بتاريخ: 12 آذار 2020
بقلم: راندلي كرون، و وين جاثام
ترجمة: سهاد حسن عبد الجليل
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: امير محمد
نحن لدينا بالفعل أدوية لعلاج متلازمة عاصفة السايتوكين (sytokine storm syndrome)، وهو استجابة النظام المناعي التي تتسبب في مقتل الكثير ممن يموتون بسبب الفايروس المسبب لمرض كورونا.
الصورة لطبيب يقرأ صورة الأشعة المقطعية لمريض في مستشفى مؤقت لمرضى كورونا في ووهان، الصين. في الخامس من آذار ٢٠٢٠. تقترح الدراسات في الصين بأن العديد من المرضى الذين توفوا بسبب كورونا ، أن يكون ذلك من جراء متلازمة عاصفة السايتوكين، بدلاً من الفايروس نفسه، والذي ينشر الانتفاخ القاتل.
حتى الآن من غير المعروف كيف ستكون نسبة الوفيات لمرضى كوفيد19 المسبب لكورونا، على الرغم من أن أفضل تقدير لحد الآن هو حوالي ١ بالمئة، أكثر فتكًا بعشر مرات من الانفلونزا الموسمية.
حيث تقترح دراسات مهمة وحاسمة ظهرت في الصين، أنه بالنسبة للعديد من المرضى الذين يموتون بسبب كوفيد19، قد يكون السبب نظامهم المناعي الخاص، بدلًا من الفايروس نفسه، حيث أنه يوزع الانتفاخ القاتل. إن هذه الحالة تسمى عاصفة السايتوكين (sytokine storm) .
خلال عاصفة السايتوكين، تقوم الإستجابة المفرطة للنظام المناعي بإتلاف النسيج الرئوي السليم، مؤدية بذلك إلى أزمة تنفسية حادة وفشل متعدد الأعضاء. إن متلازمة عاصفة السايتوكين التي لا يتم معالجتها تكون قاتلة عادةً. فالمرضى في دراسات اخرى ممن ظهرت عليهم متلازمة عاصفة السايتوكين بعد محفزات فايروسية غالباً ما يمتلكون، ولسخرية القدر، عيوباً دفاعية جينية حادة تسبب استجابات دفاعية غير مسيطر عليها.
على مر العقدين السابقين، تم معرفة الكثير عن تشخيص ومعالجة متلازمة عاصفة السايتوكين. ففي خطوط المواجهة الأمامية ضد مرض كورونا، من الحاسم أن يكون المختصين الطبيين عارفون بالمتلازمة ومتهيئون لتحديدها ومعالجتها. إن عملية التهيؤ هذه بإمكانها أن تقلل وبشكل ملحوظ من أعداد الوفيات بسبب فايروس كوفيد19 . أما في معالجة عاصفة السايتوكين الناتجة عن أمراض اخرى، مثل الالتهابات الفايروسية الأخرى وامراض المناعة الذاتية، فقد تم تقليص نسب الوفيات بين المرضى الذين يعانون من عاصفة السايتوكين وذلك بنسبة اقل من ٢٧ بالمئة.
حتى يتم توفير لقاحات لفايروس كورونا المستجد، ربما خلال سنة او اكثر من الآن، فمن المحتمل أن يصاب ملايين الناس حول العالم. ويعود جزء من ذلك إلى الأعراض المبكرة والبسيطة في ٨٠ بالمئة من أولئك الذين اصيبوا.
مع ذلك، يمكن أن تتحول الحالات البسيطة لفايروس كورونا إلى حالات أكثر شدة فتشمل الرئتان السفليتان وما يقارب العشرون بالمئة من الأشخاص المصابين بفايروس كورونا المصحوب بأعراض يتطلبون الإدخال للمستشفيات، مع اجمالي ٥ بالمئة يحتاجون الرعاية المركزة. ومع أن الأشخاص كبار السن والذين لديهم مشاكل صحية مزمنة وأساسية يكونون عرضة لخطر الموت بشكل اكبر، فإن اشخاصاً أصحاءً ايضاً قد استسلموا لحالة شديدة من المرض.
ويطلق على متلازمة عاصفة السايتوكين عدة اسماء لكنها تشترك في علم الأمراض باستجابة مناعية مفرطة النشاط والتي تؤدي إلى متلازمة فشل الأعضاء– المتعدد والقاتل بفترات قصيرة (multi-organ dysfunction syndrome)
إن عوامل الخطر لأسباب تحول الأشخاص الأصحاء إلى مرضى لحد الموت تبقى غير معروفة. فهناك عوامل مضيفة محتملة، بضمنها الطفرات الوراثية التي تعرض الأشخاص إلى خطورة اكبر. وحتى معرفة عوامل الخطر هذه، على المجتمع الطبي أن يعامل هؤلاء المرضى المصابين بكوفيد19 على اساس واحد وهو شدة مرضهم.
كيفية الكشف عن متلازمة عاصفة السايتوكين في الأشخاص المرضى
بينما يتم استطلاع العلاجات الجديدة والمستخدمة مسبقًا المضادة للفايروسات لمعالجة كوفيد19، فإن أولئك الأشخاص الذين لديهم متلازمة عاصفة السايتوكين يحتاجون ايضاً إلى معالجة الاستجابة المناعية مفرطة النشاط. في هذه الحالات يمكن لاستجابة مناعية نشطة اكثر مما ينبغي أن تكون قاتلة. فجميع مرضى كوفيد19 الذين تستوجب اصابتهم دخول المستشفى يجب أن يجرى لهم تحليل سريع ورخيص ومتوفر بسهولة لمصل الفريتين في الدم ( serum ferritin blood test). حيث أنه تم بالفعل الابلاغ عن قيم مرتفعة لمصل الفريتين للمرضى المصابين بكوفيد19 والذين تم إدخالهم للمستشفيات في الصين. هذه أداة كشف جيدة لاحتمالية وجود متلازمة عاصفة السايتوكين في المرضى المصابين بحمى شديدة.
عندها يبقى السؤال عن أفضل طريقة لعلاج متلازمة عاصفة السايتوكين فور تحديدها. فالطبيب المعالج غالبًا ما يوضع بين المطرقة والسندان. حيث يمكن أن تكون الستيرويدات القشرية (corticosteroids ) عوامل مثبطة للمناعة واسعة التأثير بشكل قوي، وهي ليست غالية ومتوفرة بسهولة في كل أنحاء العالم. مع ذلك، يمكن لاستخدام مثل هذه الأدوية المثبطة للمناعة والواسعة المدى في علاج أشخاص مصابين بمرض شديد أن يخيف الطبيب.
لدينا فعلاً أدوية لعلاج متلازمة عاصفة السايتوكين التي تسببها الفايروسات.
مع تطور العلاجات الإحيائية للعديد من الأمراض الروماتزمية والأورام وحالات اخرى، تتوفر الآن بحوث جديدة لعلاج الاستجابة المناعية. إن هذه الأدوية عالية الاستهداف تطارد واحدة من او بعض الجزيئيات القابلة للالتهاب، بضمنها السايتوكينات، من دون تثبيط النظام المناعي العام الذي تسببه الستيرويدات القشرية ومثبطات المناعة الأخرى الغير انتقائية نسبيًا.
مؤخرًا ، أثبتت مجموعة من الأبحاث الخاصة المضادة – للسايتوكين فعاليتها في علاج مجموعة من متلازمات عاصفة السايتوكين، بضمنها تلك التي تحفزها الفايروسات. هذه تتضمن الأدوية المستهدفة للأنترلوكين ١ و ٦ و١٨ ( interleukin-1 ) (IL-1) (IL-6) (IL-18) وكذلك الأنترفيرون – جاما ( interferon-gamma). بينما ستكون هناك حاجة لمحاولات عشوائية للتأكيد أي من هذه العلاجات، فيما إذا نجح احدها، ستعالج وبشكل فعال المرضى المصابين بكوفيد19 الذين يعانون من متلازمة عاصفة السايتوكين، حيث تم مؤخرًا الإعلان عن استخدام الصين لمحاصرة إنترلوكين –٦ ( IL-6 ) مع نتائج ناجحة في بعض الأفراد الذين تلقوا هذا كجزء من علاجهم.
وبينما يتم العمل على منع تفشي مستقبلي لإصابات بفايروس كورونا القاتل وذلك بتطوير لقاح واكتشاف لأدوية مضادة للفايروسات جديدة أو معاد إستخدامها لمعالجة الفايروس، علينا ايضاً استخدام كل المعرفة المتوفرة لدينا لعلاج أولئك المرضى المعرضين بشدة لخطر الموت– بما في ذلك الموت بسبب عواصف السايتوكين الذي يحدثه كوفيد19. ولكي يحدث هذا، على المجتمع الطبي أولًا أن يكون مدركاً الاحتمالية، ثم القيام بالتشخيص، وأخيراً معالجة الأشخاص المصابين الذين لديهم استجابات مناعية مفرطة النشاط والتي تكون مضرة، اذا لم تكن قاتلة، عندما تترك بدون علاج. من المفترض أن يساعد هذا في إنقاذ ارواح هؤلاء الأشخاص غير المحظوظين من خطر متلازمة عاصفة السايتوكين الذي يسببه كوفيد19.
راندي كيو كرون، دكتوراه في الطب، استاذ لطب الأطفال والطب الباطني ورئيس قسم روماتيز الأطفال في جامعة الاباما في برمنغهام. قام في تشرين الثاني من عام ٢٠١٩ بنشر متلازمة عاصفة السايتوكين، اول كتاب تدريسي عن عاصفة السايتوكين .
و وين جاذام ، دكتوراه في الطب، استاذ الطب الباطني وعلم المناعة السريرية والروماتيز، من كبار العلماء في مركز التهاب المفاصل الشامل والجهاز العضلي الهيكلي والعظام والمناعة الذاتية ( CAMBAC )؛ ومدير الخدمات الروماتيزمية السريرية في جامعة ألاباما في برمنغهام.
المصدر: هنا