كتبه لموقع “ساينتيفيك اميريكان”: جون هورغان
نشر بتاريخ: 12/ 8/ 2014
ترجمة: ياسين إدوحموش
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم الصورة: اسماء عبد محمد
هل هناك مشكلة في العالم اليوم أكثر إلحاحًا من الحرب؟ وإني عندما أقول “الحرب”، فأعني أيضاً النزعة العسكرية وثقافة الحرب والجيوش والأسلحة والصناعات والسياسات والخطط والدعاية والأفكار المسبقة والأسباب التي لا تجعل من صراع الجماعات الفتاكة ممكنة فحسب بل محتملة أيضاً.
وجوابي على السؤال أعلاه هو لا، فليس ثمة مشكلة أكثر إلحاحاً من الحرب؛ ولا حتى تغير المناخ والتلوث والاكتظاظ السكاني والظلم والفقر وعدم المساواة والجوع والمرض.
إن كنتم تبحثون عن حلول لأي من هذه المشاكل، فيجب أن تكرسوا على الأقل بعض الجهد لوضع حد للحروب، وذلك لعدة أسباب. أولاً، تؤدي الحرب إلى تفاقم مشاكلنا الأخرى أو إدامتها، إما مباشرة أو عبر استنزاف الموارد الثمينة بعيداً عن حلها، كما أن الحرب تقوض الديمقراطية وتشجع الاستبداد والتعصب؛ تقتل وتسبب الأمراض وتلقي بالناس في ولايات الفقر وتخرب الطبيعة. فالحرب هي المشكلة الرئيسية، والقضاء عليها من شأنه أن يجعل حل مشاكلنا الاجتماعية الأخرى أكثر سهولة.
ثانياً، إن امكانية العثور على حل سهل للحرب تفوق الكثير من المصائب الإنسانية الأخرى، إذ إن الحرب ليست مثل إعصار أو زلزال أو وباء إيبولا، أو كارثة طبيعية تفرضها علينا قوى خارجة عن سيطرتنا، فهي من صنع أيدينا بالكامل ونتاج الخيارات البشرية، ويمكن أن تنتهي غداً إذا اختارت مجموعة صغيرة نسبياً من الناس في جميع أنحاء العالم إنهاءها.
ثالثاً، تمثل الحرب جريمة أخلاقية مروعة، أكثر من أي من مشاكلنا الأخرى، لاسيما عندما تشنها الولايات المتحدة ودول أخرى، أو جماعات تطمح إلى أو تدعي شرعية الدول، فالحرب تجعل منا منافقين وتسخر من التقدم البشري. ولا يمكننا الادعاء بأننا متحضرون طالما استمرت الحرب أو حتى خطرها.
نعم، لقد انخفض عدد ضحايا الحرب السنوية انخفاضاً حاداً منذ النصف الأول من القرن العشرين الذي كان كارثيًا. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، قتلت الحرب عدداً أقل بكثير من الناس من السرطان أو حوادث السير. غير أنه في عالمنا النووي والمسلح على نحو كبير، فإن الحرب لا تبعد إلا بقرارات قليلة عن أن تصبح أكثر تدميراً بشكل كبير. وإن مجرد قتل طفل واحد بواسطة طائرة أمريكية بدون طيارأو صاروخ إسرائيلي أو دبابة سورية يعد شيئا مكروهاً يفسدنا جميعاً.
لقد ألفت كتاب “نهاية الحرب”، والذي يتم نشره اليوم في نسخة ورقية من قبل دار النشر “مكسوينيز”، قصد بدء محادثة حول السبب الذي يدفعنا للقتال وكيف يمكننا التوقف. ويتضمن الإصدار الجديد مقدمة من عالم الأنثروبولوجيا دوغلاس فراي، الخبير في الحرب، إضافة إلى فهرس. ويتناول الكتاب على نحو مستدام ومختصر المواضيع التي كتبت عنها خلال السنوات القليلة الماضية.
أثناء تأليفي لكتاب “نهاية الحرب”، كان يساورني أحيانًا شعور بالقلق من أن الحرب قد تنتهي قبل نشر كتابي، ما سيجعله قديمًا. لعل هذه نكتة سيئة، خصوصًا اليوم، مع احتدام الحرب في سوريا وأوكرانيا وغزة وأفغانستان وباكستان والعراق، التي تقصفها الولايات المتحدة مرة أخرى.
إن التحدي الأكبر الذي يواجهنا يكمن في جعل الانتقال من عالمنا، الذي ما زال مسلحاً وخطراً، إلى عالم تختفي فيه الحرب وحتى خطرها. أنا لست من دعاة السلام المطلقين، لكن إذا هاجمني شخص ما أو هاجم أحد أفراد عائلتي – أو حتى شخصا غريباً – فسأبذل قصارى جهدي لإيقافه، ففي بعض الأحيان يكون العنف مبررًا من الناحية الأخلاقية، بل ضرورياً، لإحباط مزيد من العنف.
إذن، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف يجب أن نتصرف إزاء عنف الجماعات الفتاكة عندما يندلع في العالم اليوم؟ على سبيل المثال، كيف كان يجب على الولايات المتحدة أن ترد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ أو على التقدم الحالي الذي يحرزه مقاتلو داعش في العراق؟ كيف يجب أن يرد الفلسطينيون على العنف الإسرائيلي والعكس ؟ كيف ترد روسيا على الاضطرابات العنيفة في أوكرانيا؟
وجوابي هو أن الدول والمجموعات الأخرى يجب أن تتصرف بطريقة تتفق مع الهدف النهائي المتمثل في استئصال الحرب للأبد، وهذا ما أسميه “قاعدة نهاية الحرب”، والتي أوضحها على نحو أكثر تفصيلاً في كتاب “نهاية الحرب”. إن بلدي، الولايات المتحدة، يعتبر أسوأ المنتهكين لقاعدة نهاية الحرب، وذلك ليس فقط لأن الأمريكيين قاموا خلال السنوات العشر الماضية بشن حربين رئيسيتين قتلتا مئات الآلاف من المدنيين، بل أيضاً لأن الولايات المتحدة تحتفظ حتى الآن بأكبر جيش في العالم، من حيث الإنفاق، وهي أكبر تاجر للأسلحة.
وفقا لاستطلاعات أجريتها لأكثر من عقد من الزمان، ترى الأغلبية الساحقة من الناس أن الحرب لا مناص منها وسمة دائمة للوجود الإنساني، وهذه النظرة القدرية خاطئة، لا من الناحية التجريبية ولا من الناحية الأخلاقية، إذ إنها تتناقض مع ما يخبرنا به العلم والتاريخ عن الحرب من الناحية التجريبية، ومن الناحية الأخلاقية لأنها تكرس الحرب عبر تثبيط عزيمتنا للبحث عن حلول.
حتى أكثر المؤمنين بالقضاء والقدر سخرية، لو سُئلوا عما إذا كانوا يفضلون العيش في عالم بلا حرب، فسيقولون، بالطبع! فكل إنسان عاقل يريد السلام. وإذا كنتم لا تتفقون معي حول سبب نشوب الحروب وكيفية يمكننا إنهاءها، أود سماع أفكاركم. وإذا انضممنا جميعا من أجل إنهاء الحرب، فإننا سننجح بالتأكيد، ليس في مستقبل ضبابي بعيد، بل عما قريب.
المقال باللغة الانجليزية: هنا