إنه رمزٌ قديمٌ متجذّرٌ في العديد من التقاليد الروحانية، الشعائريّة و الفلسفية. أما اليوم، فإنه متربطٌ بصورةٍ رئيسية بعبادة الشيطان و الطقوس الغامضة، و أيضاً بالنسبة للكثيرين، فقد ارتبط بموسيقى الـ (هيفي ميتال)، حيث استخدمته العديد من الفرق الموسيقية بشكلٍ متكرّر، خلال العقود الثلاثة الأخيرة أو ما يقارب ذلك، أكثر من أي صورة مرئية أخرى. كما قد تكونوا قد حزرتم، فإننا نتحدث عن (البينتاغرام)، تلك النجمة الخماسية التي تبدو بسيطةً نسبياً أمام أهميتها الرمزية البالغة، حيث استخدمتها فرقٌ موسيقية مثل (Venom)، (Slayer)، (Mötley Crüe)، (Emperor) و حتى (Anthrax)، ناهيكم عن خمس فرق ميتال أخرى تحمل اسم (بينتاغرام)!
اذاً، من أين أتى رمز النجم الخماسي أو البينتاغرام و ما الذي يجعله مرتبطاً بموسيقى الميتال؟ على الرغم من المعاني المشؤومة التي يحملها البينتاغرام اليوم، فإنه لم يكن يُرَ في الأصل كرمزٍ للشر. في الحقيقة، لقد استخدمته عددٌ من الحضارات القديمة، أبرزها الإغريقية، التي يرجع إليها أصل الكلمة، حيث أن “penta” تعني “خمس،” و كلمة “gram” تعني “شيئاً مكتوباً أو مرسوماً.” لقد فضّل عالم الرياضيات الشهير فيثاغورس هذا الرمز، و استخدمه للتعبير عن العناصر الخمسة و لربطها بتقسيمات جسم الإنسان الخمسة، حيث قام بربط الرأس و الأطراف الأربعة بالنار، الماء، الهواء، الأرض، و النفس. كما استُخدم الرمز في اليهودية كاسمٍ سريٍّ من أسماء الله، و استخدمه لاحقاً أتباع مذهب الكابالا، حتى أن بعضاً من المسيحيين الأوائل رأوا في الرمز تجسيداً لجروح السيد المسيح الخمسة.
و بالطبع، قامت المسيحية في مراحل لاحقة بفصل الرمز عنها، معتبرةً إياه أثراً وثنياً قديماً. و بطبيعة الحال، يوجد هنالك اليوم كثيرون ممن يستخدمون البينتاغرام، خارج نطاق الدوائر الوثنيّة، ألا وهم المهتمون بعبادة الشيطان و الطقوس السريّة. و على الرغم من أن هذا التمييز ليس ثابتاُ على الإطلاق، إلا أن النجوم الخماسية المشير منصفها إلى الأعلى تُستخدم عادةً من قبل أولئك الذين يرغبون بالإشارة إلى إله/آلهة، بينما يستخدم أصحاب المقاصد الأكثر غموضاً النجم الخماسي الذي يشير منتصفه إلى الأسفل، فلا غرابة إذن، أن موسيقى الميتال قد انجذبت إلى رمز البينتاغرام المعكوس. لكن يبقى السؤال، كيف شق البينتاغرام طريقه نحو الإدراك المعاصر و أصبح جزءاً متجذراً في ثقافة موسيقى الميتال، حيث أصبح مرتبطاً بفرقٍ لا تمت لعبادة الشيطان بصلةٍ البتّة؟ لقد قمنا بالتوغّل إلى أعماق التاريخ لنقدم هذا الجدول الزمني المفيد في شرح الموضوع:
1854-6: نشر كاتب الطقوس السرية ايليفاس ليفاي كتاب (عقيدة و شعائر السحر المتعالي Dogme et Rituel de la haute magi)
لقد كان (ايليفاس ليفاي) ناشطاً في مجال الطقوس السرية و ساحراً ذا نفوذٍ واسع. قام (ليفاي) بشرح العديد من النقاط التي أصبحت اليوم مألوفة في ثقاقة الطقوس، و ذلك من خلال كتابين اثنين تمَّ لاحقاً جمعهما و ترجمتهما للانكليزية. من الطقوس التي شرحها هي رسم (بافوميت(Baphomet، و هو كائنٌ مجنّح ذو ثديين و رأس جدي، يحمل على جبهته نجماً خماسيّاً متجهاً للأعلى. و ما يزال هذا الرسم مستخدماً لدى العديد في يومنا هذا.
1897: قدم الكاتب الفرنسي في مجال الطقوس ستانيسلاس دي غوايتا (Stanislas de Guaita) رمز الجدي السبتي (Sabbatic Goat).
في كتابه (La Clef de la Magie Noire) قام كاتبٌ فرنسي آخر معنيٌّ بشؤون الطقوس اسمه ستانيسلاس دي غوايتا بطرح رمز جديٍ ذي نجمٍ خماسيٍّ معكوس، و الذي يُعرف عادةً بـ (Sabbatic Goat) اي (الجدي السّبتي). كما تتضمن الصورة كلمات “Samael” وهو شخصية شيطانية في التراث الحاخامي اليهودي، و “Lilith” و هي شيطانة في الأساطير اليهودية. بالإضافة إلى كلمة (لوثيان Leviathan) مكتوبة بأحرف عبرية، وهو وحشٌ آخر في الأساطير اليهودية.
4/1961196: نشر موريس بيسي كتابه (التاريخ المصور للسحر و ماوراء الطبيعة A Pictorial History of Magic and the Supernatural) باللغتين الإنكليزية و الفرنسية.
في عام 1961 استخدم شخصٌ فرنسي آخر نسخةً معدلة من (الجدي السبتي) على غلاف كتابه الشهير الذي يتناول موضوع القوى الخارقة و ما وراء الطبيعة، مع حذفه لكلمتي (Samael) و(Lilith).
1968: نشرَ أنطون لافي كتابه القداس الشيطاني (The Satanic Mass).
بعد القيام بالمزيد من التعديل على صورة بيسي (Bessy)، قدم (أنتون لافي) و هو رئيس كنيسة الشيطان Church of Satan بما يعرف اليوم بـ دمغة بافوميت (Sigil of Baphomet) و استخدمه كصورة غلاف لألبومه،(The Satanic Mass) و الذي يحتوي على مقتطفاتٍ من إنجيل الشيطان(Satanic Bible) و الذي لم يكن قد تمّ نشره بعد.
بدءاً من السبعينات و حتى يومنا هذا، قامت أكثر من 30 فرقة ميتال باستخدام رمز البينتاغرام بشكلٍ أو بآخر في غلاف ألبوماتها و لعل أهمها:
1973/1971: أصدرت فرقة (Pentagram) الأمريكية الألبوم الذي يحمل ذات الاسم.
1981: أصدرت فرقة (Venom) ألبوم باسم (In League with Satan and Welcome to Hell).
1983: أصدرت فرقة (Slayer) ألبوم (Show No Mercy).
1984: أصدرت فرقة (Bathory) ألبومها الأول الذي يحمل نفس اسمها.
1990: قامت فرقة (Deicide) الأمريكية بإصدار ألبوم يحمل ذات الاسم، و يوجد على غلافه رمزٌ مطوّر عن البينتاغرام من تصميم الفرقة ذاتها، و يدعى بـ (trifixion) و هو عبارة عن ثلاثة صلبان مقلوبة مع نجمين خماسيين.
في عامي 1994 و1995 استخدمت فرقتي (Cradle of Filth) و (Hecate Enthroned) بالترتيب صورة (دمغة بافوميت (Sigil of Baphomet).
2003: أصدرت فرقة (Superjoint Ritual) ألبوم (A Lethal Dose of American Hatred) و الذي حمل رمز البيتاغرام بالإضافة إلى أوراق الحشيش في المنتصف، بدلاً عن الصليب المعقوف.
2015: قامت فرقة (Venom) بإصدار ألبوم (From the Very Depths) و الذي يحمل غلافه صورة فيلقٍ من المخلوقات الشيطانية المنبثقة عن … نجمٍ خماسيّ!
المصدر: هنا