الخليج والربيع العربي – المقال الأول
إعداد: كلكامش نبيل
تصميم: أحمد الوائلي
مؤخراً، انتهيت من قراءة كتاب “دول الخليج والإصلاح في الشرق الأوسط: بين إيران و”الربيع العربي”، للدكتور يوئيل غوجانسكي من كلية العلوم السياسية بجامعة حيفا ومعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والصادر عن دار بالغريف ماكميلان عام 2015.
يقع الكتاب في 4 فصول أساسية، سأحاول تناولها في ثلاث مقالات من أجل تغطية الموضوعات المتشبعة التي يتناولها الكتاب فيما يخص تاريخ دول الخليج والعلاقات والخلافات البينية وعلاقة هذه الدول بالولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل.
لا يُخفى على أحد بأن النفط من أهم أسباب الاهتمام بمنطقة الخليج وأحد عوامل تنامي نفوذها في الإقليم. يشير الكتاب إلى أن منطقة الخليج تضم 47 في المائة من احتياط النفط العالمي المثبت و42 في المائة من اجمالي احتياط الغاز الطبيعي.
لكن هذه المنطقة تشهد ظروفاً غير مستقرة وتهديدات مستمرة، حيث كتب غوجانسكي، ما سأترجمه كالآتي: “يشمل ذلك التغيرات الديمغرافية السريعة، ولاسيما ارتفاع نسبة الشباب والعاطلين عن العمل، وتصاعد قوى الإسلام السياسي والراديكالي، وتنامي فهم معوقات الاعتماد على الدخل الذي يوفره النفط للحفاظ على الاستقرار السياسي والتنمية وصعوبات التنويع الاقتصادي، والحاجة المفهومة للإنفاق الهائل على شراء الأسلحة المتطورة، وإستمرار الاعتماد على الغرب في الدفاع، وتنامي التهديدات الإقليمية من إيران – التي تعمل على تطوير إمكانات نووية – والعراق، الذي يشهد إمكانية تشظي، واليمن، حيث تعتبر آفاق استقرارها أمراً مشكوكاً فيه، و”الربيع العربي”، الذي ستبقى آثاره طويلة الأمد ملحوظة”.
لكل هذه الأسباب وغيرها، ولاسيما قيام الثورة الإسلامية في إيران واندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، سعت دول الخليج لتأسيس مجلس التعاون الخليجي من دون إطار واضح لمهامه أو سبل تطويره. يتناول غوجانسكي هذه المسألة – مع مقدمة تاريخية لها – بشيء من التفصيل. لكن غوجانسكي لا يبدو واثقاً من إمكانية تطوير هذا المجلس أو أن يكون له نفوذ كبير – بسبب الخوف الداخلي من الدول الأصغر من الهيمنة السعودية على القرار، فضلاً عن عدم إمكانية فرض المجلس لقرارات ملزمة على الدول الأعضاء. نقرأ، “مع ذلك، وبعد أكثر من ثلاث عقود على تأسيسه، وفي الوقت الذي تتنامى فيه التهديدات الأمنية، لا يزال أعضاء مجلس التعاون الخليجي يجدون صعوبة في تشكيل سياسة متفق عليها فيما يخص العلاقات الخارجية وقضايا الدفاع وحتى بعض القضايا الاقتصادية.”
الصراع والتعاون في الخليج
يذكر غوجانسكي بأن الانسحاب البريطاني من الخليج عام 1971 يرمز لنهاية الارتباط البريطاني بالمنطقة، وهو ارتباط عمره قرابة 150 عام. يخيم الخوف من إيران على صفحات الكتاب، حيث نقرأ بأن “حكام أبو ظبي ودبي عرضوا على البريطانيين تحمل التكاليف السنوية لإبقاء قوات بريطانية في الخليج بهدف منع انسحابهم المخطط” في حينها، لاسيما وأن إيران قد احتلت الجزر الثلاث قبل يوم واحد من انسحاب القوات البريطانية.
يذكر غوجانسكي بأنه “والى حدٍ كبير، قام شاه إيران بحماية المصالح الأميركية في المنطقة بعد الانسحاب البريطاني من الخليج. مع ذلك، حاولت الولايات المتحدة الابقاء على توازن في القوة عن بعد من خلال تقوية كل من السعودية وإيران في الوقت ذاته. لكن سياسة “التوأمين” هذه، والتي أسسها هنري كيسنجر ، جعلت إيران شرطي الخليج فعلياً، مع افتقار السعودية للقدرة العسكرية للعب هذا الدور.” لكنه يضيف بأن “الثورة الإسلامية في إيران قد أعادت توزيع الأدوار، يكتب، “فبعد شهر من الغزو السوفييتي لأفغانستان، وضع الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في خطاب حالة الاتحاد في 23 كانون الثاني/ يناير 1980، سياسته الجديدة تجاه الخليج، والتي ستعرف لاحقاً بأسم “مبدأ كارتر” أو “عقيدة كارتر”. ستصبح هذه السياسة، النابعة من عودة التهديد السوفييتي الى المنطقة ومن الوضع الجديد في إيران، أساس النهج الأميركي حيال الأمن الإقليمي المستمر، الى حدٍ كبير، حتى يومنا هذا”.
الاستمرارية والتغير في العلاقات الأميركية الخليجية
يرى الكاتب بأن قوة دول الخليج لا يمكن أن “تساوي قوة إيران بسبب غياب العمق الاستراتيجي وعدد السكان الصغير وجيوشهم المحدودة غير المدربة”. في الوقت ذاته يشير الكاتب الى قلق دول الخليج من استمرارية الاعتماد على الولايات المتحدة لاسيما بعد رؤية آل خليفة في البحرين وآل سعود تخلي أميركا عن حلفاءها منذ أمد طويل – الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي – مفضلين دعم “عملية الديمقراطية” في هذه البلدان. ولهذا السبب يقول بأن السعوديين قد أعلنوا حتى عن وقوفهم خلف حكومة عسكرية اذا لم يقدم الغرب مساعدات الى مصر. لكن الولايات المتحدة عبرت عن تحفظاتها بخصوص “الانقلاب”، والذي تراه معارضاً لمصالحها، وقررت تجميداً جزئياً ومؤقتاً لدعمها العسكري لمصر رداً على القمع العنيف لمظاهرات الاخوان المسلمين، بحسب الكاتب.
ويشير الكتاب الى أن هذه الظروف تقلق الدول الخليجية، حيث نقرأ، “يخشى السعوديون احتمالية ابرام اتفاق إيراني غربي يمكن أن يسمح لإيران بالتخلص من عزلتها لتطور، في الوقت نفسه، قدراتها النووية”.
بالاضافة الى ذلك، يذكر غوجانسكي بأن الولايات المتحدة، في السنوات الأخيرة، قد سرعت من وتيرة انتاج الغاز والنفط في الأراضي الأميركية ووفقاً للتوقعات فإنها يمكن ان تصبح مستقلة في مجال الطاقة بحلول نهاية العقد الحالي. ويكتب، “يخشى السعوديون والأماراتيون والكويتيون بأنه اذا ما وصلت الولايات المتحدة للاستقلال التام في مجال الطاقة، فإنها لن تحتاج بعد ذلك لحلفائها العرب وستقلل بشكل كبير استثمارها في الخليج والشرق الأوسط بشكل أوسع.”
مجلس التعاون الخليجي: من التعاون إلى الوحدة؟
في هذا الباب، يتكلم الكتاب عن سعي الدول أعضاء المجلس تطوير عمله وكسب أعضاء جدد بسبب ما يعترض تطوير عمله من مشاكل.
نقرأ، “خلال أكثر من ثلاثين عام على تواجد المنظمة، فإن أعضاء المجلس منقسمين بخصوص كل قضية تطرأ أمامهم تقريباً، بما في ذلك مسألة التدخل الأجنبي في الأمن الخليجي والسياسة تجاه الجيران – إيران والعراق – وسياسة النفط.”
ويرى بأن غزو الكويت “لم يكن اظهاراً لضعفهم فحسب، بل أنه كان تعبيراً عن اختلاف استقبال الدول الأعضاء للتهديدات المختلفة، وهو ما منع المجلس من نشر قوات ردع معتبرة”.
لهذه الأسباب، تم اقتراح إضافة الأردن والمغرب الى المجلس بهدف “تقوية القوة العسكرية المشتركة وتجهيزها بقدرة على الإمتداد البحري وحتى إنشاء قوة شرطة مشتركة.” ويرى الكاتب بأن هذه القرارات نتيجة للشعور المتنامي لدى الدول أعضاء المجلس بالتهديد من إيران والحاجة لتوسيع قاعدة دعمها هناك. ولهذا تمت دعوة الأردن والمغرب في أيار 2011، في خطوة فاجأت الكثيرين، لتقديم تشريح عضويتهما في المنظمة.
في الختام يرى الكاتب بأن المنظمة، بحسب منتقديها، لم تعمل أكثر من كونها مسرحاً تُقدم عليه مشاهد الوحدة العربية.
التعاون الدفاعي في مجلس التعاون الخليجي
لا يرى الكاتب بأن التعاون الدفاعي كان فاعلا قبل دخول “حوالي 2,000 جندي (1,200 من السعودية و800 من الإمارات)، وللمرة الأولى، لتأمين “مواقع استراتيجية” ضد قوى داخلية اتهمت بمحاولة الإطاحة بالأسرة الحاكمة في البحرين.”
مع ذلك، يرى الكاتب بأن الخوف من الرياض، من خلال تعزيز تنفيذها لمبادرتها وطموحها في فرض اجندتها السياسية والاقتصادية، على الدول الأخرى الأعضاء في المجلس، هو التهديد الثاني بعد الخوف من إيران.
وهكذا تتظافر عوامل كثيرة في إعاقة فاعلية هذا المجلس، لأسباب ديموغرافية وعسكرية وسياسية، وخوف من هيمنة الطرف الأكبر – السعودية – على الدول الأصغر.