في الحادي عشر من ديسمبر عام 1972 هبطت مركبة “أبولو 17” على سطح القمر. هذه الرحلة لم تكن آخر رحلة للقمر فحسب، بل هي آخر مرة سافر فيها الإنسان بعيدا عن مدار الأرض. اليوم و بعد عودة ناسا للأضواء و الحديث عن رحلات مأهولة إلى المريخ، تعود التساؤلات:لماذا لم يتم إرسال أي بعثة مأهولة إلى القمر بعد أبولو 17؟ هل يعقل بأن مشروع أبولو كان خدعة؟ أم أن هناك أسباب منطقية لهذا!
لماذا بدأت رحلات الفضاء؟
النجاح العلمي الذي حققه أبولو كان نتيجة لبرنامج ضخم بدأت ناسا تعمل به منذ عام 1963 بعد نهاية “برنامج عطارد”. بنهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي للهيمنة على العالم لكن دون مواجهات مباشرة. كان التنافس محتدم في التسليح، حيث طور الجانبان أسلحة مدمرة و صواريخ عابرة للقارات تقطع آلاف الكيلومترات و توجه بدقة. الخطوة التالية للهيمنة كانت غزو الفضاء و من ثم الوصول إلى القمر، لهذا استثمر البلدان مصادر ضخمة لتطوير الصورايخ و المركبات الفضائية المأهولة. نجح الاتحاد السوفيتي بإرسال “يوري جاجارين” إلى مدار الأرض عام 1961 ليصبح أول انسان يصل للفضاء، بعد أربع سنوات فقط من نجاحهم بإرسال أول قمر صناعي (سبوتنك1) إلى مدار الأرض.
بعد نجاحات الاتحاد السوفيتي، زادت المنافسة و أعلنت ناسا عن مشروعها لاستكشاف الفضاء بالدعم من الجيش الأمريكي و هيئات علمية ضخمة و تشجيع جماهيري واسع. بحلول عام 1966، وصلت حدة التنافس إلى القمة، حيث حصلت ناسا على أكبر ميزانية في تاريخها في ذلك العام (6 مليار دولار، ما يقارب 4.5% من ميزانية الولايات المتحدة لعام 1966). بدأت أمريكا بالتقدم على الاتحاد السوفيتي خاصة بعد نجاح أول مهمة لمشروع “جيميني”، ثم الإنجاز الأكبر بتاريخ ناسا و هو هبوط “أبولو11” على سطح القمر عام 1968. استمرت نجاحات ناسا بهبوط 5 مركبات أخرى على سطح القمر ( أبولو 11إلى 17، ما عدا أبولو 13 التي لم تهبط لخلل فني) ولكن قل دعم الجماهير و الحكومة تدريجياً حتى تقلصت الرحلات بإلغاء “أبولو 18،و 19، و 20”.
ماذا تغير بعد نجاح أبولو؟
بحلول عام 1970، أي بعد عام واحد فقط على نجاح مهمة أبولو11 بدأت ناسا بإعادة تقييم خططها المستقبلية. تم إحياء فكرة “محطة الفضاء الدولية” و المختبرات الفضائية، و لهذا ألغيت أخر ثلاث رحلات و انتهى مشروع أبولو. كل هذا كان عن طريق ضغط الحكومة و كان البيت الأبيض ينوي إلغاء البرنامج بعد رحلة أبولو 15، لكن المؤسسات العلمية أجبرتهم على الموافقة لإرسال أبولو 16 و 17. كان الجيولوجي “هاريسون شميت” من طاقم أبولو 17، و هو العالِم الوحيد الذي أُرسل إلى القمر. كان رائد الفضاء يوجين سيرنان آخر انسان يخطو على القمر.
لم يستمر الدعم المالي لناسا كما كان عليه في الستينيات، خاصة بعد أزمة الوقود في عام 1973. كانت الجماهير لا ترى سبب لإنفاق المال من أرجل إرسال رحلات أخرى للقمر، و كذلك اعتقد السياسيون. تغيرت أولويات الحكومة بعد الانتصار في برنامج الفضاء، و بالتالي اقتصرت مهام ناسا على الأبحاث العلمية و تطوير برنامج المختبرات الفضائية، و من ثم برنامج “المكوكات الفضائية” الذي اقترحه الجيش الأمريكي، و بعدها برامج الاستكشافات الروبوتية.
هذا التغير في الخطط يوضح مدى تأثير سياسة أمريكا على ناسا. بعد الانشغال بمشروع “المكوكات الفضائية” تفككت كل البنية التحتية لمشروع أبولو، لم تعد صواريخ “ساترن4” تُصنع، وتم حل الفريق و توزيع خبرائه على مجالات أخرى. بعد الحوار الذي تم بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي عام 1972 عقب أزمة الصواريخ في كوبا و الاتفاق على خفض التسليح، قلت حدة الحرب الباردة بين البلدين. لم يعد هناك أسباب كافية للحكومة لكي تدعم مشاريع مكلفة كأبولو. قدمت ناسا العديد من النجاحات بعد الوصول للقمر، منذ محطة الفضاء الدولية وصولاً إلى رحلات استكشاف المريخ الروبوتية، لكنها لم تتلقى الدعم الكافي للعودة.
تحدث الكثير من رؤساء أمريكا عن نيتهم العودة إلى القمر، لكن “ليس الآن، بعد عقود” و لم يقدموا خطط حقيقية لذلك. كما ظهرت اهتمامات أخرى للحكومة قللت من دعمها لبرامج الفضاء، مثل الحرب على الإرهاب التي كلفت 5 تريلون دولار حتى الآن!. أعلنت ناسا عام 2005 عن مشروع “الكوكبة” أو “Constellation program” الذي كان هدفه العودة إلى القمر قبل عام 2020، لكن للأسف هذا لن يحدث بعد إلغاء البرنامج لعدم توفر الميزانية الكافية. رغم هذا استمرت ناسا بتطور البنية التحتية اللازمة لإطلاق مركبات مأهولة للفضاء، هذا تكلل بنجاح الإطلاق التجريبي لمركبة “أوريون” عام 2014. مرت 43 عام على رحلة أبولو الأخيرة، و لا نعلم متى سنعود للقمر.
المصدر: هنا