كتبه لموقع (ذي كونفرسيشن): جورج باسباي
بتاريخ: 16 فبراير 2018
ترجمة: رشا الخطيب
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
استعان الباحثون مؤخراً بالحمض النووي المستخرج من هيكل عظمي عمره 10,000 عام لــ “إنسان شيدر”، وهو واحد من أقدم الهياكل العظيمة البريطانية، وذلك من أجل الكشف عن هيئة السكان البريطانيين الأوائل، وهذه ليست المرة الأولي التي يُقدم لنا الحمض النووي نتائج مثيرة للاهتمام عن أسلافنا، فقد قامت التطورات السريعة في التسلسل الجيني على مدار العقود القليلة الماضية بفتح آفاق جديدة على الماضي.
تزاوج أسلافنا مع النينادرتال (البشر البدائيون)
من المعروف لعلماء الآثار أن الانسان الحديث والنينادرتال قد عاشا معاً في أوروبا وآسيا، ولكن طبيعة التعايش بينهم لم تكن معروفة حتى وقت قريب.
في الحقيقة، بعدما تم وضع سلسلة أول جينوم كامل للميتاكوندريا (حمض نووي يقع في ميتاكوندريا الخلية) للنينادرتال في 2008، كان الشك لا يزال قائماً بين علماء الآثار وعلماء الجينات عما إذا كان البشر قد تزاوجوا مع أقرب أقربائنا.
مع تسلسل الجينوم الكامل للنينادرتال عام 2010، أظهرت المقارنات مع الحمض النووي للإنسان الحديث أن غير الأفارقة لديهم بعض الجينات من النينادرتال، وهذا قد يحدث إذا تزاوج البشر والنينادرتال منذ ما يقرب من 50,000 عام، وهو استنتاج تم تأكيده منذ سنوات قليلة.
2. ساهم التزاوج سكان التبت على العيش في الجبال
من المثير للدهشة أن مواعدة النينادرتال ليست فقط ما أبقى أسلافنا على قيد الحياة؛ عندما تم وضع سلسلة الحمض النووي من إصبع متحجر من كهف في جبال ألتاي بصربيا الذي كان يُعتقد أنه لإنسان بدائي، أظهر التحليل الجيني أن الإصبع يرجع لفصيلة جديدة من البشر، ويمتد إلى البشر الأوائل ولكن ليس مرتبطاً بهم ارتباطاً وثيقاً، وبتحليل كامل الجينات، تبين أن فصيلة (الديسوفانس) تلك تزاوجت أيضاً مع أسلافنا.
أما عن سكان التبت الذين عاشوا بين بعض من أعلى الجبال في العالم، فهم قادرون على العيش بالمرتفعات حيث لا يتحمل أغلب البشر نقص الأوكسجين؛ أظهر التحليل الجيني أن سكان التبت، إلى جانب قاطني جبال أثيوبيا والإنديز، يتمتعون بقدرة خاصة على التكيف الجيني الذي يمكنهم من استهلاك الأوكسجين في هواء الجبل قليل الكثافة.
نحن نعلم الآن أن التكيفات الجينية للمرتفعات لدى سكان التبت الناتجة عن امتلاكهم لشكل مختلف لجين معين يطلق عليه “EPAS1″، هي في الواقع موروثة من خلال تزاوج الأسلاف مع (الديسوفانس).
وقد تبين أن تلك التحسينات التي طرأت على المناعة والأيض والحمية الغذائية عند الإنسان الحديث ترجع أيضاً إلى تغيرات جينية نافعة موروثة من خلال التزاوج مع كل من النينادرتال و(الديسوفانس).
3. تطور أسلافنا بسرعة مدهشة
ينتسب التزاوج لفئة قليلة فقط من تكيف البشر حول العالم، وتُظهر لنا تحاليل الحمض النووي أن أسلافنا تنقلوا حول العالم وتكيفوا مع البيئات والأنظمة الغذائية المختلفة أسرع بكثير مما يُعتقد في بادئ الأمر.
على سبيل المثال، من الأمثلة على قدرة البشر على التكيف، القدرة على تحمل اللاكتوز، فالقدرة على هضم الحليب بعد سن الثالثة ليست قدرة عالمية – وكان يُعتقد أنها انتشرت في أوروبا بانتشار الزراعة من الشرق الأوسط قبل 10,000 عام.
عندما ننظر للحمض النووي للبشر على مدار الـ 10.000 عام الماضية، نرى أن التكيف المألوف حالياً في أوروبا الشمالية، لم يكن موجوداً منذ حوالي 4,000 عام مضت، وحتى في ذلك الحين كان وجوده نادراً، وهذا يبين السرعة المذهلة التي انتشر بها تحمل اللاكتوز في أوروبا.
4. البريطانيون الأوائل كانوا ذوي بشرة داكنة
أظهر الحمض النووي لواحد من البريطانيين الأوائل (إنسان شيدر) أنه كان صاحب بشرة داكنة وعينين زرقاوتين، وبالرغم من تسميته الأجنبية، فنحن نعرف أيضاً من حمضه النووي أنه كان غير قادر على هضم الحليب.
وكما أنه من المذهل والمفاجئ في الأمر أن نعلم أن بعض من أوائل البشر الذين سكنوا الجزيرة المعروفة حالياً باسم “بريطانيا” قد كانوا ذوي بشرة داكنة وعينين زرقاوتين، فإن هذا المزيج المدهش لم يكن مفاجئاً تماماً خاصة بالنظر إلى ما نعرفه عن العصر الحجري في أوروبا من الحمض النووي القديم؛ كان سواد البشرة شائعاً بين الصيادين مثل إنسان الشيدر الذي كان يقطن أوروبا في الألفية التي سبقت وجوده، أما عن زرقة العينين فكانت موجودة منذ العصر الجليدي.
5. المهاجرين من الشرق جلبوا البشرة البيضاء إلى أوروبا
إذا كانت سمرة البشرة هي الشائعة في أوروبا منذ 10,000 عام، كيف اكتسب الأوروبيون بشرتهم البيضاء؟ لم يعد هناك المزيد من الصيادين في أوروبا، وظل القليل منهم حول العالم، وبالتالي حلت الزراعة محل الصيد كأسلوب للحياة، ومن المعروف أن الزراعة في أوروبا انتشرت من الشرق الأوسط؛ يُعلّمنا علم الوراثة أن هذا التغيير ينطوي أيضاً على حركة تنقل ضخمة للبشر.
حدث توافد ضخم للبشر من السهول الروسية والأوكرانية منذ حوالي 5,000 عام، وجلب سكان “يامانا” الخيول المُروّضة والعجلات لأوروبا، وحتى اللغة الهندية الأوروبية البدائية التي تألفت عنها جميع اللغات الأوربية الحديثة تقريباً.
من المستحسن افتراض أن كلّاً من جماعات مهاجري (اليامانا) أو الشرق الأوسط هم من أدخلوا البشرة البيضاء، ثم انتشر بعد ذلك، نتيجة فوائده كوسيلة للتكيف مع المستويات المنخفضة لضوء الشمس؛ من المعتقد أن اللون الفاتح للبشرة يساعد الإنسان على امتصاص أشعة الشمس بشكل أفضل والاستفادة من فيتامين (د) الموجود فيها.
المقال باللغة الإنكليزية: هنا