الرئيسية / تعليم / لماذا يجب تدريس الفلسفة للأطفال؟

لماذا يجب تدريس الفلسفة للأطفال؟

من الملاحظ، أنّنا جميعاً، نسمع الكثير، بين الفينة والأخرى عمّا مفاده، “أن على الأطفال أن يتعلموا”.

مؤخراً، كشف الرئيس أوباما، عن نيته المسبقة، للتوجه إلى الكونغرس الأمريكي، لطلب أربع مليارات دولارٍ أمريكي، لتمويل مبادرة ذات صبغة تعليمية، الغرض منها إيصـال المعرفة بعلوم الحاسوب إلى عددٍ أكبر من الطلاب الأميريكيين.

وهنا، نقدّم لكم مقالاً، بقلم ستيف نيومان، الكاتب والفيلسوف الأميركي المعاصر، يعرض فيه ما يراه مشكلةً أكثر إلحاحـاً، على المدارس أن تنظر إليها بجديةٍ أكبر، لتداركها، وعلاجها .. فهو يرى في مقترحه هذا ضرورة، بإعتباره “يقدم بها للفلسفة ما يقدمه رجال صحافة العلم للعلم الحديث” على حد وصفه، حيث قال، “لإعداد أجيالٍ من الأكاديميين، يقدمون الفلسفة في طبقٍ لتهضمها الجماهير من عامة الناس.”

وقد ظهر مقاله هذا، في عددٍ من الصحف العالمية، كالـ”نيويورك تايمز”، و”الديلي بيست”، وصحيفة “الفلسفة الآن – philosophy now”، بعد أن كان نيومان قد نشره بشكل تدوينة على موقع “http://www.patheos.com“، وإليكم – أدناه – ننقل المقال مترجماً.

 

العنوان: لماذا على الأطفال – الآن، أكثر من أيّ وقتٍ مضى – أن يدرسوا الفلسفة؟… نعم، الفلسفة! للكاتب والفيلسوف – ستيفن نيومان.

يبدو أن هذه الفكرة، ستثير سخرية إدارات المدارس، والمدرسين، وأولياء أمور الطلاب، ولربما حتى الفلاسفة، إن على أطفال المدارس أن يكونوا فلاسفة، من الآن فصاعداً.

لربما يتسائل دارسوا الفلسفة، فيما إذا كان بإمكان الأطفال أن يمارسوا الفلسفة فعلياً، و سيرجحون بأن دراسة الأطفال للفلسفة لن تكون سوى معرفة عابرة، مـا سيدفع الكثير من الأطفال إلى الإستنتاج بأن الفلسفة عبثُ، و معرفة عديمة النفع، أو الفائدة .

وفي كل الأحوال، سيكون من العبث، محاولة الوصول إلى ما هو أبعد من الحقيقة ذاتها. وأعتقد، شخصياً، بأنه سيكون شيئاً ذا أهميةٍ قصوى، أن يتعلم الجيل الناشئ، من أطفال اليوم، كيف يكونوا فلاسفة … ما قد يدفع بهؤلاء الأطفال، والمجتمع – في ذات الوقت – إلى مستوىً مختلفٍ من الرفاهية، و الإزدهار.

لا أعني بحديثي هذا أن عليــنا أن نجعل أطفالنا يدرسون الفلسفة بتلك الطريقة التي يدرسها طلاب الكليات! .. فمن سيكون بودّه أن يتخيل أطفالاً ومراهقين يدرسون نظرية أفلاطون في النماذج والأشكال، أو نظرية كانط في الضرورة والحتمية، على سبيل المثال! (رغم إنّني لا أزال أعتقد إن هذه النظريات لابدّ و أن تتخذ لها مكاناً ما في المقرّرات الدراسية لطلبة المرحلة الثانوية، ولكن .. لنجعل هذا نقاش المرّة القادمة!!).

بالنسبة لنوع الفلسفة الذي أقترح أن يدرسه الأطفال … أرى إن خير مثالٍ لما سيكون عليه هو ما أطلق عليه الفيلسوف جون ديوي (المجتمع البدائي). ولأقرّب الصورة أكثر إلى ذهنك، عزيزي القارئ، ولنعرف السبب الذي يجعلني أعدّ دراسة هذه الفلسفة أمراً حيوياً، تأملوا معي مثلا، طبيعة خطابات الساسة والمرشحين، في الدورة الإنتخابية الحالية. العنصرية، الإجحاف الإقتصادي وعدم تكافئ الفرص، العنف المسلح، الإرهاب الداخلي والخارجي، … و إنتهاءاً بالتقلبات المناخية، هي المواضيع الرائجة في خطاباتهم، ويظهر حسن إصغاءٍ بسيط إلى تلك الخطابات، عدم قدرة المرشحين وأحزابهم، على الإنخراط في الخطاب العام البناء، وهو ما يعد تجلياً للضعف الوظيفي لكبار شخصياتنا، بشكلٍ أساس.

فلنمعن النظر فيما وجدته سلسلة (مركز بيو pew) ) لأبحاث الإستقطاب السياسي [العام المنصرم : ] فقد أضحى الجمهوريون والديمقراطيون أكثر إنقساماً اليوم، وفق أسس آيديولوجية بالدرجة الاولى – دون أن نغفل عن كون العداء الحزبي هو مشكلة أخرى أشد عمقاً وأكثر شمولية – أكثر من أيّ وقتٍ مضى خلال العقدين الماضيين. وقد أصبحت هذه النزعات تقدم نفسها بطرقٍ لا تعد ولا تحصى، على السواء في حياتنا اليومية، أو السياسة بشكلٍ عام.

و لا ينتابني شك في إن كثيراً منا، يدرك ضرورة التفكير النقدي، والتواصل الفعّال، اللذان لا يختلف إثنان على إنهما جانبان فعالان في دفع واقع المجتمع، خطوة أخرى نحو الأمام.

أما نحن، فكلما تقدمنا في السن أكثر – كلما أصبح إنفتاحنا على المعلومات الجديدة، والأدلة والحجج، أقل بكثير، ولكن بإمكاننا، و أرى ذلك لزاماً علينا، غرس الفضائل اللازمة في أطفالنا، عبر إسلوبٍ (K-12) التعليمي.

كمل إنة لمن السهل إعداد أطفال أقوياء، يقومون باصلاح المحطمين من الرجال”  وهو ما تكلم عنه فريدريك دوغلاس ذات مرة في سياقٍ مشابه، ومن هذا المنطلق … لابد وأن يكون أطفالنا، من الآن فصاعداً، فلاسفة.

يساور الكثير من الناس، وقد تكون أنت – أيها القارئ الكريم – أحدهم، إتطباعٌ عن المبادئ التوجيهية والرؤى العامة عند سماع مفردة “فلسفة”. قد يكون لوطنيي نيو إينغلاند (شمال أميركا) فلسفة التدريب العسكري والوطنية والإندفاع، على سبيل المثال لا الحصر، في حين إن مغني الراب دريك يشجعنا أن يكون لـنا فلسفة يولو في حياتنا! ( يولو YOLO تعني: أنت تعيش حياة واحدة فقط، you only live one life)، وهلّم جرا.

لكن المفهوم الأكاديمي للفلسفة مختلفٌ نوعاً ما ، فالفلسفة هي أحد فروع المعرفة الإنسانية التي تعنى بتصنيف وتحليل الأفكار والمفاهيم والحجج ذات الصلة بالأسئلة الهامّة في الحياة. وكما وصفها سقراط، يتمحور مفهوم الفلسفة في طرح المزيد والمزيد من الأسئلة، التي تـنبع في بادئ الأمر من التعجب من ظاهرة أو حدثٍ معين.

ففي الفلسفة، نحن لا نسأل أنفسنا فقط، بل الآخرين كذلك، الذين يشكلون، مجتمعنا. ومن الصائب القول إن الفلسفة تشتمل على الكثير من الجلوس والتفكير، لكن ينبغي النظر إلى هذا من منظارٍ آخر، .. أورد هنا ما قاله الفيلسوف الأميركي الراحل ماثيو ليبمان في مقاله (الدور التربوي للفلسفة) في موضوعٍ مشابه: ]

قد تبدأ الفلسفة بالتعجب، وتنتهي بالفهم، أو لربما، في بعض الحالات، بالحكمة، لكن هذا الطريق يتطلب قدراً كبيراً من العمل الشاق، والذي يأخذ في كثيرٍ من الأحوال شكل حوارٍ، أو محادثة. [الحوار، هو مفتاح الحـل، لأنه يضع على مستوى الإختبار، كلاً من إرادتنا، حججنا و براهيننا، منطق تفكيرنا، إستنتاجاتنا، وأفكارنا. وفقط، حين نختبر كلاً ممّا سبق، سنكون مفكرين أفضل .. وفي الطريق الذي نسلكه إلى الإرتقاء بذواتنا إلى مستوى مفكرين أفضل – عبر الحوار – .. سنكون قد هيأنا فرصـاً لأطفالنا، ليكونوا مواطنين أفضل.

رأى ليبـــمان، عند تدريسه الفلسفة في جامعة كولومبيا في ستينات القرن المنصرم، إن طلابه كانوا أكثر تحمساً وتوقاً لتغيير واقع العالم، رغم إنه كان ينقصهم بعض أسس التفكير السليم وإبداء القرارات السليمة. و قد أدرك كذلك، إن الكلية، ستكون فرصة متأخرة لتحفيز الأفراد على التفكير بالطريقة السليمة.

ومن هذا المنطلق، إنهمك ليبمان في العمل على مشروعه، “الفلسفة للأطفال- P4C  Philosophy for children”. وفي الثمانينات، قطفت ثمار جهود ليبمان، التي كانت تعد بجيلٍ خرج تائقاً لمستقبلٍ أفضل وواقعٍ مختلف، وقد كان هذا أول دليل يقطع بصحة الفرضية التي قالت بأن الاطفال بإمكانهم أن يصبحوا فلاسفة … بطريقةٍ ما!! . الأطفال، هم فعلاً “فلاسفة بالفطرة” كما وصفهم ستيفن لاو. و ذهب ليبمان في مقاله إلى إن:

أولئك الذين ينخرطون في الحوارات الفلسفية حول المواضيع الفلسفية، بالرغم من أنهم لا يحاورون بخبرة رجالٍ متخصصين، فإنهم في الواقع يحاورون حواراً فلسفياً، بطريقةٍ أو بأخرى، حتى وإن كانوا صغاراً جداً جداً .. مادام حوارهم يطابق الأسس والقواعد الأساسية للفلسفة.

ومنذ ذلك الحين، حسّن الفلاسفة من فلسفة ليبمان لتدريس الأطفال لتتفق مع أصول التدريس (البيداغوجيا) الحديثة، لكن .. كل التعديلات على الفلسفة الأصلية، إتفقت على إعطاء الأولوية “للحوار”.

وضمن هذا الاطار، نفهم بأن الأطفال، سيحققون الفائدة القصوى، من خلال ضربٍ من ضروب التلمذة، والتدريب المهني، على الفلسفة، من خلال التعلم بالممارسة .. حيث ستنحصر وظيفة المعلم في توجيه الطلاب، وإجابة إستفساراتهم، ومساعدتهم على الإلتفات إلى الطريقة التي يفكرون بها، والتأكد من إنهم في حديثهم وتفكيرهم يتفقون مع معايير المساواة الفكرية والإحترام المتبادل والتفكير المنطقي.

اسلوب K-12 في أمريكا من الممكن أن يكون “وعاء زرع” طبق بيتري (وهو طبق مسطح من الزجاج الرقيق أو البلاستيك الشفاف مع غطاء فضفاض يستخدم طبياً لأغراضٍ مختبرية – يُراد به وعاء مجازاً) حاوياً لجيلِ واعِ ، يعد بإمكانية بناء مجتمعِ ذو طابعِ أكثر تعددية، وقابلاً للصقل .. و التوجيه. سوف يقاسون (ويتمتعون في ذات الوقت، نعم!)، و سيشاركون في المجتمع، بالطريقة التي إعتاد الفلاسفة على وصفها بأنها ستمكنهم من حسن تقدير مسائل الحياة التي ستواجههم في شتى المجالات، لاسيما الإجتماعية والسياسية، وتجعلهم، أكثر إحتراما لأولئك الذين لا يتفقون معهم.

أما إذا فشلنا في تحويل طلاب المرحلة الثانية إلى نسخٍ من سقراط، فمن يدري .. ، لربما سينجحون في الإهتداء إلى طرق كسب العيش الكريم، لكن من المرجح، إنهم سيكونون عاجزين عن إيجاد مجتمعٍ مدني .. كذاك الذي نحلم به، بطبيعة الحال!

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

هل اصبحت الدراسة الجامعية سهلة جداً؟

كتبه: جو بينسكر لموقع: ذي أتلانتك بتاريخ: 23/ 7/ 2019 ترجمة: فاطمة القريشي تدقيق ومراجعة: …

هل التحدث مع النساء الجميلات يجعل الرجال أغبياء؟

كيف يتأثر الذكاء عند التحدث وجهاً لوجه مع شريك محتمل؟ بقلم البروفيسور مادلين أي. فيوجر …