ترجمة: نعمان البياتي
تصميم: مكي السرحان
إذا كان بإمكانك انقاذ حياة خمسة أشخاص، بدفع شخص سادس متفرج أمام قطار ليموت، هل ستفعلها؟ وهل سيختلف جوابك على هذه المعضلة فيما لو عُرضت عليك بلغة غير لغتك الأم؟
وجد مجموعة من علماء النفس في جامعة شيكاغو، أن الأشخاص الذين يتعاملون مع المعضلة السابقة، بلغة أجنبية، يميلون أكثر إلى التضحية بالشخص المتفرج، من أولئك الذين يستخدمون لغتهم الأم؛ في بحث نشر بتاريخ 14 أغسطس في مجلة (Psychological Science)، قام علماء النفس بجامعة شيكاغو بخطو خطوة كبيرة تجاه فهم ما يحدث.
“حتى الآن، وَصَفنا نحن، وعلماء آخرون، الطريقة التي تؤثر فيها اللغة الأجنبية على طريقة تفكيرنا” قال بواز كيسر، أستاذ علم النفس في جامعة شيكاغو، والذي في مختبره أُجريَ البحث، “كان عندنا تفسيرات دائماً، لكننا لم نختبرها، هذا في الحقيقة، أول بحث يوضح الأسباب مع الأدلة”.
قام كيسر وزملاؤه، من خلال مجموعة من الاختبارات، بفحص ما إذا كانت قرارات الناس في معضلة القطار، بسبب نقص في مشاعر عدم الارتياح من كسر تقليد محرَّم (التضحية بروح بريئة)، أو زيادة في التفكير المتأنّي المصاحب للجانب النفعي ولزيادة المصلحة العامة (إنقاذ خمسة أرواح)، أو خليطاً من الاثنين.
“لقد وجدنا أن مستخدمي اللغة الأجنبية، لم يعد لديهم الرغبة في زيادة المصلحة العامة” يقول المؤلف الرئيسي للبحث سايوري هاياكاوا، طالب الدكتوراه في علم النفس في جامعة شيكاغو، ويستكمل “بل كانوا أقل نفوراً من انتهاك الممنوع (أكثر جرأة على انتهاكه)، والذي يقف بينهم وبين اتخاذ القرارات ذات النفع الأعلى”.
الباحثون، ومن ضمنهم، ألبرت كوستا، وجوانا كوري، من جامعة (Pompeu Fabra) في برشلونة، يقترحون أن استخدام لغة أجنبية يعطي الناس مسافة عاطفية، ويسمح لهم باتخاذ السلوك الأكثر نفعاً؛ يقول كيسر: “لقد كنت متفاجئاً جداً، فتوقعي كان أننا سنجد أن الفرق يكمن في مدى اهتمامهم بالصالح العام، لكن الأمر لم يكن كذلك أبداً”.
تقترح دراسات مختلفة حول العالم، أن استخدام الناس للغة أجنبية، يجعل سلوكهم أكثر نفعيّة، فالتحدث بلغة أجنبية يبطِّئك، ويتطلب تركيزاً أعلى لتَفهم؛ ويفترض العلماء أن النتائج تمثل تفكيراً متأنّياً ومتعمّداً للذهن، والذي يُفضِل أن يكسب فائدة إنقاذ خمسة أرواح، على تحمل المشاعر السلبية لدفع شخص واحد إلى الموت.
ولكن خبرة كيسر الشخصية، كونه يتحدث لغة أجنبية وهي الإنكليزية، أعطته شعوراً بأن العاطفة مهمة؛ فالإنكليزية لا توفر له مشاعر الصدى الداخلي الذي توفره له لغته الأم، العبرية؛ فمعضلة القطار لم تكن مرتبطة بالمشاعر بشدة، وهو الشعور ذاته لدى العديد من الأشخاص ثنائي اللغة، والذي أثبتته العديد من الدراسات المختبرية.
يقول هاياكاوا: “أنت تكسب لغتك الأم من عائلتك، ومن أصدقائك، ومن التلفاز. تصبح اللغة مغروسة في جميع هذه المشاعر”؛ اللغات الأجنبية، بالمقابل، يتم تعلّمها لاحقاً في المدارس، وربما لا تقوم بإطلاق المشاعر بنفس القوة.
المشكلة أن توجّه “الأكثر نفعاً”، أو “الأقل عاطفيةً” سيعطي النتائج نفسها. ولمعرفة أيّها هو المسؤول عن هذا السلوك، تعاون العلماء مع دافيد تانينباوم، الأستاذ المساعد في جامعة يوتاه.
تانينباوم خبير في تقنية تدعى (process dissociation)، والتي تمكن الباحثين من استخلاص وقياس الأهمية النسبية للعوامل المختلفة المؤثرة على عملية اتخاذ القرارات. من أجل البحث هذا، قام العلماء بست دراسات منفصلة على ست مجموعات مختلفة من الأشخاص، من بينهم متحدثون باللغة الإنكليزية، والألمانية، والإسبانية، كلغة أم؛ كما أن الجميع كان يتحدث إحدى اللغات الأخرى أيضاً، لكي تكون جميع الاحتمالات موجودة بشكل متساوٍ؛ كل شخص حُدِد باستخدام لغة واحدة، إما الأصلية أو الأجنبية، وبشكل عشوائي، خلال التجربة.
قرأ المشاركون مصفوفة من أزواج من السيناريوهات، والتي كانت تتنوع بشكل منظّم؛ على سبيل المثال، بدلاً من قتل شخص لإنقاذ خمسة آخرين من الموت، سُئلوا عن استعدادهم لقتل شخص لإنقاذ خمسة آخرين من جروح طفيفة. فالعمل المحرم أو الممنوع (قتل شخص) هو نفسه، لكن الآثار المترتبة متنوعة.
يذكر هاياكاوا: “إن كان لديك ما يكفي من أزواج من السيناريوهات، ستتمكن من توقع العوامل التي ينتبه لها الناس؛ لقد وجدنا أن مستخدمي اللغة الأجنبية، لم يكونوا يهتمون للأرواح التي يتم إنقاذها، لكنهم بالتأكيد كانوا أكثر ارتياحاً لكسر قاعدة (قدسيّة الروح البريئة)”.
البحوث اللاحقة تحاول معرفة أسباب ذلك. هل استخدام اللغة الأجنبية يُضعف من تصوّر الناس لعواقب اختياراتهم، مما يجعلهم أكثر قدرة على اتخاذ قرار التضحية؟ هل يَضعف عندهم تكوين الصور الذهنية بسبب اختلاف تأثير اللغة الأجنبية على الذكريات التي تتبادر إلى الذهن؟
الباحثون كذلك يحاولون دراسة، مقدار مطابقة نتائج بحوثهم المختبرية على أحداث حقيقية، حيث تكون المخاطر عالية. دراسة أخرى يقوم بها فريق كيسر في إسرائيل، للبحث ما إذا كانت فرق مفاوضات السلام، تُقيّم الشروط والمقترحات بشكل مختلف، فيما إذا عرضت عليهم بلغتهم، أو بلغة الفريق المقابل.
كيسر مهتم كذلك، فيما إذا كانت اللغة مفيدة، لعملية اتخاذ القرارات من قبل أطباء يتحدثون لغة أجنبية. “يمكنك توقع الاختلافات في اتخاذ القرارات الطبيّة، اعتماداً على اللغة التي تستخدمها، في بعض الحالات قد تفضل ارتباطاً عاطفياً أقوى، وفي بعض الحالات عكس ذلك”.
رابط المقال بالانكليزية: هنا