ترجمة: ذو الفقار علي
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: مكي السرحان
كتب عالم الرياضيات الفرنسي بليز باسكال (كل معاناة الرجال تأتي من كونهم لا يستطيعون الجلوس بهدوء في الغرفة لوحدهم) غالباً في حياتنا المشغولة يأتي هذا بسبب أن لدينا الكثير من العمل واحياناً بسبب عدم قدرتنا على اطفاء اجهزتنا الذكية والجلوس.
في خضم حياتنا المشغولة يكون لدينا وقت قليل للعزلة. هذا مخزي لأن العديد من الافكار العظيمة تؤكد أن القدرة على الجلوس وحيداً مع افكارك هي مهارة عظيمة يمكن للعديد من الناس أن يستفيدوا منها.
على الرغم من ذلك هنالك اختلاف بين العُزلة والوحدة، وهذا يمكن أن يقتلك. بعضنا خاصةً الاذكياء منا، يستمتعون باللحظات الهادئة مع انفسهم دائماً. لكن البعض الاخر هم في وحدة حقيقية. هذا اكثر من مجرد شعور سلبي -يمكن أن يكون له تأثير كبير على صحتك. وهذا التأثير اكبر مما نتخيل.
أشار البحث إلى أن الوحدة يمكن أن تزيد من خطر الموت بشكل كبير. حتى يمكن أن تكون مؤشراً أقوى من السمنة للموت المبكر. في دراسة تحليلية لأكثر من 200 دراسة والتي تشمل مئات الآف من المرضى كانت قد بينت أن هناك دليل قوي على أن العزلة الاجتماعية والوحدة تزيد بشكل ملحوظ من خطر الموت المبكر، وحجم الخطر يتجاوز المؤشرات الصحية الاخرى. وفقاً لرئيس البحث هولت لونستاد.
ايضاً معروف أن الوحدة المزمنة يمكن أن تسبب مشاكل صحية معينة. جون كاسيوبو يخبرنا أنها يمكن حتى أن تؤدي الى ارتفاع مستوى الكورتيزول، هرمون الإجهاد الرئيسي، فضلاً عن مقاومة الاوعية الدموية العالية والتي يمكن أن ترفع ضغط الدم وتقلل من الدم المتدفق الى الاعضاء الحيوية. واشارة خطيرة قد تنشط في الدماغ بفعل الوحدة تؤثر في انتاج خلايا الدم البيض وهذا يمكن أن يؤدي الى ضعف الجهاز المناعي في قدرته على محاربة العدوى.
هذه الاخبار لن تصدم ارسطو الذي قال قبل الفي سنة أن الصداقة هي من متطلبات الحياة الجيدة. لقد افترض أن عدم وجود اصدقاء في حياتنا فأننا لا يمكن أن نستمتع فعلاً بكوننا بشر. أن المفهوم الذي يقول أننا بيولوجياً نعتمد على امتلاك مستوى معين من التفاعل الاجتماعي سوف يعني فقط أن لدينا التزاماً عظيماً لتعليم الناس على كيفية تكوين الصداقات وكيف أن تكون صديقاً.
اليوم يعاني أكثر من 40 مليون بالغ عمرهم يتجاوز 45 سنة في الولايات المتحدة من الوحدة المزمنة. الصورة التي لديك لرجل كبير السن حزين في مستشفى خاص هي صحيحة الى حدٍ ما، على الرغم من ذلك ، هذه الاحصائيات ايضاً ترتبط بالتغيرات السكانية الاخرى. مثل نقصان معدلات الزواج وعدد الاطفال لكل زوجين. مع ذلك ايضاً صحيح أن الناس المسنين يمكنأان يكونوا في خطر كبير للتعرض للوحدة، 1 من كل شخصين اعمارهم تتجاوز 85 سنة في الولايات المتحدة يعيشون وحيدين. هذا محبط جداً لأن الوقت المتوقع أنيعيشوه قصير بشكل ملحوظ.
على الرغم من ذلك في نفس الوقت ، يشتكي الناس من عدم وجود الوقت الكافي لانفسهم، وأظهرت الدراسات أن هؤلاء الناس سعداء اكثر عندما يكونوا قادرين على شراء الوقت بدلاً من الاشياء. حنا آرنت (سياسيّة وباحثة امريكية ) زعمت أن عدم القدرة على الجلوس وحيداً والتفكير كان السبب في كون ايخمان (من المنظمين الرئيسين للمحرقة اليهودية) أداة في المحرقة اليهودية. بالنسبة لها (حنا آرنت)، القدرة على الجلوس والتفكير بنفسك، وهو جزء اساسي للعُزلة، كان الأداة التي تقود للحرية. بدونها طغيان الاغلبية، او حتى الشمولية المطلقة ، سوف تتبعها. القدرة على أن تكون وحيداً هي المفتاح للشخصية ، بالنسبة ل حنا.
لكن رجلاً واحداً ذهب بعيداً، فقد اقترح أن الوحدة كانت جيدة لنا.
شوبنهاور، الفيلسوف المكتئب، جادل بأن الافضل منا في الحقيقة سوف يختارون العُزلة. اعتبر أن مثل هؤلاء الناس “حكماء”، هؤلاء الناس سوف يكونون رهبان، ينسحبون من المجتمع والرغبة والانشغال في عيش حياةٍ بسيطة. هذه القلة النادرة ، لذلك زعم أن هؤلاء الناس في الحقيقة سعداء. متحررين من الغرور و التفاهة ويمكن أن يذهبوا ليجدوا المتعة الفكرية، مع ذلك حتى شوبنهاور لم يقدر أن يتحول لمثل هذه الحياة.
هذا تناقض غريب – نحن نعاني من الوحدة وعدم القدرة لنحظى بوقت لأنفسنا. التكنولوجيا جعلتنا مرتبطين اكثر مما سبق. وذلك لم يجعلنا أسعد او حتى اقل انعزالاً. نحن نحتاج أن نتعلم ليس فقط لاعادة الترابط بيننا، لكن لكي نكون وحيدين كذلك. التناقض مناسب للعصر الحديث والترابط العالي والعمر.
المصدر: هنا