إن المزارعين البرازيليين هم أكثر عرضة للقيام بغزو أراضي بعضهم البعض لاسيما في السنوات التي يكون الجو فيها رطباً أو جافاً على نحو غير عادي. كما أن الأميركيين يطلقون أبواق سياراتهم بشدّة أكبر عندما يكون الجو حاراً في الخارج. وإن الدول التي تكون في المناطق الإستوائية هي أكثر عرضة للحروب الأهلية فيها في السنوات التي تصل فيها معدلات الرطوبة والجفاف إلى مستويات عالية.
قد تبدو لك مثل هذه الأمور أنها تحدث بشكل عشوائي، لكن في الواقع، إن هذه الأحداث مرتبطة جميعاً مع بعضها البعض. حيث كشف بحث جديد تم نشره في جامعة برنستون وجامعة كاليفورنيا في بيركلي في وجود صلة بين التحولات الكبيرة في المناخ وهطول الأمطار وارتفاع معدلات العنف بين الأشخاص وانهيار المؤسسات وزيادة العنف بين الجماعات، كالحروب على سبيل المثال. ليس هذا البحث مجرد ورقة تسلط الضوء على الصراعات العالمية التي حدثت في الماضي، وإنما تقدم تحذيراً لما سوف يحصل في المستقبل. فمن المتوقع أن تزداد درجة حرارة الأرض بمعدل درجتان “سليزية” في العقود القليلة القادمة مالم تقم الحكومات بعمل شيء يقلل من زيادة هذا الأمر. كما أن الباحثين يقولون إن زيادة سفك الدماء سوف يكون له آثار جانبية شديدة في ذلك الإتجاه. جمع الباحثون في هذه الدراسة تحليلات لأكثر من ٦٠ دراسة، يحتوي البعض منها على بيانات يعود تاريخها لأكثر من ١٠٠٠٠ عام قبل الميلاد، ووجد الباحثون أن درجة الحرارة تزيد الانحراف المعياري بمقدار درجة واحدة عن المتوسط، والذي يعادل تقريباً معدلات الحرارة في إحدى مقاطعات أميركا بنسبة (٥ درجة فهرنهايت) في شهر معين. مع ارتفاع معدلات حالات العنف بين الأشخاص بنسبة ٤٪، وارتفاع نسبة العنف والاقتتال بين الجماعات بنسبة ١٤٪. فإن النتائج تمس تقريباً كل مناطق العالم وتنطبق على فترتي الارتفاع والانخفاض في درجات الحرارة.
حتى إن انهيار حضارة المايا والتحولات الكبرى في الصين القديمة كان قد سبقها موجة من الجفاف والطقس الحاد. وخلال العصر الجليدي الصغير الذي بدأ بحوالي ١٥٥٠ ، كانت الدول الأوروبية أكثر عرضة للإنجراف في حروب أهلية مع بعضها البعض. أخبرني “سالامون هسيانج”، أستاذ السياسة العامة في جامعة (برينستون) وأحد المشاركين في تأليف هذا البحث، أن فريقه كان يعمل على اكتشاف أن الصراعات مرتبطة بالتغيرات المناخية، فهم لايعرفون حتى الآن السبب في كون التغير في درجات الحرارة يجعلنا راغبين بالتحارب مع بعضنا البعض. والأهم من ذلك، أنهم لم يقولوا إن التغير في المناخ هو السبب الرئيسي والوحيد في زيادة العنف. ويقول لي: “أننا تقريباً في نفس الموقف الذي تعرض له الأطباء الباحثون في سنة ١٩٣٠” ويضيف: ” إن التدخين كان السبب الرئيسي المباشر في سرطان الرئة إلا اأهم لم يفهموا هذا الإرتباط إلا بعد عقود مضت. “بإمكاننا تقديم عدة نظريات لتفسير ذلك، فالتغير المناخي يؤدي إلى الهجرة، كما أن التحركات السكانية الكبيرة تزيد من حدّة المواجهات والمعارك بين الناس من أجل موارد الأرض.” أظهرت دراسات أخرى إن ارتفاع درجات الحرارة تجعلنا أكثر عدائية من الناحية النفسية. كما إن التغيرات البيئية قد تسبب انخفاضاً في معدلات إنتاجية العمل. وهو ماحدث عندما تكلما في مثالنا السابق عن الحرب الأهلية في المناطق الاستوائية، فهناك القليل من المزارعين العاملين في فترات الجفاف، بالتالي هناك زيادة طردية في عدد الناس العاطلين عن العمل، فإذا كنت تبحث عن جيش للإطاحة بالحكومة، فمن السهل حدوث ذلك عندما يكون هناك الكثير من الخمول بين المزارعين. وقد أظهرت بعض الدراسات ذات الصلة بأن النزاعات المسلحة قد انخفضت عالمياً في الخمسين عاماً الماضية بالرغم من إن العالم قد شهد ارتفاعاً في معدلات الحرارة طوال الوقت. يشير “هسيانج” هنا أن من المهم التذكير بأنه يتطلع إلى معرفة ما قد حدث في الفترات التي لم تشهد تغيّراً في المناخ خلال تلك العقود. والجواب كما يقول هو أن معدلات الصراع قد انخفضت بشكل أسرع. يقول هسيانج: “بتسليط الضوء على بلد واحد في وقت واحد، فكل مانفعله هو المقارنة بين سكان البلد نفسه من حيث استجاباتهم للتغييرات البيئية.”
ماذا يعني هذا الكلام في الوقت الحاضر؟ إن هذه الدراسة هي واحدة من الدراسات القليلة التي تشير إلى تغير المناخ المحتمل وتأثيره على المجتمع البشري، بالإضافة إلى أشياء أخرى كذوبان القمم الجليدية وارتفاع منسوب مستويات البحر. كما يساعدنا في التفكير بمدى قدرتنا على تخفيف ظاهرة الإحتباس الحراري. أضف إلى ذلك “سلامة أقل” لجميع الآثار البيئية التي تتعرض للإحتباس الحراري. إن مثل هذه الأمور قد تغيّر من حساباتنا بشكل كبير
المصدر: هنا