بقلم: نيل ويلكينز “NEIL WILKINS”
منشور بتاريخ: 4 سبتمبر 2017
ترجمة: نعمان البياتي
تصميم: مكي السرحان
يُعتقد أن كوريا الشمالية أجرت تجربة تفجير قنبلة هيدروجينية. وتم التقاط الموجات الزلزالية تحت الأرض في الصين، وكذلك كوريا الجنوبية واليابان – كلتاهما أكّدتا بشكل مستقل إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية. فماذا يخبرنا علم الزلازل عن هذه التجارب؟
تاريخ استخدام التقنيات الزلزالية لمراقبة التجارب النووية
لقد بدأ استخدام ما يُسمى بعلم الزلازل (forensic seismology) لرصد وكشف التجارب النووية، منذ ولادة الأسلحة النووية نفسها؛ إذ قامت الولايات المتحدة في عام 1946، بأول تجربة لقنبلة ذرية تحت الماء في (Bikini Atoll) في المحيط الهادئ؛ موجات الصدمة التي ولدها الانفجار الهائل، التُقِطَت من قبل أجهزة كشف الزلازل في جميع أنحاء العالم، وأيقن العلماء أن علم الزلازل، يمكن استخدامه في مراقبة هذه الاختبارات.
في عام 1963، وفي أوج الحرب الباردة، انتقلت التجارب النووية تحت الأرض؛ والموجات الزلزالية الناتجة عن التجارب تحت الأرض، يصعب رصدها، لأن الاهتزاز يكون صغيراً جداً عبر هذه المسافات الطويلة – نحو واحد من مليون من السنتيمتر.
ولقياس الموجات من التجارب تحت الأرض، طور العلماء أجهزة كشف زلازل أكثر دقة، وبدأوا بنصب المصفوفات الزلزالية (seismic arrays)، حيث يتم وضع أجهزة كشف زلازل متعددة، وبمسافة عدة كيلومترات بينها؛ إن المصفوفات الزلزالية أفضل في اكتشاف الاهتزازات الصغيرة من جهاز كشف زلازل واحد، كما يمكنها أن تعمل معاً لتحديد مصدر الموجات بدقة أكبر.
في عام 1996، تم طرح معاهدة لمنع التفجيرات النووية، والتي سميت بـ(CTBT)، اختصاراً لـ(Comprehensive Test Ban Treaty)، وبدأت المعاهدة بجمع التوقيعات؛ ولإجبار الجهات المختلفة على التوقيع، قامت المنظمة، المتمركزة في فيينا، بتأسيس نظام مراقبة عالمي، يشمل أكثر من 50 جهازاً لكشف الاختبارات النووية حول العالم، ولا يحتوي نظام الكشف هذا على أجهزة كشف الزلازل فقط.
فقد استخدمت أجهزة كشف الموجات تحت الصوتية، والتي تستمع لترددات صوتية واطئة غير مسموعة من قبل الأذن البشرية، والتي من الممكن أن تنتج عن تفجيرات نووية؛ واستخدمت كذلك آلات صوتية-مائية (hydroacoustic)، تقوم بكشف الموجات الصوتية تحت المحيطات على مسافات بعيدة، في حال إجراء تجارب تحت الماء؛ وأجهزة كشف الإشعاع (radionuclide detectors)، والتي تقوم بكشف الغازات المشعة الناتجة عن الاختبارات النووية.
ما الذي تبحث عنه أجهزة مراقبة الزلازل؟
أي نشاط اهتزازي، انفجاراً كان أم زلزالاً، طبيعياً كان أو عملاً بشرياً، يُنتج موجات اهتزازية تنتقل عبر الأرض، ويمكن كشفها بأجهزة كشف الزلازل، التي تقيس أدق الحركات تحت الأرض.
أسرع الموجات وصولاُ تسمى الموجات الأولية (primary waves) أو (P waves)، تتبعها الموجات الثانوية (Secondary waves) أو (S waves)، والتي تسير نحو عمق الأرض. ثم تأتي الموجات السطحية البطيئة (Surface waves)، وهي تمثل معظم الاهتزاز الذي نشعر به، لأنها قادرة على السير قرب سطح الأرض فقط؛ تَستخدم أجهزة رصد الزلازل، الفرق في توقيتات وصول هذه الموجات، لمعرفة المسافة التي حدث عندها الانفجار أو الهزّة الأرضية، وتحديد عمق هذا النشاط، كما تقوم كذلك بقياس قوة هذا الاهتزاز.
كيف يفرق العلماء بين الانفجار والهزة الأرضية؟
توجد عدة طرق لاكتشاف ذلك؛ الأولى معرفة عمق الانفجار، فعلى الرغم من كل تقنيات الحفر الحديثة التي نمتلكها، فإننا لا نستطيع وضع قنبلة ذرية لأعمق من عدة كيلومترات تحت الأرض، وبالتالي إذا كانت الهزة من مصدر أعمق من 10 كيلومترات، فإننا نعلم أنها ليست قنبلة ذرية.
كما تشير الدراسات على العديد من التجارب النووية خلال فترة الحرب الباردة، إلى أن الانفجارات تولد موجات P أكبر من موجات S، عند مقارنتها مع الزلازل؛ الانفجارات كذلك تولد موجات سطحية أصغر نسبياً من موجات P؛ وبالتالي يمكن لعلماء الزلازل أن يقارنوا بين الأحجام المختلفة للموجات، لتحديد ما إذا كان مصدرها انفجاراً أو زلزالاً.
في حالة كوريا الشمالية مثلاً، والتي أجرت تجارب عدة منذ عام 2006، يمكننا ملاحظة أشكال الموجات الناتجة من كل انفجار، وعند مقارنتها نجد تشابهاً في شكلها، واختلافاً في شدتها فقط.
ماذا يخبرنا علم الزلازل عن الاختبار الأخير؟
علم الزلازل بإمكانه أن يخبرنا أن انفجاراً قد وقع، لكنه لا يستطيع معرفة ما إذا كان التفجير ناتجاً عن سلاح تقليدي أو نووي، وللتأكد مما إذا كان التفجير نووياً، فإننا نلجأ إلى مراقبة الإشعاع الذري الناتج عن الانفجارات النووية؛ كذلك، لا يمكننا التفريق بدقة، بين القنبلة الذرية الانشطارية، والقنبلة الذرية الهيدروجينية، ولا يمكننا كذلك معرفة إذا ما كانت القنبلة صغيرة، لدرجة إمكانية تحميلها على رأس صاروخ، كما تدّعي الحكومة الكوريّة الشمالية.
ما يمكننا معرفته هو حجم الانفجار. وليس الأمر بسيطاً كذلك، إذ إن شدة الموجات الزلزالية تعتمد على قوة الانفجار، وموقع التجربة بالضبط، ومقدار عمقها تحت سطح الأرض؛ ولكن في حالة التجربة السابقة بإمكاننا مقارنة النتائج مع نتائج الاختبارات النووية السابقة.
الانفجار الأخير، لتجربة كوريا الشمالية، كان أقوى من الانفجار الذي سبقه في سبتمبر 2016؛ وبحسب المركز النرويجي لمراقبة النشاط الزلزالي (NORSAR)، فإن الانفجار كان مساوياً لشدة انفجار قنبلة بقوة 120 كيلوطن من الـ(TNT). وللمقارنة، فإن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما كانت بشدة 15 كيلوطن، وعلى ناكازاكي بشدة 20 كيلوطن.
هل هذه التقنية جديرة بالثقة؟
على الرغم من المحاذير السابقة، فإن دقة وحساسية الأدوات المتاحة، وزيادة عدد نقاط المراقبة، تعني أننا نمتلك شبكة دقيقة لاكتشاف الاختبارات النووية في أي مكان في العالم؛ ويبدو كذلك أن الإمكانات العلمية للخبراء الذين يعملون في هذا المجال في تطور مستمر، فكَشفُ مراكز المراقبة في كوريا الجنوبية واليابان عن التجربة السابقة، وتأكيدهم على حدوثها خلال عدة ساعات، يشير إلى دقة وكفاءة هذه التقنية.