لا تحتاج إلى كثير من الشرح لوصف مرآة, لكنك عندما تنظر لمرآة تلسكوب ناسا الجديد فستحتاج إلى الكثير لوصف تركيب هذه المرآة.
إذ يحتوي تلسكوب ناسا «جايمس ويب» على مرآة أولية وثانوية وعليا. وعلى الرغم من أن المرايا الثانوية والثالثية صغيرة نسبيًا فهي فريدة من نوعها. أما المرآة الأولية القابلة للتوسع فهي الأكثر تعقيدًا من حيث التركيب، وهي -مع الأنظمة الأخرى- ستجعل المنظار يعمل في المستقبل.
تم بناء المرايا من قبل شركة “ball” للفضاء والتكنولوجيا؛ وهي تعد متعاقد ثانوي مع شركة نورثكروب كرومان لتكنولوجيا البصريات والمرايا خفيفة الوزن.
تحسب القدرة الكامنة في أي تلسكوب بحجم العدسة الرئيسة؛ فكلما كبرت العدسة الأولى (أو الأولية) ستكون النتيجة أفضل. وفي حالة التلسكوبات الكبيرة, تستبدل العدسة بمرآة، أما في حالة تلسكوب ويب فقد تم استخدام مرآة يبلغ قطرها (6.5) متر، وهي تعتبر مرآة كبيرة بالنسبة للتلسكوبات الأرضية, وكبيرة جدًا بالنسبة للتلسكوبات الفضائية. إن مرآة بهذا الحجم في الفضاء لها القدرة على جمع الضوء من أبعد المجرات والنجوم في الكون، ولكنها أيضًا كبيرة جدًا لتُطلق في الفضاء كقطعة واحدة، لذلك تم صناعة مرآة ويب من مرايا أصغر خفيفة الوزن عددها (18) قطعة، يمكن حملها على متن الصواريخ الفضائية. كل قطعة من الثماني عشرة قطعة ذات شكل سداسي، وطول ضلعها (1.3) متر وتزن (40) كغ؛ وجميع هذه القطع سوف تُجمع في تلسكوب ناسا ويب في الفضاء.
ليست هذه القطع مريا عادية، بل قطعًا معقدة من التكنولوجيات التي سوف تسمح لجميع القطع بالعمل معًا كقطعة واحدة. وتحتوي كل قطعة مرآة على عدد من الأجزاء؛ مثل السطح العاكس الذهبي المطلي فوق طبقة من البريليوم وجنيحات البريليوم وهيكل دلتا، إضافة إلى النظام الميكانيكي الدقيق للتحكم بموضع وشكل المرآة المركبة جميعها على الصفيحة الخلفية.
ويضيف «لي فاينبيرغ» مسؤول البصريات في تلسكوب ويب أن تعقيد أجزاء المرآة يأتي من حقيقة أنها مصممة لتكون خفيفة جدًا، وتعمل في درجة حرارة منخفضة جدًا (أقل من 400 درجة فهرنهايت تحت الصفر)، وتتحمل ظروف الإطلاق إلى الفضاء -من الاهتزازات والقوى الخارجية، كما يجب عليها أن تبقى في المجال الخاص بها عن طريق محركات، وكذلك أن تبقى معًا لمدة أسبوعين حتى يتم ضبطها من جديد.
مرآة البريليوم (سطح المرآة الأملس)
تتكون كل قطعة من المرآة بصورة رئيسية من صفيحة بريليوم تقوم بدور المرآة بصورة كلاسيكية. و كل صفيحة بريليوم سمكها (2) إنش، وهي مصقولة وملساء بشكل مذهل لتكون السطح الأمامي العاكس. السطح العاكس مصقول بمعدل خشونة (20) نانومتر (20 جزء من المليار من المتر)، ومطلي بطبقة من الذهب الخالص سمكها بالمايكرومتر لمضاعفة قابلية المرآة بعكس الضوء والأشعة تحت الحمراء. وقد تم اختيار البريليوم بسبب صلابته الشديدة وخفة وزنه، ولسلوكه المستقر في الظروف التي يعمل بها التلسكوب.
جُنيحات البريليوم الجزء المعاكس للسطح العاكس لمرآة البريليوم مركب على ثلاث مثلثات من جنيحات البريلوم. كل جزء من الجنيحات بعرض قدم واحدة و طول قدمين. وتقوم الجنيحات بتوزيع الجهد بين الهيكل الخلفي للمرآة والمكائن لتقليل تشويه المرآة للحد الأدنى، وقد تم اختيار البريليوم أيضًا لنفس السبب السابق.
هيكل دلتا بريليوم يقوم هيكل دلتا المصنوع من البريليوم بتوفير الدعم لكل قطعة من القطع الثمانية عشر، ويبلغ عرضه حوالي القدمين والنصف؛ وهو على شكل مثلثات أو حرف دلتا. هذا وتربط المرآة بجنيحات البريليوم المحركات.
المحركات تكون المحركات عبارة عن مكونات ميكانيكية عالية الدقة تتضمن المحركات الكهربائية الدقيقة والتروس المستخدمة لتحريك وتغيير شكل المرآة العاكسة. وتقوم بإعطاء كل قطعة من القطع الثمانية عشر موضعها الصحيح للتركيز على جسم معين في الفضاء.
تحتوي كل قطعة من القطع الثمانية عشر على ستة محركات تمكنها من الحركة والدوران بالنسبة للأجزاء الأخرى لتكوين مرآة واحدة عملاقة. كما يحتوي كل جزء على محرك مركزي خاص متصل مباشرة بمركز الجزء الخلفي للمرآة، ومتصل بواسطة دعامات طويلة مصنوعة من البريلوم بأطراف القطعة الخارجية. يقوم كل محرك من هذه المحركات بتوحيد مركز التقعر لجميع القطع الثمانية عشر للمرآة بحيث تركز جميعها على نقطة واحدة.
وتعتبر هذه المحركات من الاختراعات الجديدة في تلسكوب ويب؛ حيث يكون مقدار حركة هذه المحركات بالمقياس النانومتري لتتمكن من الوصول إلى الكمال البصري للمرآة. علمًا أن النانومتر هو جزء من المليار من المتر؛ ولتوضيح ذلك فإن سمك الورقة الاعتيادية (100000) نانومتر. وبالإضافة إلى ذلك فباستطاعة هذه المحركات العمل بصورة متكررة ونظامية بدرجة حرارة أعلى قليلًا من الصفر المطلق .
بعد إطلاق أجزاء تلسكوب ويب في الفضاء وتبرّدها إلى درجة الحرارة الجديدة، سيقوم المهندسون على الأرض بإعطاء الأوامر لتحريك كل المحركات سوية كي تكوّن مرآة موحدة في عملية قد تستغرق شهرين. وبعد ذلك سيكون ويب في حالة الجاهزية للعمل، ويبدأ استخدامه في المشاهدات العلمية، وهنا سيتم إعادة ضبط المرايا كل عشرة إلى أربعة عشر يومًا. وبفضل هذه التكنولوجيا سيكون تلسكوب ويب أول مرقاب فضائي مكوّن من مرآة قابلة للتحكم بشكلها.
صفيحة الثنيات الخلفية
تقوم صفيحة الثنيات الخلفية بربط أجزاء المرآة الأولية إلى هيكل التلسكوب، والتي تسمى «الصفيحة الخلفية». وتقوم الصفيحة الخلفية بحمل القطع الثماني عشرة، أما الثنيات فتسمح بحدوث توسع وتقلص أثناء تغير درجات الحرارة؛ وخاصة في التبريد الفائق الذي يحدث عند تجربتها على الأرض قبل الطيران، والتبريد الذي يحدث في الفضاء؛ حيث تبرد من درجة حرارة الغرفة إلى ما يقارب الخمسين كلفن عند مغادرتها مركبة الإطلاق، وأقل من ذلك عند العمل. والثنيات هي عبارة آلات دقيقة تعمل كنوابض للضبط الدقيق جدًا. ويوجد أيضًا ثنيات في جميع أجزاء المرآة الأولية، وليس فقط الصفيحة الخلفية.
المصدر: هنا