بقلم: أكي بيريتس
تستخدم الدولة الإسلامية جميع أنواع التمويل لتقوية امبراطوريتها الإرهابية – من خلال تهريب النفط وفرض الضرائب على السكان المحليين ونهب الكنوز الأثرية وفرض الفدية على الرهائن، ولكن هناك مصدر رئيسي للدخل والذي غالباً لا يتم ذكره: وهو الأموال المخصصة لموظفين الخدمة المدنية العراقية.
…
هناك على الأقل خمسة ملايين شخص موظفين من قبل الحكومة العراقية، وأنه من المعقول أن نفترض ان جزءاً كبيراً من ميزانية العراق لعام 2015 والبالغ قيمتها 102 مليار دولار سوف تكون مُلزمة بدفع رواتب ومخصصات التقاعد للموظفين. ومازال عشرات الآلاف من العاملين في الحكومة يقبضون رواتبهم من بغداد على الرغم من أنهم يعيشون ويعملون في المدن التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية والمعروفة أيضاً باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». يشمل هؤلاء الاطباء والمعلمين والممرضين والصيادلة وجميع عُمال البلدية.
وعلى الرغم من الإنقسام القائم في البلد، فأن غالبية هؤلاء الموظفين الذين يعملون في الحكومة العراقية مازالوا يمارسون أعمالهم تماماً كما كانوا يفعلون من قبل. ووفقاً لصحيفة عربية متمركزة في لندن «صحيفة الشرق الأوسط» فأن العاملين في دوائر الكهرباء والمياه في مدينة الفلوجة المُسيطر عليها من قبل الدولة الإسلامية يذهبون إلى وظائفهم من دون تدخل ومضايقة من قبل حُكامهم الجُدُد (تنظيم الددولة الاسلامية).
ولا يزال موظفي الحكومة بحاجة إلى أن يُدفع لهم. فعلى سبيل المثال، توفر بغداد نحو 130 مليون دولار شهرياً لكي تدفع كلها لجميع العاملين في الموصل وفقاً لرئيس اللجنة المالية في مجلس محافظة نينوى والذي اضطر إلى الفرار عندما تولت الدولة الإسلامية زمام الأمور. وتشير تقديراتنا إلى أن الخزينة العراقية قد دفعت نحو مليار دولار إلى هؤلاء العاملين منذ سقوط المدينة في يونيو حزيران الماضي.
لقد أُغلق النظام المالي الرسمي منذ أن استولت المليشيات الجهادية على البنوك هناك، لذلك يتم إرسال مبعوثين من الدوائر إلى الأراضي المسيطر عليها من قبل الحكومة العراقية أو الاقليم الكردي. حيث يقوم هؤلاء المبعوثين بجمع الرواتب المالية والعودة إلى الموصل لصرفها.
وقد أصبح هذا الأمر إجراء روتيني اعتيادي بالنسبة للأفراد الموثوق بهم في بعض الأماكن، حتى على الخطوط الأمامية. وفي إشارة إلى مثل هذه الممارسات، يقول ضابط عراقي مسؤول عن نقطة تفتيش خارج الفلوجة وكملاحظة شخصية من قبله مؤخرا «هناك نوع من التعايش الغريب بين داعش والسلطات الحكومية».
من الواضح، أن الدولة الإسلامية تحصل على دخل كبير بواسطة قشط قمة المتاجرة بالأموال النقدية. ووفقاً لتقديرات أحد الباحثين، تُصادر الدولة الإسلامية ما تصل نسبته إلى 50% من رواتب الموظفين. وبطبيعة الحال فأن التنظيم يُراقب توزيع الأموال في أحد احياء الموصل، فعلى سبيل المثال، يتم تعيين حارس من قبلهم لكي ينتظر عودة الأفراد الموثوق بهم والذين تسلموا أموال الرواتب، وظيفة هذا الحارس هي أخذ أيّة مبالغ نقدية لم يُطالب أحد بها “رواتب اولئك الناس الذين لم يأتوا لاستلام الراتب“
لماذا تستمر بغداد بالعمل بهذا النظام؟ بعد كل شيء، فإن معظم العاملين في الحكومة من الشيعة او من غير السنة والذين يقيمون في المناطق التي تُسيطر عليها الدولة الإسلامية إما أنهم قتلوا أو أجبروا على الفرار، تاركين ورائهم الموظفين السنة فقط، وقد يكون بعضهم في الواقع مُتعاطفاً مع هؤلاء المتشددين.
هناك مبرر إنساني، لأن هذه الرواتب تساعد الناس في البقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء، ولكن يدّعي العراق أيضاً أنه يحتاج إلى إظهار نيته في عدم تخليه عن موظفيه المدنيين. ولكن هذه الحجة تسقط عندما نأخذ بعين الاعتبار موقف الحكومة العراقية تجاه الموظفين الأكراد عندما جعلتهم يمضون عاماً كاملاً بدون رواتب بسبب خلافات النفط والذي قاد بغداد إلى تجميد تمويل حكومة إقليم كردستان.
قد يكون هناك أيضاً تفسيراً ثقافياً أعمق مُضمّن في الدولة العراقية. وعلى الرغم من الاضطرابات على مدى الجيل الماضي، والعقلية الإشتراكية لحزب البعث التي تنص على أن وظيفة الحكومة هي وظيفة لحماية الحياة فلايزال هذا الأمر متأصلاً بعمق في المجتمع العراقي. أن تقطع الحكومة الرواتب عن موظفيها هو بمثابة لعنة على أخلاقيات وروح الجماعة. الجمود البيروقراطي هو قوة قوية.
مع ذلك تُنفق بغداد جزء لا بأس به من ميزانيتها للحفاظ على نظامها المتهالك واقفاً على قدميه والمستفيد من ذلك هو عدوها المخيف. فإلى جانب توفير الأموال النقدية للدولة الإسلامية، تُتيح سياسات الحكومة في بغداد أيضاً للمستشفيات في المناطق المحتلة أن تبقى مفتوحة (وان كانت محرومة من الإمدادات الطبية)، على الرغم من أن هذه المستشفيات تخدم المقاتلين الجهاديين في المقام الأول.
هناك عدد من الخطوات التي يمكن للحكومة العراقية أن تتخذها لتضييق الخناق على هذه الأموال. لأن قطع الرواتب عن الآلاف من المدنيين من شأنه أن يسبب معاناة بالغة على الفور، خصوصاً وأن الوقود المستخدم للتدفئة يعتبر نقص مُلح الآن. لكن هناك إجراء واحد يُمكن للحكومة العراقية أن تتخذه وهو وضع هذه الرواتب في حسابات الضمان، حيث يُدفع الراتب للموظف عندما يتم التأكد بأنه قد هرَبَ بشكل دائم من أراضي الدولة الإسلامية.
وثمة تدبير آخر وهو أن يُلزم كل فرد بأن يستلم راتبه شخصياً من الحكومة العراقية. هذا من شأنه أن يثير الفوضى في مصادر دخل الدولة الإسلامية. وهناك أسلوب آخر يتمثل في إقناع القبائل السنية للمطالبة من داعش بتقليل حصتها، مما يسبب إنشقاقاً داخل أراضي الدولة الإسلامية.
كل هذه السياسات هي مخاطرة وتسبب مصاعب جسيمة لمعظم الناس الابرياء الذين وقعوا في موقف رهيب بالفعل. الحل الحقيقي، بطبيعة الحال، هو انتزاع تلك المدن والبلدات من سيطرة الدولة الإسلامية.
خنق الموارد المالية لتنظيم الدولة الإسلامية هي واحدة من الطرق التي يُمكن ان تحلل هذه الجماعة وتُدمرها في نهاية المطاف. وتتصارع المنظمة الجهادية بالفعل مع إنخفاض أسعار النفط، وهناك الكثير من الأموال التي يُمكن لهذه الجماعة إبتزازها من السكان المحليين، مما يجعل أمر وقف نهر الأموال المتدفقة من الحكومة العراقية الى الموظفين والمتقاعدين الموجودين في المناطق المُسيطر عليها من قبل الدولة الإسلامية أمراً أكثر أهمية. أنه وضع لا يمكن تحمله سياسياً ويجب أن يتم إيقافه بطريقة أو بآخرى.
نبذة عن الكاتب: أكي بيريتس هو محلل سابق في وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب والمؤلف المُشارك لكتاب “Find, Fix, Finish” وقد شارك في حملة مكافحة الإرهاب التي قتلت أسامة بن لادن ودمرت القاعدة.
المصدر: هنا