ترجمة: ياسر منهل
تدقيق: ريام عيسى
تصميم: حسام زيدان.
نشرت هذه المقالة أولاً في مجلة جريس(Grist) ضمن جهود مكتب التعاون المناخي إن كنت مثلي فأنك على الأرجح لا تعير اهتماماً لظاهرة البتكوين لسنوات ربما لأنها تبدو معقدة جداً وصعبة المنال أو ربما لأنها عملة متحررة من كافة أشكال القيود، أو إن كان لديك أي اهتمام بمستقبل ما يتجه إليه العالم ما بعد عصر الوقود الاحفوري فيتوجب على كلانا أن نبدأ بتركيز اهتمامنا على هذا الأمر الآن. تجاوزت قيمة البتكوين الواحد في الأسبوع الماضي حاجز ال $ 10,000 للمرة الأولى، وما بعد عطلة نهاية الأسبوع بلغت قيمة البتكوين 12,000$ تقريباً، أما قيمة البتكوين في بداية هذه السنة فكان اقل من 1,000$. ولو افترضنا انك اشتريت عملات بتكوين المشفرة بمبلغ $100 في عام2011، فإن استثمارك هذا ستبلغ قيمته 4 ملايين دولار امريكي اليوم، حيث يعج الأنترنت بالعديد من القصص عن اشخاص قاموا بدعوة اصدقائهم على وجبة غداء قبل سنوات قليلة وسددوا ثمن تلك الوجبة بعملة البتكون من باب حب التكنولوجية والحداثة ولكنهم ادركوا الآن انهم لو سددوا ثمن الوجبة نقداً واحتفظوا بعملتهم الرقمية لكانوا الآن يملكون من المال ما يكفي لشراء منزل! إن هكذا ارتفاع جنوني بقيمة هذه العملة الرقمية يعد مثار لتساؤلات عديدة من دون شك، خصوصاً إذا علمنا أن الهدف من انشاء عملة البتكوين هذه لم يكن لجعلها أداة استثمار، حيث أن مخترعيها كانوا يأملون من اختراعهم هذا جعلها بديل للنقود بحد ذاتها، بوصفها وسيلة غير مركزية وامنة ومجهولة لنقل وتحويل القيمة بين الناس.
ولكن ما غاب عن حساب مخترعي هذه العملة هو كمية الطاقة التي ستستهلكها شبكات الحاسوب بسبب البتكوين يوم ما، وببساطة فإن البتكوين تتسبب في ابطاء الجهود المبذولة في عملية التحول السريعة بعيداً عن استخدام الوقود الاحفوري، لا بل إن هذا هو رأس الجبل الجليدي للمشكلة التي سببتها عملة البتكوين، ففي ظل تأثيراتها السلبية المتنامية على المناخ فأنها تعد الآن تطور خبيث لا بل أنها أسوء من ذلك بكثير. توفر العملات المشفرة كالبتكوين خدمات فريدة مثل اجراء صفقات مالية من دون الحاجة لإصدار الحكومة للعملات النقدية او من دون الحاجة للمصارف للقيام بعمليات الدفع. حيث يسمي ديريك تومبسون (Derek Thompson)، في مقاله المنشور في مجلة الاطلنطي (The Atlantic)، عملة البتكوين “بالتقنية المبتكرة والتحويلية تماماً ” التي من الممكن ان يُبنى عليها الاقتصاد بالكامل – حيث أنها المكافئ للنقود في عالم الانترنت، لا بل أن بعضهم قد توقع أن تجرد البتكوين الدولار من قيمته يوماً ما.
بيد أن ارتفاع البتكوين هذا يجري في لحظة حرجة من التاريخ حيث أن البشرية لاتزال متأخرة عقود في سعيها لمواجهة التغير المناخي مما يحتم تقييم كل حركة في هذا العصر وفق تأثيرها الفعلي على المناخ وهو الاختبار الذي لا تزال تثبت فيه البتكوين فشلها بصورة متزايدة.
إن التعاملات المالية الرقمية تأتي متوافقة مع السعر الفعلي (الحقيقي) في عالمنا، حيث خَلق النمو الهائل للعملة المشفرة طلباً مضاعفاً للطاقة الحاسوبية. وينتج عن النمو المتزايد لعملة البتكوين مشاكل رياضية متزايدة يتوجب على الحواسيب حلها من اجل تكوين المزيد من عملات بتكوين، وهي العملية التي تعرف بعملية (التنقيب)ـــ وهي طريقة مصممة لغرض التحكم بتزويد العملة. تتطلب عملية تحويل كل عملة بتكوين واحدة اليوم نفس قدر كمية الطاقة المستخدمة لتزويد تسعة منازل في الولايات المتحدة ليوم واحد، كما أن المنقبين عن البتكوين لايزالون مستمرين بتركيب المزيد من الحواسيب الأكثر سرعة، حيث أن اجمالي الطاقة الحاسوبية المستخدمة في التنقيب عن البتكوين في يومنا هذا أكبر ب 100,000 مرة من قدرة أسرع 500حاسوب خارق في العالم مجتمعة. يعد اجمالي الطاقة المستخدمة في أجهزة هذه الشبكات كبير جداً حيث يقدر ب 31 تيراوات/ساعة سنوياً، وهي الطاقة التي يستهلكها اكثر من 150 بلد صغير سنوياً، لا بل أن هذه الشبكة المتعطشة للطاقة الكهربائية يزداد استخدامها للطاقة كل يوم بمقدار 450 جيجاوات/بالساعة اي نفس كمية الطاقة التي تستهلكها دولة هاييتي في سنه كاملة. إن هكذا استهلاك للكهرباء، بسبب التنقيب عن البتكوين، يتسبب بسحب الطاقة الكهربائية من الشبكة الكهربائية في كل انحاء العالم حيث، أن هذه الطاقة بدل أن تذهب للسيارات التي تعمل على الكهرباء او لإنارة البيوت تتحول عوضا ًعن ذلك الى مزارع التنقيب عن البتكوين. ومثال على ذلك ما يحدث في فنزويلا حيث تسبب التضخم الهائل والكهرباء المدعومة حكومياً إلى ازدهار سوق البتكوين، حيث يتسبب ذلك في انقطاع الكهرباء في كافة انحاء البلد بصورة متكررة، ومن الجدير بالذكر أن أضخم مزارع التنقيب عن البتكوين توجد في الصين حيث أنهم يستخدمون طاقة السدود الكهرومائية التي تعد من أرخص مصادر توليد الطاقة النظيفة الخالية من الكاربون. ويذكر أن أحد مستخدمي سيارات تيسلا (Tesla) العاملة على الطاقة الكهربائية حاول أن يجري عملية تنقيب عن البتكوين في سيارته مستفيداً من الكهربائية المجانية التي توفرها محطات الشحن الكهربائية العامة.
من المتوقع في غضون أشهر من الآن، وبالنظر لنسبة النمو الهائلة في عملة البتكوين فإن الطاقة الكهربائية المطلوبة لتشغيل شبكات العملة المشفرة ستتجاوز حدود المتوفر مما يتطلب انشاء محطات توليد جديدة. وفي ظل الوعي بمشاكل المناخ والسباق الجاري لاستبدال الوقود الاحفوري بمصادر طاقة متجددة، إلا إن الضغط على الشبكة الكهربائية يعني المزيد من المنشئات العاملة بالتكنولوجية الغير نظيفة، اذ تحتاج شبكة التنقيب عن البتكوين بحلول شهر تموز من عام 2011 الى طاقة كهربائية تفوق ما تحتاجه الولايات المتحدة من كهرباء، وبحلول شباط من عام 2020 ستستهلك هذه الشبكة كهرباء أكثر من الكهرباء الذي يستهلكه العالم بأجمعه في اليوم.
بيد أنه من المستحيل الاستمرار بهذا المسار الغير قابل للاستدامة. تبذل حالياً جهود عديدة ومحاولات قيد التنفيذ تهدف لإصلاح الطريقة التي تُجري بها شبكة البتكوين تعاملاتها المالية، على امل أن تستهلك هذه العملية كهرباء أقل لإنتاج البتكوين يوماً ما. ولكن في ظل التقدم التقني الحاصل في بقية المجالات مثل تقنيات الري الحديثة في مجال الزراعة واستخدام تقنية الصمام المضيء (LED) في الانارة الخارجية، فإن اختراع أنظمة جديدة وكفؤة للتنقيب عن البتكوين قد تجذب اهتمام الالاف من المنقبين الجدد لتطوير أنظمة جديدة للتنقيب تكون أكثر استدامة من أنظمة التنقيب الحالية. أصبح من المؤكد الآن أن العبء المتزايد الذي تفرضه تعاملات البتكوين على الشبكة الكهربائية سيحرف مسار التقدم عن الجهود المبذولة لسد حاجة العالم من الكهرباء وتقليل انبعاثات الكاربون. وفي الحقيقة وحسب رأيي فأنها قد بدأت بالفعل لكن السؤال الوحيد المطروح هنا هو تحت أي ثمن سيتحقق هذا؟
المصدر هنا