تُظهر خريطة جديدة لمصادر المياه الجوفية في الأرض الأماكن التي توجد فيها المياه مخفية في باطن الكوكب. هذه الخريطة فريدة من نوعها؛ فهي تزوّد بعرض مرئي لمصادر المياه الجوفية في الأرض، ويقدر احتياطي الأرض منها ما يقارب (23) مليون كيلومتر مكعب.
تعتبر المياه الجوفية المصدر الثاني الأكبر في العالم للمياه العذبة، ووفقًا للاتحاد الوطني للمياه فالمصدر الأول يتشكل من الأنهار و الطبقات الجليدية. وبحسب وكالة المحافظة على البيئة في الولايات المتحدة (EPA) فإن هذه المياه الباطنية تتجمع من تساقط الأمطار الذي يتسرب إلى باطن الأرض، حيث الصخور ذات النفاذية العالية، وتخزن هناك.
ووفقًا لبحث نشره العلماء على الشبكة العنكبوتية بتاريخ (16) نوفمبر في مجلة (Nature Geoscience) فإن المياه الجوفية تشكل أهمية خاصة لأمن الطاقة والغذاء ولصحة الإنسان ولنظام إيكولوجي سليم، ولكنها مصدر مُعرض للخطر بسبب كثرة الاستعمال والتلويث البشري.
تَحصّل العلماء على قياسات للتريتيوم نظير الهيدروجين المشع، وكذلك قياسات لنماذج متدفقة للمياه التي حوت على خصائص للمياه، وتداخلها مع أنواع مختلفة من الصخور، وذلك لتقرير كمية المياه الجوفية التي تمتلكها الأرض، وأماكن انتشارها وعمر الماء في هذه الخزانات الجوفية.
واستنادًا للحسابات التي أجراها الباحثون فإن (5.5) مليون مكعّب من المياه الجوفية الكلية تقع في أعالي (1.2) ميل من القشرة القارية فما بين (24000 – 129500) ميل مكعب فقط منها مياه جوفية حديثة (تاريختجمّعها أقل من 100 سنة).
لكن لماذا تشكّل معرفة عمر هذه المياه ضرورة؟ اتضح بحسب الدراسة بأن المياه الحديثة والقديمة مختلفتَين في طرق التداخل مع بقية المياه ودورة المناخ.
توجد المياه الجوفية القديمة في أعماق الأرض، وفي بعض الأحيان تحتوي على الزرنيخ واليورانيوم، وبالإضافة إلى ذلك فنسبة الملوحة فيها تكون أكبر من مياه المحيطات. يتم استخدام بعض هذه المياه في الزراعة والصناعة، لكن الجزء الأكبر منها ما هي إلا مياه راكدة لم تعد جزءًا من المياه الفعالة؛ مما يعني أن معظمها غير قابل للاستخدام من قبل البشر حسب ما صرح به توم جليسون (TomGleeson) الكاتب الرئيسي في الدراسة والمهندس في جامعة فيكتوريا في كندا.
وعلى النقيض نجد المياه الجوفية العصرية ما زالت جزءًا من دورة المياه الفعالة؛ فهي تمتلك القدرة على تجديد نفسها من خلال مياه الأمطار أو الثلوج الذائبة. وهذا النوع قريب من المياه التي نشاهدها على سطح الأرض كالمحيطات والبحيرات والأنهار. ولكونها قريبة من السطح فهي تساعد على سد نقص المياه عندما يُستنفذ خلال العام. وبسبب التغيّر المناخي الذي أثر على كمية مياه الأمطار والثلوج في مناطق معينة، فبعض مخازن المياه الجوفية لا تعيد تعبئة نفسها بسرعتها المعهودة،كما أن النشاطات البشرية تصعّب هذه المهمة أكثر، إذ إن الملوثات تجعلها غير صالحةللاستعمال.
تُظهر الخرائط التي تم تطويرها في الدراسة بأن معظم المياه الجوفية الحديثة موجودة في المناطق الجبلية والاستوائية؛ فبعض أكبر المخازن يقع في حوض الأمازون والكونغو وإندونيسيا، وكذلك في المناطق الصخرية الجبلية في وسط وشمال أمريكا، وغرب كورديليرا في جنوب أمريكا.
ومما لا يثير الدهشة أن أقل كمية من المياه الجوفية وُجدت في المناطق القاحلة كالصحراء الكبرى، ومن المُلاحظ أن خطوط العرض الشمالية تم استبعادها من البيانات لكون حسابات الأقمار الصناعية غير دقيقة، ويرجّح الباحثون ذلك لكون المنطقة مغطاة بالتربة الصقيعية التي لا تسمح بتخزين كميات كبيرة من المياه الجوفية، لكنها لا تؤثر على التقدير النهائي الكلي.
ومع ازدياد الاعتماد العالمي على المياه فإن الدراسة ستكون ذات فائدة لمنظّمي المياه ومطوّري السياسات والعلماء الذين بحاجة لإدارة مصادر المياه الجوفية بطريقة مستدامة؛ ويضيف كليسون: «ما دمنا قد توصلنا لمعرفة مقدار المياه الجوفية ومقدار النقص فيه سنستطيع تقدير الفترة التي ستنفذ فيها تمامًا.»
المصدر: هنا