رغم أنهما يُدرسان ويقدمان كعِلْمين منفصلَين، إلا أن المالية والاقتصاد علمَين مترابطين ويؤثران على بعضهما البعض. ويهتم المستثمرون أيضا بهذه الدراسات لأنها تؤثر على الأسواق بدرجة كبيرة. في هذا المقال سنلقي نظرة على المالية والاقتصاد وما يجب أن يعرفه المستثمرون، بالإضافه إلى الاختلاف بينهما.
• أولا: الاقتصاد
ما هو الاقتصاد؟
من دون الرجوع إلى التعاريف الأكاديمية الجامدة، فإن الاقتصاد عبارة عن علم اجتماعي يَدرس الإنتاج والاستهلاك وتوزيع السلع والخدمات، بقصد توضيح كيفية عمل الاقتصاد وكيفية تاثير هذه العوامل. ورغم اعتباره علما اجتماعيا، وغالبا ما يعامل فنًا إنسانيا، فالاقتصاد الحديث في الحقيقة كمي جدا ويعتمد على الرياضيات في تطبيقاته.
كيف يكون الاقتصاد مفيدا؟
عندما ينجح الاقتصاديون في فهم رَد فعل المنتجين والمستهلكين حول الظروف الاقتصادية المختلفة، فهنا يمكن للاقتصاد أن يرشد بشكل كبير ويؤثر في عملية صنع القرارات السياسية على المستوى الوطني. من جهة أخرى، هناك عواقب وخيمة جدا على استخدام الضرائب، والتنظيم، وكذلك الإنفاق الحكومي. يمكن للاقتصاد أن يقدم النصائح والتحليلات فيما يتعلق بهذه القرارات.
كذلك فإن الاقتصاد يمكن أن يساعد المستثمرين في فهم إمكانية تأثير السياسة الوطنية والأحداث على قطاع العمل. فهم الاقتصاد أيضا يعطي للمستثمرين الأدوات لتوقع حالة الاقتصاد الكلي، بالإضافة إلى فهم الآثار المترتبة على هذه التنبؤات على الشركات، والأسهم والأسواق … إلخ.
كما أن القدرة على التخطيط لسلسلة السياسات الحكومية حول النمو والتضخم في بلد ما، من المؤكد بأنها ستساعد المستثمرين في الأسهم والسندات على وضع أنفسهم في المكان المناسب.
الاقتصاد مهنةً
بالنسبة لأولئك الذين يتخذون الاقتصاد مهنةً؛ الأكاديميون على سبيل المثال، فهم ليسوا فقط أشخاصا يقضون أوقاتهم في تعليم الطلبة مبادئ الاقتصاد، وإنما يبحثون في هذا المجال ويقومون بصياغة النظريات والتوضيحات عن كيفية عمل الأسواق وكيفية تفاعل العملاء معها.
هناك أيضا مناشدة للاقتصاديين في الشركات العالمية، حيث أن اهتمام الاقتصاديين مباشر جدا وعلى المدى القريب. حيث أن غالبية الاقتصاديين يعملون لبنوك الاستثمار والخدمات الاستشارية وغيرها من الشركات التي تركز على تنبؤات النمو (الناتج المحلي الاجمالي مثلا) والتضخم … إلخ.
هذه المخرجات قد تمثل المنتجات في حد ذاتها (التي يمكن تسويقها للعملاء)، أو قد تكون مدخلا للمدراء وغيرهم من صناع القرار في الشركة.
الاقتصاد في الأسواق
المستثمرون لديهم تاريخ غريب مع الاقتصاديين، فهم يستمعون لما يقوله الاقتصاديون بعناية أحيانا، ولكنهم لا يبالون بما يقولونه في أحيان أخرى. أحيانا يتجنب بعض المستثمرين المخاوف التي يثيرها الاقتصاديون ويراكمون استثماراتهم في أحدث القطاعات التي تشهد ازدهارا، بينما يتابع آخرون بدقة مسارَ بيانات الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والعجز في توجيه قراراتهم في الاستثمار. نوعية سوق الاستثمار مهمة في هذا المجال، حيث أن المستثمرين في السندات يولون اهتماما أكبر إلى البيانات الاقتصادية مقارنة مع المستثمرين في سوق الأسهم.
• ثانيا: المالية
ما هي المالية؟
المالية في نواحٍ كثيرة هي فرع أو ثمرة من الاقتصاد، والعديد من الإنجازات البارزة في المالية (من وجهة النظر الأكاديمية على الأقل) أحرزها أشخاصٌ لهم خلفيات اقتصادية أو مناصب كأساتذة اقتصاد. تركز المالية عموما على دراسة الأسعار، ومعدلات الفائدة، والتدفقات المالية، والأسواق المالية. على نطاق أوسع، فإن المالية تبدو أكثر تخصصا في مفاهيم مثل: القيمة الزمنية للنقود، ومعدلات العائد، وتكلفة رأس المال، والتشكيلة المالية المثالية، والمخاطر الكمية.
كيف تكون المالية مفيدة؟
بينما يقدم الاقتصاد توضيحا بالغا بأن السعر العادل لأي عنصر هو ناتج من تقاطع العرض والطلب، والتكلفة الحدية والمنفعة الحدية على ذلك العنصر، والتي لا تكون مفيدة جدا في الممارسة الفعلية. يريد الناس رقما، حيث تكون مليارات الدولارات على المحك أثناء التسعير الصحيح للقروض والودائع والرواتب وأقساط التأمين وغيرها. هنا يأتي دور المالية في إرساء التفاهمات النظرية والنماذج الحقيقية التي تسمح بتقدير المخاطر وتقييم التدفقات النقدية المستقبلية.
كذلك فإن المالية توجه المديرين والمستثمرين إلي كيفية تقييم مقترحات الأعمال وأيها أكثر كفاءة عند تخصيص رأس المال. يفترض الاقتصاد في الأساس أن رأس المال يجب أن يُستثمَر بطريقة تنتج أفضل عائد محسوب المخاطر، والمالية هي ما يتكفل بهذه العملية.
المالية مهنةً
في بعض النواحي، شهادةٌ أو خلفية أكاديمية في المالية تفتح أبوابا أكثرَ وضوحا من صاحب الخلفية العلمية في مجال الاقتصاد. الشهادة في المالية هي القاسم المشترك بين العديد من أولئك الذين يسكنون في وول ستريت سواء كانوا محللين او مصرفيين أو مديري الأموال. على سبيل المثال، فالعديد من أولئك الذين يعملون في البنوك التجارية وشركات التامين وغيرها من مقدمي الخدمات المالية، لديهم خلفية جامعية في مجال المالية. وبغض النظر عن مجال المالية نفسه، فإن الشهادة في المالية يمكن أن تكون طريقا نحو الإدارة العليا في الشركات والمؤسسات.
المالية في الأسواق
على اعتبار أن المالية تحاول أن تتخصص في تقدير قيمة الأدوات المالية، فليس غريبا أن يكون واحدا من أكثر التطبيقات المالية انتشارا في الأسواق هو في تحديد القيمة العادلة لمجموعة واسعة من المنتجات الاستثمارية، مثل نماذج تسعير الأسهم ونماذج تسعير الأصول الرأسمالية، ونماذج الخيارات ، وأيضا مفاهيم السند مثل المدة الإجمالية للمشتقات المالية المتبعة في مجال الاستثمار.
تقدم المالية أيضا نظريات جديدة عن الطريقة الصحيحة لفعل الأشياء سواء، كان ذلك توزيعات الأرباح أو في سياسة الديون في الشركات أو في استراتيجية توزيع الأصول المناسبة على المستثمرين.
ويمكن القول أيضا بأن المالية تؤثر على الأسواق من خلال طرق ظهور المنتجات الجديدة. وعلى الرغم من أن العديد من المشتقات والمنتجات المالية السابقة قد اتصفت بالفشل في أعقاب الكساد المالي العظيم، لكن الحقيقة تظل بأن هذه الأدوات تم تصميمها لحل ومعالجة متطلبات السوق واحتياجاته.
الخاتمة:
المهم بالنسبة للمستثمرين لتجنب الجدل حول المالية والاقتصاد: أن كلاهما مهمان، وكذلك فإن لكليهما تطبيقات واستخدامات صالحة في نواحٍ كثيرة. يمثل الاقتصاد «الصورة الكبيرة» حيث يهتم بكيف يعمل (البلد، والمنطقة، والسوق) وأيضا يهتم بالسياسة العامة. بينما المالية متخصصة أكثر في كيفية تقييم وتسعير الشركة والمستثمرين للمخاطر والعوائد. تاريخيا، كان الاقتصاد نظريا أكثر، بينما كانت المالية تطبيقيةً، ولكن ذلك تغيّر خلال العشرين سنة الماضية.
من المهم أن نعلم أنه رغم تلاقي هذين التخصصين في بعض النواحي، يبدو أن الأكاديميين في المالية يحاولون إدخال المزيد من النظريات لعملهم ليظهروا أكثر دقة أكاديميا. وفي نفس الوقت، فإن هناك بعض التحركات في بعض المدارس الاقتصادية للاعتماد بشكل كبير على الرياضيات، لكي يكون الاقتصاد عمليا أكثر وقابلا للتطبيق في السياسة وعمليات صنع القرار اليومي.
المصدر: هنا