تقديم: شانون ستيرون وكينيث شانغ و دينيز اوفرباي
لموقع: ذا نيويورك تايمز
بتاريخ: 14/9/2020
ترجمة: رهام بصمه جي
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: حسن عبدالأمير
يمكن لاكتشاف غاز في الغلاف الجوي للكوكب أن يحول أنظار العلماء لكوكب طالما تم استبعاده أثناء البحث عن حياة خارج الأرض.
اكتشف علماء الفلك على كوكب الزهرة ذو الغلاف الجوي شديد السمّية إشارة لربما دلت على وجود حياة عليه, وإذا ما تم تأكيد هذا الاكتشاف عن طريق المراقبة الإضافية بالتلسكوب والبعثات الفضائية المستقبلية ستتحول أنظار العلماء الى أكثر العناصر اللماعة من سماء كوكب الأرض ليلاً.
تم تسمية كوكب الزهرة نسبة إلى آلهة الجمال عند الرومان، وتبلغ درجة حرارته مئات الدرجات تحيطه سحب تحوي على قطرات من حامض الكبريتيك. وقلة هم الذين ركزوا على هذا الكوكب الصخري كموطن لشيء حي، حيث سعى العلماء لعقود في البحث عن حياة في أماكن أخرى معظمها في كوكب المريخ، وحديثاً في قمر انسيلادوس, أو في الأقمار الثلجية للكواكب العملاقة.
لم يقم علماء الفلك الذين أبلغوا عن اكتشفاهم يوم الاثنين في ورقتين بجمع عينات من المكروبات الموجودة على كوكب الزهرة، أو بالتقاط أي صورة لها, ولكن تم الكشف عن مادة كيميائية تدعى(الفوسفين) في الغلاف الجوي الكثيف لكوكب الزهرة عن طريق التلسكوبات العملاقة, وبعد الكثير من التحليلات أكد العلماء أن التفسير الوحيد لمصدر هذه المادة الكيميائية هي شيء ما على قيد الحياة.
بعد التشكيك بهذه الفرضية من قبل عدة علماء قام البعض باقتراح إمكانية نشوء الغاز بشكل تلقائي في الغلاف الجوي عن طريق العمليات الجيولوجية على كوكب لا يزال غامضاً. ولكن سيدفع هذا الاكتشاف بعض علماء الكواكب على التساؤل عن أسباب تجاهل البشرية لكوكب لربما كان يوماً ما أكثر تشابهاً بالأرض من أي شيء آخر في المجموعة الشمسية.
قالت سارة سيغر عالمة الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلفة لمجموعة أبحاث أحدها نشر في Nature Astronomy وآخر قدم إلى مجلة Astrobiology : ( إنه اكتشاف مذهل ومفاجئ, وسيؤدي حتماً إلى مزيد من الأبحاث حول إمكانية وجود حياة على الغلاف الجوي للزهرة.)
قالت كلارا سوساسيلفا عالمة الفيزياء الفلكية الجزيئية في جامعة هارفرد والتي ركزت في أبحاثها على الفوسفين 🙁 نعلم أنه اكتشاف استثنائي، ولكن لا نعرف مدى غرابته حتى نزور الكوكب.)
وقالت سارة ستيوارت جونسون عالمة الكواكب ورئيسة مختبر Johnson Biosignatures في جامعة جورج تاون مشيرة إلى البحث عن حيوات في المدارات حول النجوم: (هنالك الكثير من الجدل حول غاز الفوسفين كغاز ناتج عن العمليات الحيوية في الفضاء, من المدهش أن نجده على كوكب الزهرة.)
وأضافت قائلة 🙁 من العار على ناسا أن تتجاهل كوكب الزهرة كل هذه الفترة.)
قال دايفيد غرينسبون من معهد علوم الكواكب في توسكون في أريز الذي رجح لفترة طويلة احتمالية وجود حياة في الغيوم المحيطة بكوكب الزهرة رغم أنه ليس جزءً من العمل 🙁 هذا مثير للغاية! يجب الاستمرار في البحث, قد يكون هذا أول رصد دال على وجود محيط حيوي فضائي يقع في أقرب نقطة إلى كوكب في الكون بأسره.)
غرد جيم برايدنستن مدير ناسا عبر تويتر تعقيبًا على هذا الاكتشاف 🙁 حان الوقت لنعطي كوكب الزهرة الأولوية.)
يعد كوكب الزهرة واحداً من أجمل النجوم التي تُرى من سماء الأرض ويصبح أقل جمالاً كلما اقتربنا إليه. ويدعى بتوأم الأرض فكتلة الزهرة مماثلة لكتلة الأرض. اعتقد عدة علماء أن كوكب الزهرة كان مغطى بالمياه ومحاطاً بغلاف جوي قابل لوجود حياة عليه.
لم تكن الأرض في بداية نشأة المجموعة الشمسية مكاناً قابلاً للعيش كما هي الآن وكانت خالية من أي محيط حيوي، حتى الأوكسجين تَشَكل في وقت لاحق، ومثلما تحولت الأرض بمرور الوقت إلى موطن لقناديل البحر والسراخس والديناصورات، وصولاً إلى الانسان البدائي تحول كوكب الزهرة إلى شيء يشبه الجحيم.
يحوي الزهرة اليوم _ثاني كوكب من الشمس_ غلافاً جوياً مليئاً بغاز ثاني أكسيد الكربون، وتبلغ درجة حرارة سطحه أكثر من 800 درجة فهرنهايت.
تولد كثافة المحيط الجوي للكوكب ضغطاً يقدر بأكثر من 1300 رطل على أي شيء موجود على سطحه في كل إنش مربع وهذا أكثر ب 90 مرة من الضغط على سطح بحر الأرض والذي يبلغ 14.7 رطل في الانش المربع ومساوية للضغط عند عمق 3000 قدم تحت سطح الماء في المحيطات.
وهو ما جعله مكاناً يصعب زيارته والبحث فيه, وهذا لم يعني عدم المحاولة حيث قامت أنظمة الفضاء بإرسال عشرات المهام الآلية الروبوتية إلى كوكب الزهرة معظمها من سلسلة Venera التابعة للاتحاد السوفيتي, ولكن الكوكب كان يسحق ويذيب المعادن بغضون دقائق, ويحطم المركبات الفضائية التي تحاول الهبوط عليه ومن بين كل هذه المحاولات لم تنجح سوى محاولتين اثنتين في التقاط صورة مباشرة لسطح الكوكب.
فبينما يحاط كوكب المريخ حالياً بعدة مركبات فضائية ومسابير طوافة من ناسا, يقوم بدراسة الزهرة مسبار واحد فقط وهو مركبة اكاتوسوكي اليابانية, فالبعثات المستقبلية لكوكب الزهرة ما زالت مجرد أفكار.
افترض بعض علماء الفلك من ضمنهم كارل ساغان وهارولد مورويتز اللذان تبنيا فكرة وجود حياة على كوكب الزهرة منذ 53 سنة مضت أنه بالرغم من درجة حرارة سطح الكوكب المساوية لحرارة فرن صهر إلا أنه قد تنخفض درجة الحرارة في الطبقة السحابية التي تقع على بعد 31 ميل تحت غلافه الجوي لتصل إلى 86 درجة فهرنهايت، وأن الضغط هناك مشابه لضغط سطح الأرض.
استخدمت جين كريايف عالمة الفلك في جامعة كارديف في ويلز لإثبات صحة الفرضية تلسكوب جيمس كليرك ماكسويل في تموز 2017 في هاواي باحثةً عن إشارات لمختلف الجزيئات الموجودة في الكوكب. حيث ستقوم أنواع مختلفة من الجزيئات بامتصاص أمواج الراديو التي اخترقت السحب بأطوال مختلفة ومميزة ولم يكن متوقعاً أن الفوسفين من ضمن المواد الكيميائية المكتشفة.
حيث علقت على ذلك قائلةً:( انتابني الارتياب من فكرة وجود الفوسفين, لأن وجود الفوسفور قد يدل على وجود حياة.)
شبه علماء الكيمياء الفوسفين بالأهرامات. ذرة واحدة من الفوسفور تتوسط ثلاث ذرات من الهيدروجين. وقد تم اكتشاف ذلك من قبل المركبة الفضائية كاسيني التابعة لناسا على الغلاف الجوي لكوكبي المشتري وزحل. وبخصوص ذلك علقت الدكتورة سوساسيلفا أنه ليس من الضروري أن يكون سبب وجود الفوسفين وجود حياة فيمكن للحرارة والضغط الشديدين أن تربك ذرات الهيدروجين والفوسفور وتحولهم إلى جزيء.
ولكن على نطاق الكواكب الصخرية الأصغر مثل الزهرة والأرض لا يوجد طاقة كافية لإنتاج كميات كبيرة من الفوسفين بتلك الطريقة. فالاحتمال الوحيد لإنتاجه بهذا الكم هو وجود حياة لاهوائية أو كائنات ميكروبية لا تحتاج أو لا تستخدم الأوكسجين.
قالت الدكتورة سوساسيلفا التي درست الغاز لفترة طويلة بخصوص هذه العوالم: (على حد علمنا أن وجود الحياة هو السبب الوحيد لصنع الفوسفين.) مستندةً على النظرية التي تقول بأن انبعاث الغاز من الكواكب الصخرية التي تدور حول النجوم البعيدة يمكن أن يدل على وجود حياة في مكان آخر في مجرة درب التبانة.
يتواجد غاز الفوسفين على كوكب الأرض في أمعائنا، وفي براز حيوان الغرير وطائر البطريق، وبعض ديدان أعماق البحار، وفي بعض البيئات البيولوجية حيث الكائنات اللاهوائية. ويعتبر غاز شديد السمية يتم استخدامه من قبل الجيوش في الحروب الكيميائية وكأداة للتبخير في المزارع. وقد استعان به والتر وايت الشخصية الرئيسية في المسلسل التلفزيوني بريكنغ باد Breaking Bad لقتل اثنين من الخصوم . ولكن لم يتوصل العلماء بعد إلى آلية صنعه من قبل الميكروبات الأرضية.
قال ماثيو باسك عالم الجيولوجيا في جامعة جنوب فلوريدا في تامبا :(لا نعرف بالتحديد من أين يأتي أو كيف يتشكل شيء كهذا، لقد تمت ملاحظة ارتباط وجوده بوجود الميكروبات ولكن لم نرى من قبل ميكروب يقوم بصنعه، إنه فرق بسيط ولكنه مهم.)
عبرت الدكتورة سوساسيلفا عن تفاجأها بتصريح الدكتورة كريافس باكتشاف الفوسفين 🙁 في تلك اللحظة تداخلت الأمور علي كثيراً، وقد استغرق الأمر بضع دقائق لأستطيع فهم ما يحدث، ما تم اكتشافه مكانياً يتماشى بشكل منطقي تماماً مع ما نعرفه ديناميكياً.)
لا يوجد تفسير واضح آخر لوجود الفوسفين في كوكب الزهرة على حد قولها سوى وجود حياة لاهوائية هناك.
اضطر فريق العلماء إلى الاستعانة بتلسكوب أقوى فاستخدموا منظومة أتاكاما الميلي مترية كبيرة الحجم في شيلي في آذار عام 2019. وجميع الإشارات كانت تدل على وجود الفوسفين يتراوح مداها بين 5 إلى 20 جزءاً من مليار وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تبدو صغيرة إلا أنها أكبر بآلاف المرات من ما هو متواجد على الغلاف الجوي للأرض.
وضعت الدكتورة سوساسيلفا والدكتورة كريفاس بالاشتراك مع عدة زملاء خطة لاستكمال مراقبة إضافية بالتلسكوب في وقت سابق من هذا العام إلا أن انتشار وباء كورونا ووقوع كوكب الزهرة في هذا الوقت فوق خط الأفق حد من قدرتهم على جمع المزيد من الأدلة تاركين العديد من الأسئلة بدون اجابات واضحة.
قال بول بيرن عالم الكواكب في جامعة ولاية شمال كارولينا والذي لم يكن مشاركاً في البحث :(يعد هذا الاكتشاف بحد ذاته مذهلاً, بالرغم من أني متشكك من وجود حياة على الزهرة ولكن ليس لدي تفسير أفضل لسبب وجوده.)
قضى العلماء سنة كاملة في محاولة انشاء بيئة تحاكي بيئة كوكب الزهرة بالاستعانة ببرامج الحاسوب لاختبار التفسيرات المختلفة المحتملة لمصدر الفوسفين ووجوده بوفره.
قال ويلم باينس عالم الكيمياء الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد المؤلفين المشاركين للأوراق:( يقوم الضوء بتفكيك مركب الفوسفين باستمرار, مما كان يجبرنا على تجديده باستمرار.)
وفقاً لنموذج الباحثين, فإن النشاط البركاني والبرق على كوكب الزهرة غير كافيين لتوليد المزيد من غاز الفوسفين الذي يتفكك باستمرار ولكن يمكن أن تنبعث هذه الكمية من الغاز من الكائنات الحية.
قال باينس:(ما قمنا بفعله هو استبعاد جميع المصادر الأخرى للفوسفين دون الحياة)
اعترض علماء فلك آخرون على كيفية استبعاد الكائنات ذات الأصل غير البيولوجي.
قال جيرلد جويس عالم الأحياء في معهد سالك في كاليفورنيا عبر البريد الالكتروني الذي قام بتجربة خلق حياة في المختبر :(بالرغم من التكهنات السابقة – معظمها من ذات المؤلفين – من الصعب اتخاذه على أساس توقيع حيوي.) وقد لاحظ عالم الأحياء أن الباحثون قد دوّنوا في أوراقهم الخاصة “إن اكتشاف الفوسفين ليس دليلاً قوياً على وجود حياة, فقط بالنسبة للكيمياء الشاذة وغير المفسرة.”
كما أدلى جيمس كاستينغ عالم الجيولوجيا والخبير في قابلية العيش على الكواكب في جامعة ولاية بنسلفانيا بتحذير مشابه قائلاً :(تركيبة الغلاف الجوي للنموذج الذي يعرضونه غير مكتملة في أحسن الأحوال.)
يتبع هذا الاكتشاف تاريخ من الاكتشافات في أماكن أخرى لغازات من الممكن أن تكون ناتجة من وجود حياة, مثل اكتشاف فقاعات الميثان وغاز الأوكسجين على كوكب المريخ التي يمكن أن ينتج عن تفاعلات كيميائية من غير وجود حياة على الاطلاق. تعد اكتشافات مثل هذه مثيرة للاهتمام ولكن لا تقدم بالضرورة دليلاً مقنعاً على وجود كائنات فضائية.
بينما يرتاد البعض شكوك حول وجود الفوسفين, نتساءل عن طبيعة الحياة الموجودة في سحب كوكب الزهرة التي قد تنتج هذا الغاز؟
أجبرت بعض الكائنات على التطور للنجاة في البيئات عالية الحموضة ربما شكلته كطبقة حماية خارجية مثل ما فعلت الكائنات الميكروبية في البيئات الأكثر قساوة في كوكب الأرض.
اقترحت الدكتورة سيغار وزملاؤها في صحيفة نشرت في آب أن الميكروبات التي تحملها التيارات الهوائية والتي تدعى (أمواج الجاذبية) يمكن أن تعيش وتقوم بعملية الاستقلاب وتتكاثر داخل قطرات من حمض الكبريتيك والماء و نظراً لوفرة الغاز الذي يتم انتاجه سيكون عدد هذه الميكروبات كثيراً.
وضحت الدكتورة أن أفضل تخمين عن كيفية وصول تلك المكروبات إلى هناك أنها نشأت على سطح الكوكب عندما كان للكوكب محيطات منذ 700 ميلون سنة مضت ولكنها أجبرت على الطيران في السحب بعد جفاف الكوكب.
ولا أحد يعلم إن كانت هذه الميكروبات -حقيقة- تستند على حمض نووي DNA مثلنا أو على شيء مختلف تماماً.
قالت الدكتورة سوساسيلفا 🙁 عندما تبحث عن حياة في مكان ما, من الصعب أن لا ترتبط مفاهيمك بكوكب الأرض, لأننا لا نملك غيره كنقطة بيانات.)
أراد الباحثون قبل أن تتلاشى تخيلاتهم جمع المزيد من البيانات من التلسكوب والاطلاع على نتائج فحوصات نموذجهم, ويمكن للمهام الآلية الفضائية إلى الزهرة أن تغني الأبحاث.
اقترح كل من وكالة الفضاء الهندية وشركة الصواريخ الخاصة روكت لاب Rocket lab بعثة في السنوات القادمة.
وقد أعلنت ناسا في شباط _والتي رفضت تمويل عدد من البعثات إلى كوكب الزهرة في العقود الأخيرة_ أنها ستأخذ بعين الاعتبار زوجاً من المركبات الفضائية المقترحة من بين أربع مركبات يتنافسون على نهائي جلسة تمويل.
قال توماس زوربوشن رئيس مديرية العلوم في ناسا والمساعد في اختيار البعثات لاكتشاف المجموعة الشمسية 🙁 لقد حققنا اكتشافات جديدة خلال العقدين الماضيين تشير إلى زيادة احتمالية وجود حياة في مكان ما، ولم يكن كثير من العلماء ليخمنوا أن كوكب الزهرة سيكون جزءاً هاماً من هذه المناقشة، ولكن تماماً مثل الأعداد المتزايدة من الأجسام السيارة، أثبت كوكب الزهرة أنه مكان مثير للاكتشاف.)
المصدر: هنا