كتبه لموقع (بيغ ثينك): فيليب بيري
منشور بتاريخ: 20/5/2018
ترجمة: منار ابراهيم عبد القادر
تصميم الصورة: مينا خالد
“مَن جَدّ وَجَدَ!”… يُعد هذا الشعار جزءًا راسخًا في الروح الأمريكية. فنحن نؤمن أننا نعيش تحت لواء الكفاءة والاستحقاق؛ حيث يمكن لأي شخص، يتمتع ببعض النباهة والمثابرة والعزيمة، أن يرتقي سلم النجاح بصرف النظر عمّا يعتري طريقه من عثرات… ولكن في ظل ما نعيشه من تفاوت في مستويات الدخل والذي بلغ ذروته في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان المتقدمة، أخذت الريبة تتسلل إلى الناس جاعلة إياهم يتساءلون حول قيام نظام الكفاءة هذا من الأساس.
وبحسب استطلاع أجراه معهد السياسة بجامعة هارفرد، وُجد أن 48% من جيل الألفية يعتقدون أن الحلم الأمريكي قد مات. بل ويشعر عدد متزايد منهم بالتفاؤل حول نظام الاشتراكية؛ الذي يُعد في الواقع شبحًا يجثم على عقول مناصري التيار المحافظ. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة الانتهاء التام لرأسمالية السوق الحرة غير المقيدة.
واليوم، يواصل بعض القساوسة الإنجيليين التبشير بإنجيل الازدهار والرخاء. وهو مفهوم أمريكي فريد ينص على أن هؤلاء من رزقهم الخالق بسطة في المال، قد كُتب لهم “الخلاص”. في الواقع، تلك الفكرة ليست بجديدة على الإطلاق، إذ تضرب بجذورها في القدم حيث البيوريتانيون؛ أي المتشددون. فهم يعتقدون أن “المظاهر الخارجية التي تنم عن النعمة الداخلية – التي يتمتع بها الفرد” إنما هي خير دليل على من كُتبت له النجاة من الهوة النارية. فبالنسبة لهم أن هؤلاء من يتمتعون بالوسامة والفعالية أوالثراء ستكون لهم عقبى الدار. ولكن الركود الهائل وما تلاه من أضرار قد أطاح بفكرة الكفاءة وإنجيل الرخاء بين الغالبية العظمى من الشباب.
إذن ماذا عن هؤلاء من يتربعون على عرش الثراء في العالم؟ هل عملهم الشاق ومظهرهم الخارجي الحسن وعقلهم المُدبّر وعزيمتهم المَضّاءة التي لا تتزعزع ما أوصلهم إلى ما هم عليه الآن؟
فالإجابة قطعًا لا… إذ يشير أحد التحليلات الحديثة إلى أن الحظ له نصيب الأسد في تكوين ثروة المرء، وما الموهبة والتميز سوى عوامل فرعية ذات تأثيرات طفيفة.
ولتعضيد صحة نظريتهم، استعان فريق من الباحثين الإيطاليين من جامعة كاتانيا بنظام محاكاة باستخدام حاسوب لمعرفة السبب وراء تحقيق تلك الثروة، هل هو الموهبة أم الحظ؟
وقد ضم الفريق -ذا الثلاثة أعضاء- عالما الفيزياء “أليساندرو بلوتشينو” و”أندريا رابيساردا” والخبير الاقتصادي “أليسيو ايمانويل بيوندو”. وتمثلت مهمتهم الأولى في تغذية الحاسوب بكافة الجوانب المتعلقة بالموهبة البشرية، وبعد ذلك برمجته على الطرق التي يسكلها الأشخاص لاستغلال تلك المواهب والمضي قدمًا. والموهبة –كما عُرّفت– هي التمتع بالذكاء والمهارات والعقلية الجريئة التي لا تخشى الخوض في غمار المخاطر…إلخ.
ومن ثم أدخلوا إليه عددًا من المرشحين الوهميين ممن يتمتعون بتلك المواهب، على طول مستوى الانحراف القياسي؛ منحنى الجرس. فمعظم الناس -كما تتوقعون- تتمتع بمستوى متوسط من الموهبة.
وبعد رسم مسار تتبع لتقدم الفرد على مدار الأربعين عامًا -وهي المدة التي يبلغها الشخص عادة في مشوار حياته العملية- لمعرفة العامل الرئيسي وراء بلوغهم ما آلوا إليه -من حيث الدخل المادي- شرع الباحثون في تحديد الأشخاص الأكثر نجاحًا والسبب وراء بلوغهم هذا النجاح. من نافل القول أن المسار لم يكن مستويًا مُمهدًا أمامهم. ففضلًا عن توفير الفرص المواتية، أضاف الباحثون عددًا من العوائق والمعثرات التي من شأنها وضع حياته المهنية على المحك.
الجدير بالذكر أنهم لم يركنوا إلى النتائج الأولية فقط، بل أعادوا التجربة عدة مرات -بالاستعانة بالحاسوب- للتحقق من نتائجها مرة أخرى. إلا أن النتائج لم يكن من الصعب التنبؤ بها. إذ عُرفت النتيجة التي أظهرها الحاسوب بقانون الطاقة أو قانون 80:20.
وقانون الطاقة هو مفهوم مشهور في علم الاقتصاد، ينص على أنه بغض النظر عن النظام الاقتصادي الذي تنظر إليه –ففي كل مكان تقريبًا- تنحصر 80% من مقدار الثروة الإجمالية في أيدي 20% فقط من الشعب. بل وأكثر من ذلك، كان حظهم الجيد هو اللاعب الرئيسي في اكتساب تلك الثروة الهائلة.
ووفقًا لما ذكره مؤلفو الدراسة، فإن “النموذج الأكثر كفاءة وسيطرة على الثقافات الغربية شديدة التنافسية، يعزو إلى الاعتقاد السائد بأن مصدر النجاح الأساسي -وإن لم يكن الحصري- هو الصفات الشخصية التي يتمتع بها الانسان والتي تميزه عن غيره مثل الموهبة والذكاء والمهارات والبراعة والجهود المبذولة والعمل الجاد وتحمل المخاطر.” في حين اعترف المؤلفون أننا نعزي بعضًا من نجاح الفرد إلى دور الحظ في حياته، ونميل في الغالب إلى التقليل من دور القوى الخارجية، ولو أنهم قد يكونوا أكثر العوامل أهمية. هذا في الوقت ذاته الذي نبالغ فيه من دور الموهبة.
وقد وجدت الأبحاث أن الغالبية العظمى من بين العشرين في المائة الأكثر نجاحًا على مستوى العالم ليسوا الأكثر موهبة، بل -على النقيض- كانوا ذوي قدرات محدودة للغاية. الأمر الذي حدا بالباحثين إلى اكتشاف العلاقة العكسية بين الموهبة والنجاح؛ ملخصين إياها في أن “ذروة النجاح لا تتمخض من الموهبة الفذة، والعكس كذلك.”
المضحك في الأمر هو أن الكثيرين -ممن هم على دراية بالأمر- لم يكونوا أقل اندهاشًا من غيرهم.
وقد أيدت بعض الأعمال المهمة -المتخصصة في مجال الأعمال- ذات الشئ، ومثال على ذلك كتاب: الحياة والموت في ميدان معركة الشركة: كيف تربح الشركات، كيف تخسر وكيف تنجو من الأزمات. وكتاب آخر صدر العام المُنصرم تحت عنوان: النجاح والحظ: الحظ الجيد وأسطورة الكفاءة.
ومع ذلك، شتان بين الأدلة السردية الناجمة عن مراقبة ميدان الأعمال وتلك الناجمة عن الحاسوب الذي لا نحصل منه سوى على حقائق باردة وجامدة.
دعونا لا نغفل عن مشكلة التفاوت في الدخل، فإنها لأزمة فعلية آخذة في التفاقم على مستوى الولايات المتحدة ومعظم الدول المتقدمة في العالم. واليوم، يمتلك أغنى ثمان شخصيات في العالم ثروة تفوق تلك التي يمتلكها أدنى ثلاثة ملايين شخص.
من المرجح أن تكون هذه الدراسة مُبهمة ولا تروق لأولئك الذين يرغبون في الحفاظ على ثرواتهم ومكانتهم وقوتهم. ومع ذلك، يظل السؤال المُلح على عقولنا: متى سنشهد نقطة الانهيار وما الطريقة المُثلى لتقسيم الموارد بالتساو بين جنسنا البشري.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا