ترجمة: منار إبراهيم
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: ابراهيم الساكني
ما الذي قد يُشعرك بالقلق؟
حسنًا إليك هذه المفاجأة! فالجاني -الذي يُشعرك بالقلق- هو دماغك أنت ليس إلا.
فقد كشف لنا إلين هندريكسن – أحد الأطباء النفسيين البارزين – هذا الأسبوع ثلاث عادات مؤذية للتفكير، من شأنها بث شعور من القلق وعدم الأمان بداخلك. ولكن لا تقلق، لحسن الحظ أنه قدم ثلاث طرق أخرى لتعزيز الثقة بالنفس والشعور بالاطمئنان ومن ثَم التغلب على هذه الأفكار المؤذية.
هناك مثال قديم مفاده: أن العقل خادم جيد وسيد سيء. فإذا راودك شعور من عدم الثقة أو الخوف حيال نفسك أو علاقاتك أو حياتك – فإن هذه العادات الثلاث المؤذية قد تتحكم بعقلك وتسيطر عليه تمامًا.
يُطلق علماء النفس على هذه العادات المؤذية اسم “التشوهات الإدراكية”، والتي هي مجرد وسيلة تقنية لعبارة “الأكاذيب التي نخدع بها أنفسنا”. ولكن تلك العادات مخادعة للغاية حيث لا يراها المرء حقيقية من الظاهر فقط، بل يؤمن بوجودها حقًا. وهنا تكمن المشكلة – فتلك التشوهات الإدراكية تجعلنا نشعر كما لو كنا أغبياء ومملين وفاقدي الشعور بالأمان.
الآن، من المهم حقًا أن يعترف جميعنا أننا نرتكب تلك الأخطاء من آنٍ لآخر، فهذا جزء أساسي من طبيعتنا البشرية. ولكن عندما نبدأ بالإيمان بها وتصديقها تمامًا أو حتى نفرط في الاعتماد عليها، فهنا يتفاقم شعورنا بعدم الأمان كوجود شبكة انترنت هوائية (واي فاي) دون حماية بكلمة مرور.
عادات التفكير المؤذية # 1: التفكير العاطفي
هذه العادة المؤذية من شأنها تغيير مشاعرك الواقعية. فإذا راودك شعور بالذنب، فلا بد أن هذا خطؤك. وإذا شعرت باليأس، فلن تجد مخرجًا منه. وإذا أحسست بالقلق، فلابد وأن هناك شيئًا سيئًا على وشك الحدوث.
ولكن عندما تمتد دائرة هذا التفكير العاطفي لتضم علاقاتنا أيضًا، فهذا يُشعرنا بالمزيد من القلق وعدم الأمان. ” فهذه الغيرة التي تجتاح مشاعري لا تنم عن شيء سوى أنك تخدعني بالتأكيد” أو “لأنني أشعر بالقلق فهذا يدل على أننا على وشك الانفصال”. ومن ثم تتحول هذه الأفكار المؤذية إلى دوامة سرعان ما تؤدي إلى افتعال شجار ما لم يسبق وأن شهِده الطرف الآخر. وبالتأكيد لسنا بحاجة إلى القول أن التفكير العاطفي يولد الكثير من الإحباط والجدال بين الشريكين، حيث يكون من المستحيل أن يقوم الجدال على مجرد حدس أو شعور غريزي ليس له أي أساس من الصحة.
2: قراءة العقل
تبدو هذه العادة المؤذية بالضبط كما لو كنت تفترض أنك تعرف ما يدور بعقول الآخرين وما يفكرون به. حيث أن مشاعر القلق وعدم الأمان تلك تجعلك تضع أحكامًا خيالية عما يساور أذهان الآخرين، ومن ثم تستمر في اعتقادك هذا إلى أن تصدقها وتؤمن بها تمامًا، والتي بدورها تزيد من القلق وعدم الأمان اللذان تشعر بهما. وهكذا دواليك، فيغدو الأمر حلقة مفرغة ذات أبعاد ملحمية.
كما أن قراءة العقل هذه تجعلك تعتقد أن الآخرين إما يصدرون أحكامًا عليك أو أنهم يرفضونك. “إنه لم يقم بالرد على رسائلي، لذا فلا بد وأنه يكرهني” أو ” مديري في العمل يريد رؤيتي، إذن لابد وأنه مشتاط من الغيظ”. “سيراني الجميع وأنا أتصبب عرقًا هكذا وبالتالي سيعتقدون أنني أحمقًا وغريبًا”.
وعلى الجانب الآخر، قد تفترض تفوق البعض عليك عند قراءة عقولهم. مثل: “إنها تبدو متماسكة للغاية كما لو كانت لا تعاني أي مشاكل في حياتها، لابد وأنها واثقة من نفسها للغاية”.” لقد حصل على ترقية أخرى، لابد وأنه يعرف تمامًا ما عليه القيام به في حياته”.” إنه يبدو مثيرًا للغاية لدرجة أن لا أحد يفوقه في ذلك”. حسنا، دعنا من تلك الأخيرة، هذا بالطبع ما لم تكن تقرأ عقل المغني الشهير برونو مارس. وبصرف النظر عن كل هذا، لا يهم كيف تقوم بالأمر، ولكن ما يهم حقًا أن قراءة العقل سرعان ما تُشعرك بالعجز عن القيام بالأشياء.
3: التخصيص وإضفاء طابع شخصي على الأمر
هذا ما يبدو عليه الأمر تمامًا أيضًا: فهذا الخطأ في التفكير يجعل كل شيء عنك ويدور حولك. زوجك غاضب، لذا فلابد وأنك فعلت شيء ما سيء. رأيتِ رفيقك ينظر إلى فتاة أخرى، لذا فأنت لست كافية في نظره وينقصك شئ ما. وأنت ترى صديقتك غاضبة، لذا فلا يبدو أنها تستمتع معك بشكل كاف. وبغض النظر عن كل هذا، فكلما قادك هذا النفق المظلم إلى أسفل، فإنه حتمًا سيؤدي بك في النهاية إلى طريق مسدود من اللوم والتأنيب الذاتي.
حسنًا، هل سئمت وتريد أن توقف كل هذا؟
كيف توقف هذا الجنون؟ نصف المعركة يدور حول الإمساك بنفسك والإيقاع بها. حاول مراقبة تلك اللحظات عندما يبدأ مزاجك بالتقلب والهبوط المفاجئ أو عندما تسيطر عليك مشاعر القلق والرهبة. حصلت على واحدة؟ حسنًا حالما تفعل ذلك، اسأل نفسك ما الذي يجول بخاطرك الآن. ماذا قلت لنفسك؟ الآن خذ هذه الأفكار التي أحكمت قبضتك عليها ولتجرب هذه الأشياء الثلاثة:
نصيحة رقم 1: حاكم فكرك
لتستطيع وقف هذا التفكير المشوه الذي يدور بخلدك، سواءً كان مصدره التفكير العاطفي أو قراءة العقل أو حتى إضفاء طابع شخصي، عليك بإخضاعه للمحاكمة. فأنت بحاجة إلى دليل واضح وحُجة قوية تستند عليها لدعم هذا التفكير. وتذكر جيدًا أن ما تتوهمه من حدس وشعور غريزي أو حاستك السادسة لا تُعد شهودًا مصداقية أو أرض صلبة ترتكز عليها- وفي الواقع أن لا شيء من كل هذا سيصمد في محاكمة حقيقية.
لذا عليك بطرح هذا السؤال: بجانب شعورك بالغيرة، ما الدليل على أنها تخدعك حقًا؟ ما الدليل على أنه يكرهك؟ ما الدليل على أن السبب في تلقيك لتلك المعاملة السيئة هو خطؤك حقًا، بجانب إحساس الذنب الذي يراودك؟ على الأرجح أنك ستخرج من كل هذه الأسئلة بلا شيء، وهذا هو ما تحتاجه تمامًا لدحض تلك الأفكار المشوهة التي تسيطر على عقلك.
نصيحة رقم 2: تصرف كما لو كنت تشعر بالثقة والأمان.
“تصرف وكأنك تريد أن تشعر، وسوف تظهر مشاعرك”
قد تقودك هذه الأشياء الثلاثة إلى اتخاذ إجراءات مشوهة على نحو متساو تتراوح بين الإزعاج الخفيف والجنون المطلق. فقد تدفعك إلى المرور خلسة والولوج إلى الرسائل النصية الهامة الخاصة بالآخرين، أو حتى قراءة رسائل البريد الإلكتروني خاصتهم. أو قد تدفعك لإظهار تفوقك على أصدقائك: “أوه، هل تتدرب لمسافة خمسة كيلو مترات فقط؟ حسنًا، دعني أسديك بعض النصائح التي حصلت عليها من تجربتي السابقة عندما كنت أتدرب على عشرة كيلو مترات”. أو أنها قد تدفعك إلى التباهي المتواضع إلى أي شخص قد يصغي إليك:” يا للهول! هل حصلت على هذه الترقية الكبيرة؟ لا أحد يدري.”
وفي حين أنك لا تكون قادرًا على نزع هذا التفكير المشوه من رأسك، إلا أنه يمكنك التحكم بما يليه من أفعال أخرى. على سبيل المثال، في المرة القادمة عندما تجد هاتف شريكك على الطاولة أثناء وجودهم في الحمام، قم بطرح هذا السؤال على نفسك، يا ترى ما الذي بإمكان شخص واثق من نفسه ومطمئن أن يفعل في هذه الحالة؟ ومن ثم تقوم بذلك: ضع الهواتف مكانها وانصرف. تصرف كما لو كنت تشعر بالأمان والثقة حتى ولو لم تكن كذلك. تصرف وكأن جانب الثقة والأمان بدأ فجأة يقوى بداخلك.
وبالفعل قد قامت إحدى عميلاتي السابقات بتجربة هذا عندما ذهب صديقها في عطلة مع بعض رفاقه السابقين، حيث كان متأكد أنه سيلقى بعض رفيقاته السابقات كذلك. لا شك أن ذلك كان يثير غيرتها و يحثها على مراقبته على وسائل التواصل الاجتماعي حتى ترى ما إذا كان سينشر أي صور معهم. إلا أنني حدثتها قائلة ما الذي كنتِ لتفعلينه حيال ذلك إذا شعرت بالثقة بدلًا من هذا القلق. فأجابت كنت لأخبره أن يحظى بعطلة نهاية أسبوع رائعة وأقوم بمراسلته لإلقاء التحية بين الحين والأخر، وأبقى بعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعية الخاصة به. وكان هذا بالفعل ما قامت به. وما أن انقضت تلك العطلة، حتى وأخذت تتصرف بثقة أكبر معززة هذا الشعور بالمزيد من الثقة.
نصيحة رقم 3: حصن نفسك ضد القلق.
يشير هذا الشعور من القلق وانعدام الأمن إلى عدم الثقة بنفسك والشك بها. حيث تراودك العديد من الأسئلة جدية حول كفاءتك وقيمتك وأدائك.
الآن، ما يحاول معظم الناس فعله هو تناول هذا الشك والغموض والتعامل معه عن طريق سد الفجوة: إنهم يحاولون بالفعل تطوير أنفسهم، حتى يقتدي بهم الجميع ويؤدون بشكل جيد حتى لا يتعرضون للانتقاد أبدًا.
ولكن بدلاً من محاولة التخلص من تلك الشكوك، لم لا تهيئ نفسك لها. قم بتحصين نفسك ضد الأفكار غير الآمنة من خلال التعرض لتوقعات واقعية. وكيف يكون ذلك؟ قم باختيار عبارة محايدة تريد قولها، وكررها مرارًا وتكرارًا لنفسك.
مثل تلك العبارة المألوفة: “بغض النظر عن ما أفعله، بالتأكيد لن يحبني البعض”. أو قد يقول البعض: “دائمًا ما سيكون هناك شخص أكثر جاذبية مني”. “دائمًا ما سيكون هناك شخصًا يفوقني ذكاء”.
وقس على ذلك شعارك المناسب لحالة القلق خاصتك. ثم كرر ذلك مرارًا وتكرارًا لمدة عشر دقائق. ففي البداية، سيتملكك الشعور بالحزن أو اليأس. ولكن بعد تكرار ذلك مئات المرات، فإنه على الأرجح سيصيبك الملل، وهذا ما تريده تمامًا. واجه هذا القلق حتى يتوقف تمامًا.
لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بعدم الأمان. عليك أولًا بمحاكمة فكرك، ومن ثم تصرف وكأنك تشعر بالثقة، وبعدها عليك بتحصين نفسك ضد القلق. بإمكانك القيام بذلك. لأنه إذا استطاع برونو مارس ذا الخمس أقدام من الوقوف بجانب تايلور سويفت ذات الكعب العالي، فبالطبع يمكنك أنت أيضًا التغلب على حالات الخوف والقلق التي تنتابك.
المصدر: هنا