نشر بموقع: (ذي إيكونوميست)
بتاريخ: 21 أبريل 2018
ترجمة: رشا الخطيب
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
شعب (الباجاو) شعب يعيش في أرخبيل الملايو، قضوا معظم حياتهم في البحر، عاشوا على القوارب أو في أكواخ طافية على أعمدة خشبية على الشعاب المرجانية الضحلة، تنقلوا من مكان لمكان في أساطيل تحمل القبيلة بأكملها، كانوا يعيشون على نظام غذائي مكون بالكامل من الأطعمة البحرية، وقد قضوا 60% من أيام عملهم تحت الماء ليتمكنوا من تجميع الطعام.
وكما هو متوقع، فإن قدراتهم على الغوص مذهلة، فهم يغوصون أحياناً لأكثر من 70 متر، وبإمكانهم البقاء تحت الماء لأكثر من خمس دقائق باستخدام مجموعة أثقال لتقليل الطفو ونظارة واقية مزودة بعدسات تم تصميمها من البقايا الزجاجية التي بإمكانها مقاومة التشويش في مثل هذا العمق، وحيث إن شعب (الباجاو) عاشوا بهذه الطريقة لمدة طويلة (تشير الدراسات التاريخية لـ 1000 عام على الأقل)، فإن بعض الباحثين تكهن أنهم يحملون صفات وراثية ساعدتهم على التكيف مع أسلوب حياتهم المميز، وأثبتت هذا الأمر (ميلسا إيلاردو) و(رامسوس نيلسون) من جامعة كاليفورنيا.
إن غمر وجه شخص ما في الماء البارد وإلزامه بكتم أنفاسه يحفز ما يطلق عليه “ردة فعل الغوص”، وهذا يتضمن انخفاض معدل نبضات القلب للاحتفاظ بالأوكسجين، وإعادة توجيه الدم من الأنسجة السطحية إلى الأعضاء الأكثر احتياجاً للأوكسجين مثل الدماغ والقلب والرئتين، وانكماش الطحال، وهو عضو يعمل كاحتياطي لخلايا الدم الحمراء المؤكسدة في حالة الطوارئ، بحيث يُرسَل العدد الزائد لتلك الخلايا إلى مجرى الدم؛ قررت الآنسة (إيلاردو) والدكتور نيلسون التحقق فيما إذا كانت الجينات والتشريح لشعب الباجاو تحفز ردود الفعل تلك.
للقيام بذلك، سافرت الآنسة (إيلاردو) إلى (إندونيسيا) واستعانت بتسعة وخمسين (59) شخص من (الباجاو) الذين أبدوا استعدادهم لإعطائها عينات من اللعاب لتحليل الحمض النووي، وكذلك قياس الطحال بالأشعة فوق الصوتية؛ وليكن بمثابة الرقابة، عينت أيضاً ثلاثة وأربعين (43) عضواً من قبيلة (السالوان)، وهم مجموعة أشخاص لا يفقهون علم البحر وهم جيران لشعب (الباجاو)؛ أظهرت عمليات مسح الطحال أن حجم الطحال عند (الباجاو) أكبر من مثيله عند (السالوان)، وهو اختلاف غير متصل بكون الشخص غواص منتج أو شخص قضى أغلب وقته عاملًا على قارب فوق الأمواج، وهذا يشير إلى أن أجداد (الباجاو) هم المسؤولون عن كبر حجم الطحال وليست أنشطة الغوص.
يطلعنا تحليل الحمض النووي على قصة مماثلة؛ كان من إحدى النتائج المثيرة للاهتمام التحور في جزء من جينيوم (الباجاو) الذي ينظم نشاط الجين المعروف بمشاركته في التحكم في تدفق الدم، ومثل هذا الدم يمكن إرساله بشكل تفضيلي إلى الأعضاء الحيوية المفتقرة للأكسجين، وأظهرت نتيجة أخرى أن التحور كان في الجين المسؤول عن إنتاج “مثبطات الأنهيدريز الكربوني” وهو أنزيم يبطئ من تكون ثاني أكسيد الكربون في مجرى الدم وهي ظاهرة مرتبطة بالغوص المبالغ فيه، وقد ظهرت أيضاً التغييرات في الجينات المرتبطة بتقلصات العضلات حول الطحال والاستجابة لمستويات الأكسجين المنخفض.
وبوضع تلك النتائج سوياً، جادلت الآنسة (إيلاردو) والدكتور (نيلسون) أن الحاجة لجمع الطعام عن طريق الغوص في حالة (الباجاو) قد أدت في الواقع إلى تطور مجموعة أشخاص وُلدوا ليغوصوا، وسواء أكان هذا التطور قد نشأ من فشل هؤلاء ممن لا يجيدون الغوص لجمع الطعام الكافي لإعالة أسرة كبيرة، أم نشأ من ملاقاتهم لحتفهم في محاولة فعل ذلك، فإن ذلك سيتحدد فيما بعد.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا