إنه مصرفٌ يُدعى (عُصفورٌ في اليد – bird in hand)، يبدوا أن تسمية المصرف بهذا الاسم خيارٌ حكيم بالنسبة إلى هذا الشاب الذي افتتحه في مجتمعٍ بدائي غير مطلع على المصطلحات الحديثة. ما يميز هذا المصرف عن غيره ليس اسمه فقط، إنما يميزه أيضا الزبائن الذين يقوم هذا المصرف بخدمتهم. كما أنه يتكون من فرعٍ وحيد يقع في الجنوب من ولاية بنسلفانيا الأمريكية ليقوم بخدمة مجتمع «الأميش»، وهم جماعة دينية تنظر بارتياب إلى التكنولوجيا الحديثة.
الأميش طائفة مسيحية تجديدية العماد تتبع الكنيسة المنونية. نشأت في العصور الوسطى، وهي فترة شهدت بروز حركاتٍ إصلاحية مسيحية كثيرة، منها الطائفة التي كانت تُعرف حينذاك باسم المسيحيين الجدد؛ الآنابابتيست التي يُعتبر الأميش جزءا منها. ويبلغ عدد الآميش حاليا زهاء 249.000، موزَّعِين على 22 مستوطنة في الولايات المتحدة وفي ولاية أونتاريو في كندا.
لقد عمل هذا المصرف بصورة رائعة من حيث أنه، ومنذ 2013، لم يتم شطب أي ديون. أحد مؤسسي هذا المصرف،بيل أوبراين Bill O’Brien، كان يُقرض المال للمزارعين منذ أن انتقل إلى هذا المكان قبل 26 سنة. العديد من المزارعين الأميش يعرفون رقم هاتفه ويقومون بالاتصال به مباشرة عندما ينوون التقدّم بطلب للحصول على قرض (علما بأن الهواتف ممنوعة داخل بيوت الأميش، لكن الهواتف العمومية يكن استخدامها للأعمال الضرورية).
الخسارة في هذا المصرف أمر نادر جدا لأن القروض الممنوحة في هذا المجتمع تكون مضمونة بشكل كبير. «الناس العاديون» بصورة عامة يطلبون هذه القروض لشراء الأراضي، والتي تكون في العادة ذات قيمة أكثر استقرارا من قيمة السيارات (علما بأن الأميش لا يستخدمون السيارات بالأصل لأنهم يعتبرونها غير آمنة). كما أن الأميش يميلون بصورة كبيرة إلى دفع مبلغ كبير من القرض دفعةً أولى قد يصل في بعض الأحيان إلى 20% أو أكثر، بالإضافة إلى أن المصاريف القليلة، مثل الماشية، في العادة تُدفع من المدخرات أو الاستعانة بالعائلة والأصدقاء.
مؤسس المصرف، أوبراين، كان يعمل مسؤولَ قروض في مصرف آخر، ولم يحصل معه أن خسر أي مال من القروض التي قدمها إلى الأميش سابقا، إلا مرة واحدة؛ وذلك خلال فترة الركود التي عززها الانهيار في وول ستريت – سوق الأسهم الامريكية -. ويشير مؤسس هذا المصرف إلى أن مفاهيم الأميش ومبادءهم تساعد كثيرا في دفع الأقساط في وقتها المحدد، كونهم يعتبرون عدم دفع الفواتير في وقتها المحدد كالسرقة. وبالطبع فإن السرقة محرمة في عقائدهم.
وكذلك إذا كان المقترض يواجه صعوبة، فهناك دائما مساعدة من المجتمع. في بعض الحالات يقوم المزارعون من أصحاب الخبرة بإقناع المقترض بأن مزرعته ليست صالحة، ويشجعونه على بيع المزرعة واستخدام العائدات لتسديد القرض. المقرِضون، مثل صاحب المصرف، في مثل هذه الحالات يتجنبون عمليات حبس الرهن أو حجز الخسارة، فهم بالأصل ربما ليس لديهم علم بأن المقترض يعاني من مشكلة مالية، كون المقترضين يسددون ما عليهم في كل الحالات.
إن القروض طويلة الأمد للزبائن الذين لا يتخلون أبدا عن التسديد تبدوا طريقا سهلا لجني المال، لكن هناك بعض التحديات التي تواجه مثل هذه العمليات المالية في مجتمع الأميش؛ منها أن معظم الأميش ليس لديهم تاريخ ائتماني، ولذلك فإن أوبراين يقوم بالسؤال عن تاريخ عائلة المقترض، فذلك يساعد أيضا في الاطلاع أكثر على طبيعة المقترض ومدى الملكية العائلية (المؤسساتية) التي يشترك فيها المقترض في هذا المجتمع . مثلا، يقوم المقرضون بالاطلاع على حجم الملكية المشتركة ومدى إمكانية استخدامها في عملية التأمين.
يبدو أن مصرف «عصفور في اليد» يمكن أن يستمر كمصرف مرتكز في عملية التأمين عند الأميش. حيث أن حجم الاصول التي يمتلكها المصرف تساوي 96 مليون دولار. قد يبدو مبلغا قليلا حتى بالمقارنة مع المصارف الصغيرة، لكن يبقى حجم التأمين لأي مصرف معتمِدا على مدى نوعية التأمين التي يقدمها.
في النهاية قد يكون مجتمعنا العربي متخلفا في نظامه المصرفي بحجم التخلف المصرفي عند الأميش، وقد تكون فكرة المصارف الصغيرة طريقا رائعا لجني المال ومنح القروض لدفع عجلة التنمية إلى الأمام. فهل يمكن أن تأخذ المصارف الصغيرة حيزا في بلداننا العربية، أم أن قوانين بلداننا تعرقل كل شيء بما فيها هذه الأفكار؟
أترك الإجابة لكم أعزائي آملا في أن تنورونا بآرائكم.
المصدر: هنا