بتاريخ :2-7-2020
لموقع :THE ECONOMIST
ترجمة : دعاء عماد
تدقيق : ريام عيسى
تصميم الصورة : امير محمد
حكومات العالم أجمع بدأت بإنفاق الأموال الطائلة في سباق أنتاج اللقاح الطارئ بدلاً من سباق الفضاء.
تحت قيادة جامعة (أوكسفورد) العريقة التي مهدت الطريق للعديد من المشاركين الطموحين المعروفين بهذا المجال والاختصاص فالسرعة التي تمت بها الإعدادات والتحضيرات من قِبل الباحثين والمؤسسات المساهمة مذهلة للغاية منها مؤسسة (جينر) والتي يصفها أحد المطلعين بالمجال على أنها من الأماكن المنسية التي عفى عنها الزمن والتي تقبع في أحدى زوايا الجامعة دون أي نشاط، حتى قبل ستة أشهر مضت كانت مشغولة بأبحاث مفيدة لكنها غير ممولة بشكل كافي حول الأمراض التي يعاني منها سكان الدول الفقيرة. تُعتبر مؤسسة (جينر) المرشح الأول المرجح لإنتاج أول لقاح ناجح لفايروس (كوفيد-19).
حيث أصبحت الحاجة الماسة والضغط المستمر والأموال المُقدمة من قبل حكومات العالم أجمع في سبيل أنتاج لقاح مضاد للفايروس تضاهي السباق في الوصول للفضاء.
وفقاً لإحصائية مُقدمة من قِبل معهد (ميلكن)، وهو مركز أبحاث أمريكي، أن حوالي 180 لقاح يدخل حالياً في مرحلة التطوير والتأهيل. وفي أواخر حزيران الماضي قدمت الصين طلباً مستعجلاً للمجتمع الطبي الدولي للسماح بإستخدام اللقاح الذي تعمل عليه لقواتها العسكرية على الرغم من أنهُ مازال في طور التجربة حتى الآن. العديد من اللقاحات الأمريكية أظهرت نتائجاً جيدة لكنها لت تصل إلى مراحل التطوير النهائية تتحدث (سوميا ساومنثان) رئيسة العلماء في منظمة الصحة العالمية قائلةً “أن اللقاح المُقدم من قِبل جامعة (أوكسفورد) يعد المرشح الأبرز.”
لقاح أكسفورد المتقدم عن البقية قد دخل في المراحل التجريبية النهائية بالرغم أن الصين قد بادرت أيضاً في أنتاج وتطوير لقاح مضاد من تصنيع شركة (سينوفارم) الصينية، لكنها لا تحظى بالدعم العالمي ولا التمويل المتوافر لدى (أوكسفورد) أضافةً لذلك أن (أسترازينكيا) وهي شركة منتجات حيوية بريطانية قد أخذت على عاتقها مهمة بناء سلسلة دولية منظمة مهمتها توفير اللقاح بصورة سريعة ومتاحة في شتى أنحاء العالم.
ستوضح الرؤية بشأن فعالية اللقاح من عدمها أكثر في نهاية شهر أب القادم, حيث أن وجود على الأقل تجربة ناجحة واحدة للقاح ستُتيح للقائمين والمنظمين السماح باستخدامه في حالات الطوارئ مما سيمهد الطريق لاستعماله للمجموعات التي تصنف بالحالات الحرجة وعلى الأرجح هذا ما سيحصل في تشرين الأول, تعتقد الشركة أن الموافقة التامة على اللقاح من كافة النواحي تتطلب نتائج من تجارب متعددة وهذا ما سيتم العمل به في مطلع العام (2021) , بالعادة تأخذ تجارب تطوير وتكوين وأيجاد توليفات لقاحية من 10-15 سنة لذا فإن الوصول لهذهِ المرحلة خلال هذا الوقت القصير شيء مذهل للغاية.
تعد جامعة (أوكسفورد)، التي تعد المنافس لجامعة (كامبريدج) في بريطانيا، من احدى أهم الجامعات المرموقة في مجال العلوم. الأمر الذي جعل (اوكسفورد) تكون في الطليعة ليس فقط مستواها الغني والمتقدم من ناحية المواهب العلمية الفذة وإنما التمويل المالي القوي الذي استحصلت عليه حيث أن ولا واحدة من المجموعات ال60 التي تعمل حالياً في الجامعة على هذا المرض انتظرت تمويل الحكومة “وهذا ما جعل (أوكسفورد) في مرتبة الصدارة ” بحسب كلام مصدر مُطلع ” حيث أننا لم ننتظر أي شيء بادرنا بالعمل مباشرةً” . من جهة أخرى قام مجموعة من الباحثين في (أوكسفورد) بتقديم أول تركيبة علاج أثبتت فعاليتها في تقليل معدل الوفيات من مضاعفات الفايروس (كوفيد-19), لكن مؤسسة (جينر) قامت بقفزة نوعية سباقة عن البقية.
حيث أن المؤسسة بدأت بالعمل في ال11 من كانون الثاني الماضي مباشرةً بعد تحديد وتتبع المادة الجينية للفايروس المستجد وما سهل الأمر أيضاً أن المؤسسة قد عملت سلفاً على تطوير توليفة لقاح مضاد للفايروس مشابه لفايروس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) وهو مرض أخر مُسبب من نفس السلالة الجينية لل(كورونا فايروس), (سارا جيلبرت) رئيسة قسم المختبرات في المؤسسة مع فريقها هم من قاموا بالعمل حيث قام فريقها بتعديل وتكوين فايروس يصيب قردة (الشمبانزي) لاستحصال المادة البروتينية المشابهة ل (كوفيد-19) وحقنها في الجسم لتكوين وتخليق استجابة مناعية.
ما أن يتم تصنيع توليفة لقاحية سيتم استعجال السلطات التنظيمية الطبية المعروفة بـ (الهيئة التنظيمية للدواء ومنتجات الرعاية الطبية) لأبداء موافقتها في أدخال اللقاح ضمن مراحل التجارب السريرية عادةً يتطلب الأمر حوالي 60 يوماً لكن في خضم الظرف الراهن يمكن استحصالها خلال أسبوع واحد فقط, والمراحل النهائية من التجارب السريرية يتم تسريعها باستعمال بيانات بصورة مؤقتة من تجارب سابقة أخرى فضلاً عن انتظار البيانات الخاصة اختصاراً للوقت والذي يعد السبب الأهم في الوضع الحالي, وفي الوقت ذاته يجب أيجاد والتعاون مع مصانع دوائية على أهبة الاستعداد لتصنيع اللقاح بنطاق أوسع.
تحدث (ستيف بايتس) الرئيس التنفيذي لهيئة الصناعات البيولوجية البريطانية قائلاً أن الهيئة قامت في أذار الماضي بعمل دارسة استطلاعية أتضح من خلالها الامكانية المحدودة والأعداد القليلة التي من شأنها دخول مجال تصنيع اللقاح بنطاق عالمي أوسع, لكن هذا الأمر سرعان ما تغير عندما تعاملت (أوكسفورد) مع جهات تصنيع محلية, وفي أبريل الماضي تعاقدت مع شركة (أسترازينكا) التي بدورها ستوفر المئات من الكوادر الطبية التي ستعمل على صناعة اللقاح وتوفيره بشكل أكبر.
يتم تصنيع اللقاح في خلايا تُستنبت في وسط زراعي مختبري خاص تُعرف بالمُفاعلات الحيوية المصنعة, يبدأ التصنيع بكميات صغيرة بحوالي 200 لتر تقريباً. بمجرد حصول (أسترازينكا) على نتائج مُرضية من هذهِ الكميات الضئيلة المُصنعة في المفاعلات الحيوية يتم رفع القدرة الانتاجية بشكل كبير حيث أن أربع مفاعلات مُصنعة بقدرة أنتاج تعادل 2000 لتر وأكثر تستطيع أنتاج حوالي مليار جرعة خلال شهرين وعلى الرغم أن الشركة اختصاص تصنيع منتجات حيوية الا أن عملية تصنيع اللقاح مشابهة لحدٍ ما لنمط تصنيع المنتجات الحيوية.
وفقاً لـ(أسترازينكا) فأن الكلفة التقديرية لانتاج جرعة لقاح واحدة تعادل ثمن كوب قهوة, لحد الأن تم حجز حوالي ملياري جرعة لقاح, وافقت الشركة حالياً على تزويد الدول الممولة الرئيسة لمشاريع أنتاج اللقاح (أوربا, أمريكا, بريطانيا ودول التحالف العالمي للتطعيم والتحصين), أضافة لذلك فأن معهد الأمصال في الهند سيقوم بانتاج مليار جرعة اضافية من (لقاح أوكسفورد)حيث سيكون حوالي 400 مليون منها جاهز مع نهاية العام 2020 وغالباً ستخصص للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل, أما في بريطانيا سيتم توفير حوالي 30 مليون جرعة بحلول شهر ايلول القادم.
لكن السؤال الحقيقي هنا والذي لم تتم الاجابة عليه بصورة حاسمة هل الاستجابة المناعية التي يخلقها اللقاح كافية للحماية من المرض ولردع العدوى؟ حالياً في بريطانيا يتم أجراء تجربة سريرية مخصصة للتقصي والحصول على اجابات واضحة لهذا السؤال حيث تم حقن حوالي 7000 مريض باللقاح ومتابعتهم للحصول على نتائج واضحة وصريحة, أضافة إلى تجارب سريرية أخرى يتم العمل بها في كلاً من البرازيل وجنوب أفريقيا. يجب أن تحسم هذه التجارب عدة أمور منها اذا كان اللقاح أمن للاستعمال بدون توابع على المدى البعيد, هل سيولد اللقاح ردة فعل مناعية من شأنها أن تفاقم حدة المرض بدلاً من تخفيفها وكم عدد الجرعات المناسبة من اللقاح التي ستوفي بالغرض.
في حال نجح اللقاح وأثبت فعاليتهِ فإن حكومات دول العالم هي من ستقرر توزيع اللقاح والأولوية في الحصول عليه مثلاً في بريطانيا فإن اللجنة المشتركة للتطعيمات واللقاحات نصحت الجهات المسؤولة في الحكومة أن الأولوية يجب أن تكون أولاً للكادر الطبي وكادر الرعاية الاجتماعية الذي يعمل في الخط الأمامي لمواجهة المرض وبتماس مع المصابين بهِ وثانياً الحالات المعرضة لخطر الاصابة. وطبعاً أن هذا الأمر غير محسوم بصورة تامة لحين توفير بيانات كاملة ومفهومة بصورة أدق وأوضح عن الدايناميكية الفعلية في انتقال المرض وعن تأثيرات اللقاح وتبعاتهِ.
قال (بورس جوهانسن) عن سباق أنتاج اللقاح ” هو المبتغى المشترك الضروري الذي يسعى لهُ العالم أجمع” و أصرَّ قائلاً ” هو ليس منافسة بين الدول” لكن و بدون شك سيكون سعيد للغاية إذا كان اللقاح الأول للفايروس الذي سيظهر للعالم من أنتاج (أوكسفورد) بالإضافة إلى أن هذا الأمر سينقذ العالم من هذه الأزمة الوبائية إلا أنه ُ أيضاً يُعد انتصاراً عظيماً من شأنهِ أن يقلل من حدة النقد وينقذ سمعة بريطانيا الدولية التي تخبطت كثيراً مؤخراً بسبب سوء التدابير وضعف القرارات والاجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة خلال هذه الجائحة.
المصدر: هنا