كتبه لموقع “براين بيكينغ”: ماريا بوبوفا
نشر بتاريخ: 31/ 3/ 2015
ترجمة: علي ابراهيم
تدقيق: رعد طالب
تصميم الصورة: اسماء عبد محمد
ماذا يعني الحب بالضبط؟ لقد طبقنا عليه أفضل تعاريفنا ؛ و درسنا علاقته بعلم النفس وأطرناهُ بالأُطر الفلسفية ؛ حتى أننا ابتكرنا صيغة رياضية لتحقيق ذلك. ومع ذلك ، فإن أي شخص سبق له أن مرّ بهذه التجربة يعرف أن الحب يبقى لغزا، بل ربما أنه سر التجربة الإنسانية. إن تعلم كيفية مواجهة هذا اللغز بواقعية ووضوح في نياتنا هو بهجة الحياة.
هذا ما يستكشفه الراهب الأسطوري الفيتنامي البوذي والمعلم وناشط السلام هان (ولد في 11 أكتوبر 1926) في كتابه (كيف نُحب) وهو عبارة عن مجموعة صغيرة ومُنتقاة من تجاربه فيما يتعلقُ بالأمكانية الأكثر تعقيدأ والأكثرايجابية بنفس الوقت عند الانسان.
في الواقع ، وفقا للتطبيق العملي العام للتعاليم البوذية ، يقدم هان توضيحات دقيقة جداً ، مستخدمًا اللغة البسيطه والمجازية لمعالجة الاهتمامات الأكثر أهمية للروح. لأعتناق تعاليمه ، يجب على المرء أن يقدم التزاماً مع عدم الخضوع لمرض التشاؤم الغربي ، أي آلية الحماية الذاتية الخاطئة التي ترفض بسهولة أي شيء صادق على أنه مبسط وساذج حتى اذا كنا نعرف أن كل ما هو حقيقي هو بسيط في نفس الوقت بحكم حقيقته.
في قلب تعاليم هان، فكرة أن “التفاهم هو اسم آخر للحب” وان تحب شخصٌ معناهُ ان تفهم معاناته بالكامل (“المعاناة” تبدو دراماتيكية إلى حد ما ، ولكن في البوذية تشير إلى أي مصدر لعدم الرضا العميق سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو روحانيًا). بعد كل شيء هذا ما يحتاج إليه الجميع ولكن حتى إذا استوعبنا ذلك على المستوى النظري ، فبحكم العادة سوف نقع في مشكلة تعودنا على كوننا قادرين ان نقدم هذا المفهوم التوسعي. هان يوضح عدم التطابق في المقاييس هذا بمثال مجازي:
إذا صببت كمية قليلة من الملح في كوب من الماء ، يصبح الماء غير صالح للشرب. ولكن إذا صببت الملح في النهر ، يمكن للناس الاستمرار في سحب الماء للطهي والغسيل والشرب. النهر هائل ، ولديه القدرة على تلقيه واحتضانه وتحويله. عندما تكون قلوبنا صغيرة ، فإن فهمنا وتعاطفنا محدودان مما يجعلنا نعاني. لا يمكننا قبول أو تحمُّل الآخرين و قصورهم ، ونطالبهم بالتغيير. ولكن عندما تتوسع قلوبنا ، فإن هذه الأشياء نفسها لا تجعلنا نعاني أكثر. لدينا الكثير من الفهم والتعاطف ويمكننا احتضان الآخرين وتقبلهم كما هم ومن ثم اعطائهم الفرصة ليتغيروا.
بعد ذلك يصبحُ السؤال كيف نجعلُ قلوبنا تنمو وتزدادُ عطاءً ؟ أن ذالك يبدأُ بالألتزام وفهم معاناتنا
عندما نقوم بتغذية ودعم سعادتنا ، فإننا نثري قدرتنا على الحب. هذا هو السبب في أن الحب يعني تعلم فن ان نصنع سعادتنا بيدنا.
إن فهم معاناة شخص ما هو أفضل هدية يمكنك تقديمها لشخص آخر. الفهم هو الاسم الآخر للحب إذا كنت لا تفهم ، لا يمكنك أن تحب.
ولأن الحب هو تفاعل ديناميكي نتعلمُهُ، فإننا نشكل أنماط تفهُمنا او سوء فهمنا في وقت مبكر من الحياة ، عن طريق التقليد بدلاً من الابداع الواعي. مرددًا ما يعرفه علم النفس التنموي الغربي عن دور “الرنين الإيجابي” في تعلم الحب ، يكتب هان:
إذا لم يحب والدانا بعضهما البعض ، فكيف لنا أن نعرف كيف يبدو الحب؟ الميراث الأثمن الذي يمكن للوالدين تقديمه لأبنائهم هو سعادتهم. قد يتمكن آباؤنا من ترك المال والبيوت والأرض لنا ، لكنهم قد لا يكونون أشخاصًا سعداء. إذا كان لدينا آباء سعداء ، فقد تلقينا الميراث الاغلى قيمةً للجميع.
يشيرُ هان الى فرقٍ حاسمٍ بين الافتتان والذي سيستبدلُ فهمنا للمُقابل بخيالاتٍ و اوهام وبينَ الحُبِ الحقيقي:
في كثير من الأحيان نشعُرُ بالأفتتانِ تجاه الاشخاص ليس لأننا نحبهم ونفهمهم حقًا ، ولكن لصرف أنفسنا عن معاناتنا. عندما نتعلم أن نحب ونفهم أنفسنا ولدينا تعاطف حقيقي مع أنفسنا ، عندها يمكننا أن نحب ونفهم حقًا شخصًا آخر.
انطلاقًا من هذا الفهم غير الكامل لأنفسنا يَظهرُ هذا الافتتان المؤقت والوهمي ، حيث يتناولُ هان هذا الموضوع بحكمةٍ و دهاء:
أحيانا نشعر بالفراغ ؛ نشعر بالفراغ ونقص كبير في شيء ما. لا نعرف السبب إنه غامض للغاية ، لكن الشعور بأنك فارغ في الداخل قوي للغاية. نتوقع ونأمل شيئًا أفضل كثيرًا حتى نشعر بأننا أقل وحدةً واقلُ فراغً. الرغبة في فهم أنفسنا وفهم الحياة عميقة. هناك ايضاً الرغبة العميقة بأن نُحِبَ و نُحَبَ بالمُقابل ونحن على اهبة الاستعداد لهذا إنه طبيعي جدا. ولكن لأننا نشعر بالفراغ ، فإننا نحاول العثور على شيء من حبنا. في بعض الأحيان لم يكن لدينا الوقت الكافي لفهم أنفسنا ، ومع ذلك وجدنا بالفعل ذلك الحب. عندما ندرك أن جميع آمالنا وتوقعاتنا بالطبع لا يمكن تحقيقها من قبل هذا الشخص ، فإننا لا نزال نشعر بالفراغ. تريد العثور على شيء ما ، لكنك لا تعرف ما الذي تبحث عنه. في كل شخص هناك رغبة وتوقعان مستمران في داخله ، لا يزال يتوقع حدوث شيء أفضل. هذا هو السبب في أنك تتأكد من بريدك الالكتروني كل يوم!
يجادل هان بأن الحب الحقيقي والصادق يتجذر في أربعة عناصر – اللطف والرحمة والفرح والاتزان الذي يمنح الحب “عنصر القداسة”. يُناقشٌ أولها هذه العلاقة الحوارية بين معاناتنا وقدرتنا لفهم أحبائنا تمامًا.
جوهر اللطف هو القدرة على تقديم السعادة. يمكنك أن تكون أشعة الشمس لشخص آخر. لا يمكنك تقديم السعادة حتى تحصل عليها بنفسك. لذلك قم ببناء منزل بالداخل من خلال قبول نفسك وتعلم الحب والشفاء. تعرّف على كيفية الادراك بحيث يمكنك خلق لحظات من السعادة والفرح من اجلك. وبالتالي سيكون لديك شيء لتقدمه للشخص الآخر.
إذا كان لديك ما يكفي من الفهم والحب ، فكل لحظة – سواء قضيت في وجبة الإفطار أو قيادة السيارة أو سقي الحديقة أو القيام بأي شيء آخر في يومك – يمكن أن تكون لحظة فرح.
يتجلى هذا الترابط بين الذات والآخر في العنصر الرابع أيضًا ، الاتزان ، الكلمة السنسكريتية “upeksha” التي تتُرجم أيضًا لـ إلى “الشمولية” و “عدم التمييز”.
في علاقة عميقة ، لا توجد حدود بينك وبين الشخص الآخر. أنت هو وهو انت. معاناتك هي معاناته. إن فهمك لمعاناتك الخاصة يساعد من تحب على المعاناة بشكل أقل. المعاناة والسعادة لم تعد مسائل فردية. ما يحدث لأحبائك يحدث لك. ما يحدث لك يحدث لأحبائك.
في الحب الحقيقي ، لم يعد هناك انفصال أو تمييز. سعادته هي سعادتك. معاناتك هي معاناته. لم يعد بإمكانك أن تقول “هذه مشكلتك”.
تكملة للعناصر الأربعة الأساسية هناك أيضًا عناصر فرعية وهي الثقة والاحترام ،
عندما تحب شخص ما ، يجب أن تكون لديك ثقة به. الحب بلا ثقة لا يُعدُ حُباً بالطبع ، عليك أولاً أن تحظى بالثقة والاحترام لذاتك. ثق أن لديك طبيعة طيبة وعاطفية. أنت جزء من الكون ؛ أنت مصنوع من النجوم. عندما تنظر إلى من تحب ، ترى أنه مصنوع أيضًا من النجوم ويحمل الأبدية في داخله. البحث بهذه الطريقة سيجعلك تشعر بالقداسة . الحب الحقيقي لا يمكن أن يكون دون الثقة واحترام الذات والشخص الآخر.
إن الآلية الأساسية لإقامة مثل هذه الثقة والاحترام هي الاستماع – وهو أمر تم تمجيده كثيرًا من قِبل علماء النفس الغربيين والمعالجين واجدادنا الحُكماء لدرجة رفضنا لسماعه . ومع ذلك عندما يعيد هان صياغة هذه الرؤية الواضحة بصورته اللطيفة والشاعرية، فإنه يتجاهل بطريقة ما السخرية العقل الحديث ويشق طريقه مباشرة الى الروح.
ان نُحَب دون معرفة كيفية ان نُحِب من شأنه جرح الشخص الذي نحب. لمعرفة كيفية حب شخص ما ، علينا أن نفهمه ولنفهمه ، نحن بحاجة إلى الاستماع
عندما تحب شخصًا ما ، يجب أن تكون لديك القدرة على التخفيف عنه ومساعدته على تقليل معاناته. وهذا فن. إذا لم تفهم جذور معاناته لا يمكنك المساعدة ، مثلما لا يمكن للطبيب أن يساعد في شفاء مرضك إذا كان لا يعرف السبب. أنت بحاجة إلى فهم سبب معاناة من تحبهم من أجل المساعدة في التخفيف معاناتهم.
كلما فهمت أكثر ، كلما أحببت اكثر ، كلما فهمت أكثر. إنهما وجهان لحقيقة واحدة، عقل الحب وعقل الفهم متماثلان.
يقول نات ، وهو يردد قول الراهب الاسطوري دي تي سوزوكي (T.D. Suzuki)، أن “قوقعة الغرور التي نعيش فيها هي أصعب شيء يجب أن نتغلب عليه”. كما انه يضع بعين الحسبان كيف ان فكرة استخدام صيغة الغرور في (انا) من شأنها ان تُقاطع سلاسة الحوار والتفاهم والتعايش وليستخدم مصطلحهُ الشاعري والدقيق وهو الحب.
في كثير من الأحيان ، عندما نقول ، “أنا أحبك” ، فإننا نركز في الغالب على فكرة “أنا” الذي يقوم بعمل المحبة وبدرجة أقل على نوعية الحب الذي يتم تقديمه. هذا لأننا منشدون لفكرة الذات. نعتقد أن لدينا ذاتنا المستقلة ولكن لا يوجد شيء مثل الذات الفردية المنفصلة، تتكون الزهرة فقط من العناصر غير الزهرية ، مثل الكلوروفيل وضوء الشمس والماء. إذا أردنا إزالة جميع العناصر غير الزهرية من الزهرة ، فلن تكون هناك أي زهرة. لا يمكن أن تكون الزهرة بمفردها. يمكن للزهرة فقط أن تكون متعايشة. البشر مثل هذا أيضًا. لا يمكننا أن نعيش وحدنا. يمكننا فقط ان نتعايش، لقد صنعت فقط من عناصر غيري، مثل الأرض والشمس والاباء والاسلاف في علاقة ، إذا أمكنك رؤية طبيعة التداخل بينك وبين الشخص الآخر ، يمكنك أن ترى أن معاناته هي معاناتك الخاصة ، وسعادتك هي سعادته. بهذه الطريقة في الرؤية ، تتحدث وتتصرف بشكل مختلف. هذا في حد ذاته يمكن أن يخفف الكثير من المعاناة.
يستكشف الجزء المتبقي من( كيف نُحب) الممارسات اليومية البسيطة ، ومع هذا المؤثرة بشكل كبير للحب والتفاهم ، والتي لا تنطبق فقط على العلاقات الرومانسية ولكن أيضًا على جميع أشكال التعايش . استكملها مع خطاب نصيحة جون ستاينبك (John Steinbeck ) الرائع حول الحب لابنه المراهق. وحياة سوزان سونتاج في تأملات حول هذا الموضوع ، ثم إعادة النظر في دي تي سوزوكي العظيمة حول كيف يمكن أن يساعدنا الزن على تنمية شخصيتنا.
المقال باللغة الانجليزية: هنا