورة أفادت بأنّ إستجابة أدمغة الرجال المِـثليين مشابهة إلى إستجابة النساء السليمات! وفي كلتي الحالتين، ما نعلمه هو أنّ هذا الإكتشاف يضيف المزيد من الأدلّة التي تدعم (إلى جانب العديد من الأدلّة الأخرى) كون المِـثليّة الجنسيّة مردودة إلى أسباب خلقيّة ونشوئيّة، لا سلوكًا مُـتّبعًا. ساندرا ويتلسون “Sandra Witelson”، الخبيرة في مجالات تشريح الدماغ والميول الجنسيّة في مدرسة مايكل ج. دي كروتي في جامعة ميك ماستر الواقعة في هاملتون، اونتاريو، “Michael G. DeGroote School of Medicine at McMaster University in Hamilton, Ontario.” قالت:
’’يظهر أنّ التوجّه الجنسي والميول مختلف بشكلٍ كبير إلى حدٍّ ما بين الرجال والنساء. إنّها ليست مجرّد صورة طبق الأصل كما قد نعتقد.‘‘ وأضافت: ’’إنّ الشيء الأكثر أهميّة هو أنّ نكون أكثر تقبُّـلًا لفكرة وجود عوامل بايولوجية تساهم في تحديد الميول الجنسيّة.‘‘
فريق البحث المتخصّص، بقيادة إيفانكا سافيتش “Ivanka Savic” من معهد ستوكهولم للدراسات الدماغية “Stockholm Brain Institute”، جعل بعض المتطوّعين يقومون بشمّ عيّنات كيميائيّة من هورمونات جنسيّة (ذكريّة وأنثويّة)، وهذه الهورمونات هي أحد أنواع الهورمونات المعروفة في الوسط العلمي بــ (الفيرومونات) “pheromones” والتي تقوم جزيئاتها بإستثارة استجابات وردود فعل الدماغ (كالدفاع والممارسة الجنسيّة، الخ…) في عدد من الحيوانات.
وذات الفريق كان قد أوضح في تقرير عن دراسة سابقة أُجريَـت قبل بضعة أعوام، لمقارنة استجابات وردود فعل أدمغة الذكور والإناث الطبيعيين مع المِـثليين جنسيًّا. وقد وجدوا بأنّ أدمغة المِـثليين (من الذكور) تستجيب بصورةٍ مشابهة أكبر إلى الطريقة التي يستجيب بها دماغ الأنثى الطبيعيّة منها إلى تلك التي يستجيب بها دماغ الذكر الطبيعي.
الدراسة المُـجراة حديثًا تظهر علاقة مشابهة (لكن أقل ضعفًا من الأولى) بين استجابة أدمغة النساء المِـثليّات والرجال الطبيعيّين.
وجدَتْ الأنثى السليمة أن كُـلًّا من الهورمونات الجنسيّة (فيرومونات) المأخذوة من الذكور والإناث جذّابةً بشكلٍ متقارب جدًّا. في حين أنّ الرجال الطبيعيّين والنساء المِـثليّات وجدوا جاذبيةً أكبر في فيرومونات الأنثى. وأظهروا نفورًا طفيفًا من فيرومونات الرجل، بينما أظهرت الأنثى الطبيعيّة نفورًا أكبر تجاه الفيرومون الأنثوي من ذاك الذي أظهرته تجاه الفيرومون الذكري.
وحريٌّ بالذكر، أنّ المجموعات الثلاث قد قيَّـمت الهورمون الذكري بأنّه أكثر أُلفةً من الأنثوي. وجدت النساء الطبيعيّات الهورمونين أقرب إلى أن يكونا متساويين في الحِـدّة، في حين وجدتْ النساء المِـثليّات والرجال الطبيعيّون ذلك في الهورمون الذكري.
كان فريق الدراسة قد فحص أدمغة المجموعات الثلاث عند إستنشاقهم للهورمونات الجنسيّة الذكريّة والأنثوية، وأربع روائح أخرى عاديّة (من ضمن خطّة الدراسة)، بحيث تصل الروائح الأربع إلى دوائر المخ المرتبطة بحاسّة الشمّ.
في الرجال الطبيعيّين تمّت معالجة الهورمونات الذكريّة في جزء الدماغ المعني بالشم، ولكن تمّت معالجة الهورمونات الأنثويّة في منطقة ما تحت المهاد المرتبطة بالمحفّزات والمنبّهات الجنسيّة، وجرت العمليّة بشكلٍ عكسي في الإناث الطبيعيّات.
في حين أنّ سافيتش وفريقها ذكروا بأنّ النوعين من الهورمونات قد تمّت معالجتهما في جزء الدماغ الخاصّ بالشم!
شملت كل مجموعة من مجاميع المتطوّعين للدراسة إثني عشر فردًا، أصحّاء وغير خاضعين لأي نوع من علاج خاص أو مركّب كيميائي من نوعٍ معيّن، جميعهم يستخدمون اليد اليمنى، وغير مصابين بفايروس نقص المناعة البشرية (الأيدز).
المصدر:-