المُلخَّص: نجح العلماء في اكتشاف إحدى السُلالات القديمة للإنسان الحديث؛ من خلال تتبع جيناتِ سكانِ قبائلِ «الخُويْسان» الجنوب أفريقية. هذه هي المرة الأولى التي يتمُ فيها تحليل تاريخ الشعوب البشرية ومطابقته مع ظروف الأرض المناخية على مدى الـ200,000 سنة الماضية.
—
[صورة لصائد من مُجتمع قبائل الخويسان في جنوب افريقيا]
نجح علماءٌ في كُلٍ من جامعة نيانغ التكنولوجية (NTU) وجامعة ولاية بنسلفانيا (Penn State University) في اكتشاف إحدى السلالات القديمة للإنسان الحديث من خلال تسلسل الجينات.
قاد البروفيسور وعالم الجينات ستيفان كريستوف شوستر (Stephan Christoph Schuster) – يعمل في جامعة نيانغ التكنولوجية – فريقاً عالمياً من سنغافورة والولايات المتحدة والبرازيل، ويُعبِّر عن ذلك قائلاً: «إنها المرة الأولى التي يتم فيها تحليل تاريخ الجماعات البشرية لتتناسب مع ظروف الأرض المناخية على مدى الـ200,000 سنة الماضية». وقد نُشر إنجازهم البحثي هذا في يوم 4 ديسمبر في مجلة (Nature Communications).
تسلسلَ الفريقُ بجينوماتٍ لخمسةِ أفرادٍ من الصائدين/الجامِعِين؛ الساكنين في جنوب أفريقيا, وقورنت مع 420,000 تنوعٍ جينيٍّ عبر1,462 جينوماً من 48 جماعةٍ إثنيةٍ مُنتشرة حول العالم.
وعبر تحليلٍ حسابيٍّ مُتقدم؛ وجد الفريقُ أن سكان قبائل «الخُويْسان» الجنوب أفريقية ليست مُتمايزة جينياً فقط مع الأوربين والآسيوين؛ بل مع جميع الأفارقة الآخرين.
«الخويسان»: هو اصطلاح يطلقه علماء الأنثروبولوجيا على تجمع قبيلتي الخوي خوي (هوتنيتوت) والسان (بوشمن)، ويسكن أفراد هاتيْن القبيلتين جنوب أفريقيا، في بوتسوانا تحديداً، ولذا اشتق الاسم من الخوي والسان ليصبح الـ«خويسان». [من المترجم]
وجد الفريق كذلك أن هؤلاء الأفراد الخُويْسانيِّين لم يكن لأجدادهم أي اختلاطٍ مع الإثنيات الأخرى منذ 150,000 عام، وكانت «الخويسان» جماعة كبيرة من البشر الذين يعيشون – على الأغلب – منذ وقتٍ يمتد إلى حوالي 20,000 سنة مضت.
تُشير بحوث العلماء هذه إلى إمكانية استخدام التسلسل الجيني من أجل إظهار النسب القديم لأي مجموعة إثنية؛ حتى ولو كان قبل 200,000 سنة ماضية، هذا إذا تم العثور على أفرادٍ غير مُهجنين؛ ومُشابهين لحالة «الخويسان». وسوف يظهر هذا البحث تأريخاً من التغييرات الجينية المُهمة حينما حدثت تناسلاتٍ قديمة؛ بسبب زيجاتٍ مُختلفة أو هجراتٍ جغرافية حصلت قبل عصورٍ عديدة.
يقول البروفيسور شوستر (Schuster)؛ عالمُ جامعة نيانغ التكنولوجية في مركز سنغافورة لعلوم الحياة البيئية الهندسية والأستاذ السابق في جامعة ولاية بينسلفانيا: «كان يُنظَردائماً إلى الخويسان الصائدين/الجامعين على أنهم أقدم البشريين».
كما قال: «أثبتت الدراسة أنهم يعودون بالفعل إلى إحدى أقدم السلالات البشرية القديمة، وتم الحصول على تسلسلاتٍ جينيةٍ عالية الجودة من رجال القبائل، والتي من شأنها أن تساعدنا في فهمٍ أفضل لتاريخ الجماعات البشرية، ولا سيما الاختصاص الذي يندرج تحت عنوان «النوع البشري»، ومن أمثلتها هذه الحالة؛ الخويسان».
وأضاف: «كذلك سوف تُمكِّن البياناتُ الحديثةُ التي جُمعت العلماءَ من فهمٍ أفضل للكيفية التي قد تطور بها الجينوم البشري، آملين أن يقودهم هذا العمل إلى الكثير من الآثار العلمية؛ مثل طرق علاج الأمراض بالإضافة إلى عللٍ جينيةٍ معينة».
وتم العثور على فرديْن من أصل خمسة من رجال قبائلٍ كانوا بمنزلة أعضاءٍ قدماءٍ في قبيلة جو-هاونسي (the Ju/’hoansi) والقبائل الأخرى التي تعيش في المقاطعة المحمية لشمال غرب نامبيا، حيث أن جينوم هؤلاء الفردّيْن لم يختلط مع الإثنيات الأخرى.
كان قد ذاع صيت قبيلة الـ«جو- هاونسي» في الثمانينات والتسعينات بواسطة شباك التذاكر في سلسلة أفلام (The Gods Must Be Crazy)، وكانت الشخصية الرئيسية لهذه السلسلة رجلَ القبيلةِ الصائد الجامع، والذي لعب دوره (إنزاو) البوشماني.
ويتابع الدكتور هاي ليم كيم (Dr Hie Lim Kim)؛ الباحث الأول في هذه الدراسة والباحث الأقدم الذي تم اختياره؛ قائلاً: «من المفاجئ أن تلك المجموعة لم تتزاوج أبداً مع جيرانٍ غير خويْسانيين لآلآف من السنين». ويعود هذا إلى أن أفراد «الخويسان» وبقية البشرية الحديثة يشتركون في سلفٍ مشتركٍ منذ حوالي 150,000 سنة ماضية.
ويبدو أن التقاليد والثقافة الحالية «للخويسان» ممتدة منذ فترة طويلة، حيث تحصل الزيجات فيما بين الجماعات الخويسانية؛ أو نتاج زيجة مع نساءٍ ترَكْن قبائلهن بعد زواجهن من رجالٍ غير خويسانيين.
ويُضيف الدكتور (كيم): «النتيجة الرئيسية في هذا البحث؛ أنه حتى اليوم وبعد 150,000 سنة؛ يمكن تشخيص أشخاص غير مُختلطين – أو المنحدرين من هؤلاء الذين لم يتهجنوا – من جماعاتٍ منفصلة ضمن سكان (جو-هاونسي)، وهذا يعني أن هناك أفراداً مميزون أكثر في أجزاء أخرى من العالم».
كان رجال قبائل «الخويسان» المُشاركين في هذه الدراسة جزءً من دراسةٍ لتسلسات جينية؛ في دراسة سابقة لنفس هذا الفريق. وقد أنتجت الدراسة الجديدة تسلسلاً جينياً متكاملاً وعاليَ الكفاءة، مما مكّنَهم من تحليل الاختلاط، بالإضافة إلى معرفة تاريخ السكان. وسوف يسمحُ توافر مثل هذه الجينومات الجنوب أفريقية – العالية الكفاءة – باستقصاءٍ آخرٍ لتاريخ السُّكان، ودراسةٍ واسعةٍ للاختصاص الذي يندرج تحت عنوان «النوع البشري»؛ وبدرجةٍ عاليةٍ من الصحة.
تم ترأُّس وقيادة هذا البحث بواسطة ستِّ مُحققين من جامعة نيانغ وجامعة ولاية بينسلفانيا، كما شاركت معاهدٌ أخرى مثل جامعة ولاية أوهايو وجامعة ساو باولو البرازيلية.
وأضاف البروفيسور (شوستر) قائلاً: «سنمضي قدُماً، سوف نبحث عن أفرادٍ غير مُهجنين في بقية أنحاء العالم، مثل جنوب أسيا وجنوب أمريكا، حيث لا يزال هنالك قبائلٌ غير متواصلة مع بعضها. كما أن الفريق سوف يسعى إلى أبحاثٍ أكثر من شأنها أن تعود بتأثيرٍ قويٍّ على الدراسات العلمية المستقبيلة».
المصدر:من هنا