كتبه لموقع “سيانتيفيك أميريكان”: جون هورغون
منشور بتاريخ: 28/11/2016
ترجمة: ياسين إدوحموش
تدقيق ومراجعة: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
لقد وجَه النقاد سِهامهم نحو (نعوم تشومسكي) لأكثر من خمسين عامًا، لكن ادعاءه بكون اللغة فطرية مازال صامدًا.
تجذب آراء (نعوم تشومسكي) السياسية الكثير من الاهتمام لدرجة إنه من السهل نسيان كونه عالمًا، وأحد أكثر الأشخاص تأثيرًا على الإطلاق؛ بدءًا من خمسينات القرن الماضي، يزعم (تشومسكي) إن كل البشر يملكون قدرة فطرية على استيعاب اللغة، قدرة تُنشط في مرحلة الطفولة من خلال محفزات بيئية قليلة، وقام بتطوير وتنقيح نظريته في اكتساب اللغة منذ ذلك الحين.
كان لأفكار (تشومسكي) أثر عميق على اللسانيات وعلم العقل بشكل عام، وقد هاجم النقاد نظرياته من البداية ولا يزالون يهاجمونها، ما يُبين، من عجيب المفارقات، على هيمنته الدائمة؛ بيد إن بعض هذه الهجمات سخيفة، فعلى سبيل المثال، يؤكد (توم وولف) في كتابه الجديد (مملكة الكلام)، إن كلًّا من (داروين) و(كاريزما نعوم) كانا مخطئين.
توجد، مع ذلك، انتقادات أخرى جادة، ففي مقال تحت عنوان (اللغة في مفتاح جديد)، في طبعة نوفمبر/تشرين من مجلة (ساينتيفيك أميريكان)، يؤكدان (بول إببوتسون) و(مايكل توماسيلو) إن “جزءًا كبيرًا من الثورة التي أحدثها نعوم تشومسكي في اللسانيات، بما في ذلك سرده للطريقة التي نتعلم بها اللغات، بات يُضرب به عرض الحائط”، حيث نقرأ في عنوان المقال على الإنترنيت: “الأدلة تدحض نظرية (تشومسكي) في تعلم اللغة”، كما يقترح كل من (إبوتسون) و (توماسيلو) إن الأطفال يكتسبون اللغة من خلال “القدرات المعرفية العامة وقراءة نوايا الآخرين”.
وسعيًا التنوير، سألتُ عالم النفس (ستيفن بينكر) حول رأيه بخصوص الانتقادات الأخيرة التي وُجهت لـ (تشومسكي)؛ ألّف (بينكر) العديد من الكتب ذائعة الصيت حول اللغة، لا سيما كتابيه (الغريزة اللغوية) (1994) و(مادة التفكير) (2007). في رده عبر البريد الإلكتروني، يدافع (بينكر) عن (تشومسكي) نوعًا ما، إذ يقول إنّ لا أحد من منتقدي (تشومسكي) أوجد نموذجًا لاكتساب اللغة يتخلى كليًا عن “البنية الفطرية”، وفيما يلي كامل تعليقاته:
لا شيء من هذا يعد جديدًا – فنفس النقاش يتم إعادته لمدة خمسين عامًا، خلافًا للادعاء القائل بأن نظريات (تشومسكي) تعتبر طريقة تقليدية أو منهج مهيمنًا أو إجماعًا (الشيء الذي يجعل أي منافس يبدو كمن ذبح عملاق)، فإنها لم تكن أبدًا معمولًا بها في علوم اللغة؛ أود أن أقول إن نظرية (تشومسكي) ربما قد جذبت (في أي وقت) عددًا كبيرًا من اللغويين، ولكنها ربما لم تكن أبدًا أغلبية، نظرًا لأنه دائمًا ما توجد نظريات منافسة (علم الدلالات التوليدية، النحو المعرفي، النحو العلائقي، النحو الوظيف المعجمي، نحو البنية العامة للمقولات النحوية، وربما بالنسبة لمعظمها، لا وجود لالتزام بأي نظرية شاملة على الإطلاق).
في مجالات أخرى، قلة قليلة فقط من تبنّى نظريات (تشومسكي)، أما المعارضة فكانت دائمًا شديدة: من فلاسفة مثل (بوتنام)، و(غودمان)، و(سيرل)، و(دينيت) في الستينات والسبعينات، ومن (جيروم برونر) وعلماء النفس التنموي البياجيتيين في السبعينات؛ من باحثين مختصين في الذكاء الاصطناعي من أمثال (تيري وينوجراد) و(روجر شانك) و(مارفن مينسكي) في السبعينيات، إلى علماء النفس الاتصاليين وباحثي الذكاء الاصطناعي في الشبكة العصبية في الثمانينيات؛ إلى “منظري الأنظمة الديناميكية” مثل (ليندا سميث) في ثمانينيات القرن العشرين؛ وربما من معظم الباحثين حول اكتساب اللغة لدى الأطفال من كل عقد.
إن الاعتقاد الخاطئ بكون (تشومسكي) يُمثل النظرة السائدة نابع من إن المعارضة منقسمة إلى العديد من المناهج والفصائل، لذلك لا يوجد شخص واحد يمكن وضعه بديلًا، بالإضافة لكونه مشهورًا وذا شخصية جذابة؛ كما إن العديدين خارج الميدان قد سمعوا عنه، في حين لم يسمعوا عن أي شخص آخر، ويخلطون شهرته بالهيمنة المهنية.
توجد مشكلة أخرى تتعلق بالادعاء بأن نظرية (تشومسكي) للغة “يُضرب بها عرض الحائط” (كما لو تم قُبولها أصلاً، وهذا غير صحيح)، وهي إنه ليس من الواضح ما تشير إليه “نظرية تشومسكي للغة”، فقد اقترح سلسلة من النظريات الفنية في علم النحو، وفي الوقت نفسه أبدى عقودًا من الملاحظات غير الرسمية حول كون اللغة فطرية، وهي ملاحظات تغيرت على مر العقود، ولم تكن أبدًا دقيقة بما فيه الكفاية لتُأكد أو تُفند، كما ليس من السهل معرفة ما تحتوي عليه “القواعد اللغوية الشاملة” أو “القدرة اللغوية” الفطرية، إنها بالضرورة أشياء مجردة، بما أن تفاصيل أي لغة معينة، مثل اليابانية أو الإنجليزية، يتم تعلمها بشكل لا يثير الخلاف؛ لذلك، لقد كان (تشومسكي) لمدة 50 عامًا بمثابة لعبة البينياتا، إذ أصبح بوسع أي شخص يجد بعض الأدلة على إن بعض جوانب اللغة يتم تعلمها (وهناك الكثير)، أو إن بعض الظواهر النحوية تختلف من لغة إلى أخرى، أن يدعي بأنه قد ذبح الملك. للأسف، لم تكن مناقشة مثمرة علميًا.
أعتقد من وجهة نظري الخاصة إننا في حاجة لإنشاء نماذج حسابية دقيقة لعملية اكتساب اللغة -إدخال الجمل وإخراج قواعد نحوية- ونرى ما إذ تمكنت من إتقان بنية أية لغة يتم إدخال الجمل إليها، بطريقة تشبه الطريقة التي يفعل الأطفال ذلك، بعدها كل ما سيعطيه لنا هذا النموذج يعد أفضل نظرية حول قدرات الطفل الفطرية في التعلم؛ من حين لآخر سيحاول شخصٌ ما القيام بذلك (فعلت ذلك في كتابي الأول، “تعلم اللغة وتطور اللغة”، في عام 1984)، فاشلين في الوصول لذلك، من السهل جدًا الادعاء بأن الأطفال لا يحتاجون إلى أية سوابق أو افتراضات أو تمثيلات فطرية، فقط لإرجاعهم لمكانهم مرة أخرى عندما يحين وقت أخد الأمور على محمل الجد وتنفيذ نموذج؛ كانت تلك خدعة في الكثير من نماذج الشبكات العصبية للغة التي كانت شائعة في الثمانينيات والتسعينيات – عندما حان وقت الجد، دائمًا ما بنوا بنية فطرية دون أن يلفتوا الانتباه إليها، هذا ما أخشى إنه سينطبق على النماذج القائمة على الأفكار الحالية. ستيفن بينكر
لو جاز لي أن أعيد الصياغة: يقول (بينكر) إن ادعاء (تشومسكي) الأساس -كون اللغة فطرية- سيدوم بشكل أو بآخر؛ (تشومسكي)، نفسه، رفض مؤخرًا الانتقاد الذي وُجه لنظريته حول فطرية اللغوية، قائلًا لصحيفة نيويورك تايمز إن هجوم (توم وولف) “بالكاد يرقى لمستوى اختبار الضحك”.
قبل أكثر من 20 عامًا، سألتً (تشومسكي) أي الأعمال يفضل، النشاطات السياسية أم البحث العلمي؛ فاجأه السؤال وقال إنه يحتج على الظلم احساسًا بالمسؤولية، وليس لمتعة ثقافية، وإنه، بكل سعادة، سيعطي العلم اهتمامه الكامل إذا اختفت مشاكل العالم.
مشاكلنا تستمر، وكذلك الحال مع (تشومسكي)؛ في مقابلة ما بعد الانتخابات ذكر إن (دونالد ترامب) والحزب الجمهوري، برفضهم للقيود على استهلاك الوقود الأحفوري، “يتسابقون بسرعة لتدمير الحياة البشرية المنظمة”.
المقال باللغة الإنكليزية: هنا