لقد كُنتُ مصدوماً حقاً بتلك الأخطاء في التفكير التي أقوم بها بشكل لاشعوري طوال الوقت، من الواضح أن أياً منهم لا يعدُ خطأً كبيراً أو من الأخطاء التي تهدد الحياة، ولكنها حقاً اخطاء مفاجئة، وتفاديها يمكن أن يساعدنا في اتخاذ قرارات أكثر عقلانية وحكمة، خصوصاً أننا نسعى جاهدين لتحسين الذات من خلال صقلها، فإذا ما نظرنا إلى قِيَمنا وكنا على بيِنة من أخطاء التفكير التي نرتكبها بشكلٍ طبيعيّ، فإن ذلك سيشكل فرقاً كبيراً في عملية تجنبنا لتلك الأخطاء، لكن للأسف، فإن معظم هذه الأخطاء تحدث بشكل لاشعوري، لذلك تستلزم وقتاً وجهداً ليتم تفاديها، هذا إن رغبت بذلك.
3. القلق بشأن الأشياء التي فقدناها مسبقاً:
لا يُهم كم أكون منتبهاً إلى مغالطة «التكلفة الضائعة»، فلا تزال تجذبني إليها بشكلٍ طبيعيّ.
تُشير «التكلفة الضائعة» إلى أي تكلفة- ليست النقدية فقط، بل الوقت والجهد كذلك- تم دفعها بالفعل و لا يمكن استردادها، ولذلك هي بالأساس مدفوعات من الوقت أو المال ذهبت إلى الأبد.
السبب في عدم قدرتنا على تجاهل «التكلفة الضائعة»، على الرغم من أنه قد تم دفعها، هو أننا نشعر بقلقٍ للخسارة بشكل أكبر بكثير من المكسب، وهذا ما يُفسره لنا عالم النفس دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) في كتابه (التفكير السريع والبطيء – Thinking Fast and Slow).
قامت الكائنات الحية بتجنب التهديدات بشكل أكبر من خلق فرص لها. فكانت عُرضة لتُمرّر هذا الأمر عبر جيناتها. لذلك مع مرور الوقت، أصبح احتمال الخسارة حافزاً أقوى في سلوكنا من احتمال المكاسب.
تلعب مغالطة «التكلفة الضائعة» على مَيلنا للتشديد على أهمية الخسارة في مقابل المكاسب، و تُعد هذه الدراسة البحثية مثالاً جيداً على كيفية عمل هذه المغالطة.
قام كل من هال أركيس (Hal Arkes) وكاثرين بلامر (Catehrine Blumer) بإجراء تجربة عام 1985 أوضحت ميلنا إلى عدم الوضوح عندما نمرُ بمغالطة «التكلفة الضائعة»، حيث طلبوا من الأشخاص اللذين خضعوا للتجربة أن يفترضوا أنهم انقفوا 100 دولاراً لشراء تذكرة لرحلة تزلج في ولاية ميشيغان، ولكن سرعان ما وجدوا رحلةَ تزلجٍ أفضل في ولاية ويسكونسن مقابل 50 دولاراً, واشتروا تذكرة لهذه الرحلة أيضاً. ثم طلبوا من الاشخاص في الدراسة أن يتخيلوا أن الرحلتين متداخلتين، ولا يمكن رد التذاكر أو إعادة بيعها.
هل تعتقد أنهم اختاروا عطلة جيدة بـ100دولار، أم عطلة رائعة بـ50 دولار؟
أكثر من نصف الأشخاص في الدراسة قرروا الذهاب بالرحلة الأكثر تكلفة. قد لا تكون رحلة واعدة بالمتعة، ولكن الخسارة قد بدت أكبر.
مثل تلك الأخطاء التي أوضحْتُها في هذا المقال، ومغالطة «التكلفة الضائعة»، تقودنا إلى تجاهل الحقائق المنطقية التي قُدمت لنا، وبدلاً من ذلك، تقودنا إلى اتخاذ قراراتٍ غير عقلانية تستند إلى عواطفنا، حتى دون أن ندرك أننا نقوم بذلك.
تمنعك هذه المغالطة من إدراك أفضل خيارٍ لتقوم به مهما كانت تَعِدُك بتجربة الأفضل في المستقبل، فهي لا تستطيع أن تلغي شعور الخسارة في الماضي.
من الصعب تجنُّب رد الفعل اللاواعي، فأفضل ما نقوم به هو محاولة فصل الحقائق الحالية التي لدينا عن أي شيء حدث في الماضي. فعلى سبيل المثال، إذا اشتريت تذكرة سينما لتدرك إن الفيلم غير جيد، فبإمكانك:
أ- البقاء ومشاهدة الفيلم- أي الحصول على قيمة أموالك- بما أنك كنت قد دفعت بالفعل ثمن التذكرة (مغالطة التكلفة الضائعة).
ب- تغادر السينما وتستغل هذا الوقت للقيام بشيئ تستمتع به فعلاً.
ما يجب أن نتذكره هو: لا يمكنك العودة في هذا الاستثمار، فقد مضى، فلا تسمح له بتعكير حكمك لأي قرار ستتخذه في هذه اللحظة، فقط دعه في الماضي.
4. التوقع غير الصحيح للاحتمالات:
تخيل أنك كنت تلعب الطرة والنقش- ملك وكتابة- مع صديق، ورميت قطعة النقود مراراً وتكراراً، وفي كل مرة تحاول التخمين ما إذا كانت طرة أم نقش، فاحتمال أن تكون مصيباً هنا 50:50.
لنفترض الآن أنك رميت قطعة النقود خمس مرات بالفعل وإنها جاءت نقشاً في كل مرة. بالتأكيد المرة القادمة ستكون طرة، أليس كذلك؟ ويجب أن يكون احتمال كونها طرة أعلى الآن، أليس كذلك؟
حسنا، الجواب هو لا. ففرصة أن تكون طرة ستبقى 50:50 في كل مرة. حتى إذا جاءت نقشاً في آخر عشرين تجربة، فالاحتمالات لا تتغير.
إن مغالطة «المقامر» هي خلل في تفكيرنا، فمرة أخرى نُثبت أننا مخلوقات غير منطقية. تحدث هذه المشكلة عندما نُولي كثيراً من الأهمية للأحداث الماضية ونخلطها مع ذاكرتنا عن كيفية سير العالم، مُعتقدين أنها ستكون ذات تأثير على النتائج المستقبلية (ففي حالة الطُرة والنقش؛ لا يُشكل كل ما جرى من أحداثٍ ماضية أي فرق فيما ستكون عليه الاحتمالات فيما بعد).
للأسف فإن إدمان القمار على وجه الخصوص يتأثر بأخطاء مماثلة في التفكير، وهي الميل إلى التوقع الإيجابي. فعندما نعتقد خطأً إن حظنا يجب أن يتغير للأفضل، ففي نهاية المطاف، نجد، وبطريقة ما، أنه من المستحيل علينا أن نتقبل النتائج السيئة ونسلم بالأمر الواقع، وغالباً ما نُصرّ على متابعة الأمر حتى نحصل على نتائج إيجابية، بغض النظر عن ما هي احتمالات أن يحدث هذا الأمر في الواقع.
تعليق واحد
تعقيبات: Iraqi Translation Project 8 أخطاء لاشعورية يقوم بها العقل، وكيفية تجنبها - الخطأيْن: الخامس والسادس -