منشور في موقع (ذي ايكونومست) بتاريخ: 23/3/2016
ترجمة: أحمد طريف المدرس
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
يرتبط عدد قليل من المجالات بإسم شخص واحد، مثل آينشتاين في الفيزياء وفرويد في علم النفس، ونعوم تشومسكي هو الرجل الذي أحدث ثورة في علم اللغة. منذ أن كتب “التركيبات النحوية” في عام 1957، طرح تشومسكي بأن اللغة البشرية تختلف جوهرياً عن أي نوع آخر من التواصل، وأن حتى عالم لغويات من المريخ سيوافق على أن جميع اللغات البشرية هي تفرعات للغة واحدة، وأن قدرة الأطفال على التعلم السريع والناجح بشكل لا يصدق -على الرغم من التدخلات الأبوية العشوائية وغير الواضحة- تعود إلى موهبة تعلم اللغة الفطرية في الدماغ، وتُعد الآن هذه الأفكار مقبولة على نطاق واسع.
على مدى ستين سنة الماضية، قام السيد تشومسكي بتفكيك نظريته مرة بعد أخرى، إذ توجد بعض جوانب اللغة البشرية مشتركة مع الحيوانات، أما بعضها الآخر فهو جزء من الفكر البشري العام. ثم وجّه تركيزه بصورة أدق على ملامح اللغة التي يعتبرها مميزة للبشر بصورة خاصة. كل هذا أنتج كتاباً صغيراً مميزاً، نُشر في نهاية السنة الماضية بالتعاون مع عالم الكومبيوتر (روبرت بيرويك) بعنوان ”لماذا نحن فقط؟“ يزعم تفسير تطور اللغة عند البشر.
وقد قام عدد من علماء البيولوجيا وعلماء اللغويات والأخصائيين النفسيين بدراسة نفس السؤال وتوصلوا إلى إجماع ضئيل. لكن هناك إجماع أقل حول فكرة اللغوي الأكثر شهرة في العالم: أن طفرة جينية واحدة خلقت قدرة سماها “الدمج” في إنسان واحد أطلق عليه تشومسكي اسم(بروميثيوس)، وذلك قبل وقت قليل من الهجرة الجماعية من أفريقيا. كانت هذه الطفرة مفيدة للغاية لدرجة أنها نجت وازدهرت، مما ادى الى 7000 لغة معاصرة من الألبانية إلى الزولو. لكن الاختلافات الشاسعة بين لغات العالم كما يقول تشومسكي هي مجرد اختلافات في العوامل الخارجية وأن المفتاح هو الدمج!
ولكن ما هو الدمج؟ يقول تشومسكي أنه ببساطة امكانية دمج جسمين عقليين في جسم أكبر، وعندها يمكن إجراء العمليات العقلية على الجسم الجديد باعتباره مفرد. “ال” التعريفية يمكن دمجها مع كلمة “قطة” لإعطاء عبارة أسمية، وستتعامل القواعد النحوية مع الكلمة الجديدة على أنها مفردة واحدة. كما يمكن دمج ”ال“ التعريف مع “قبعة”، بعد ذلك يمكننا إجراء المزيد من الدمج فتنتج لنا جملة “القطة في القبعة”. يمكن دمج ”القطة في القبعة“ في جملة فعلية لإنشاء جملة جديدة: “عادت القطة في القبعة”. ويمكن دمج هذه الجملة في جمل أكبر: “تعتقد أن القطة في القبعة قد عادت”. وهكذا
ولكن لم يمتلك أحد القدرة على التواصل مع بروميثيوس على الأقل باستخدام الدمج. (ربما كان البشر يستخدمون الصيحات والإيماء كما تفعل العديد من الحيوانات). لكن القدرة على الدمج ولدت اللغة. حسب تشومسكي لم يتطور الدمج للحديث على الإطلاق. بدلاً من ذلك، سمح لـ (بروميثيوس) بأخذ مفاهيم بسيطة ودمجها بطرق تشبه الجمل في رأسه. أعطته الأفكار المعقدة الناتجة عنه ميزة البقاء على قيد الحياة. وبعدها قام بنقل جين الدمج الطافر إلى العديد من الأطفال الباقين على قيد الحياة الذين ازدهروا وأوصلوا جينات الدمج لأطفالهم، ثم هيمنوا على البشر في أفريقيا. وبعد فترة من الزمن استخدم الدمج في الجهاز الصوتي والسمعي وعندها ظهرت اللغة البشرية.
كثير من العلماء يجدون هذا التفسير غير كافٍ، غير محتمل وغير معقول. استهزأ علماء الأحياء بظهور طفرة واحدة تعطي هذه الميزة الكبيرة كنظرية “وحش مفعم بالأمل”. فمعظم التطور تدريجي، يعمل على العديد من الجينات وليس واحداً فقط. قد توجد بعض القدرات مثل الدمج، ولكن هذا لا يفسر سبب دمج بعض الكلمات وعدم دمج بعضها الآخر، وأقل بكثير من الأسباب التي تجعل لغات العالم تندمج بشكل مختلف.
يقول السيد تشومسكي إن أولئك الذين يختلفون مع أفكاره الجدليّة هم إما عميان أو متهورون. بينما يشير النقاد إلى “جماعة” و “أنصار” حول “القائد العظيم” تشومسكي وغياب الرغبة في في التفكير بجدية في عمل علماء غير تشومسكيين. ينقسم علم اللغة الآن إلى معسكر تشومسكي، وعدد كبير من النقاد. ومن غير المحتمل أن ينتهي به المطاف مثل فرويد، وهو شخصية هامشية في علم النفس الحديث والذي كان له تأثيراً قوياً على العلوم الإنسانية من قبل. من المرجح أن ينتهي تشومسكي مثل آينشتاين، على الأقل بمعنى أن أفضل أعماله وأكثرها تأثيراً جاءت مبكراً.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا