الرئيسية / تأريخ وتراث / هيباتيا: النهاية الوحشية وغير العادلة

هيباتيا: النهاية الوحشية وغير العادلة

في القرن الرابع حيث تم الانتقال الرسمي في الإمبراطورية الرومانية من الحالة الوثنية إلى الحالة التي تتشارك الوثنية فيها مع المسيحية. في عدة أماكن، على أي حال، كانت المسيحية تأخذ بالانتشار تحديدا في شرق الإمبراطورية الرومانية. كانت الإسكندرية في مصر مركز هذا الصراع. كانت المكان الذي يحوي خليطا من الوثنية، اليهودية والمسيحية. وفي هذا الجو المحموم بالصراع الديني شقت هيباتيا طريقها، امرأة متعلمة ورائدة في الفلسفة الأفلاطونية في الإسكندرية، لاقت حتفها في ظروف وحشية وغير عادلة للغاية.

يمكننا استشفاف حياة هيباتيا عن طريق رجلين كانا في السلطة آنذاك: الحاكم الوثني أورستس وبيشوب كيرل. كان في قصة حياة هذين الرجلين ذكر لهيباتيا وفي وقت لاحق حاول الأدب جمع قصتها خارج إطار حياة هذين الرجلين. الدليل على جذور البدايات لقصتها تكمن من مصدرين: كتابات المؤرخ سكولاستيكوس، وهي كتابات قليلة ألفت بعد موتها بعدة سنوات، و كتابات John of Nikiu ، كتابات أخرى بعد مئات السنين أيضا. على الرغم أنهما كتبا عن هيباتيا بشكل متصل بأورستس وكيرل ، لكنهما زودانا بأفضل وأوسع النظريات والمعلومات حول حياتها، ويعد هذان المصدرين أفضل المصادر.
ولدت في حوالي 350 للميلاد، وكانت هيباتيا ابنة لرياضياتي. وقد اهتمت كذلك بالعلوم والرياضيات وفي النهاية قادت مدرسة أفلاطون في مصر، وقد درست الطلاب علم الفلك والفلسفة الأفلاطونية. وبسبب آرائها الدينية والمواد التي تدرسها استهدفت من قبل المسيحيين في الإسكندرية – امرأة بمثل هذه المعرفة والذكاء تعتبر خطرة خصيصا في مثل تلك المرحلة. لم يكن مقتلها بسبب التدريس فحسب. إن النزاع السياسي بين زعيم الوثنية أورستس وزعيم المسيحية كيرل كان بحاجة لكبش فداء، وبينما كانت هيباتيا مؤثرة في المجتمع، كانت أسهل وأفضل هدف لذلك.

كان النزاع بين أورستس وكيرل نزاعا عقائديا. أبقى أوسترس على العلاقة الوثيقة بين أتباع الطائفة الوثنية والجالية اليهودية في المدينة. في المقابل، كان كيرل، مسيحيا خالصا. وكما تقول القصة، كان الرجلان على خلاف بسبب الإصلاحات الكنسية التي حاول كيرل تطبيقها في الإسكندرية. لقد بلغ النزاع بينهما مبلغه عندما أصدر أورستس فتوى تتعلق بمعارض الرقص اليهودي وكان هذا الموضوع مصدر خلاف رئيسي بين الرجلين. رجل مسيحي آخر تابع لكيرل، هيراكس، كان قد أشاد بتلك الفتوى، مما أغضب اليهود واستفزهم. وليسترضي أوسترس رعاياه، قام بتعذيب وقتل هيراكس علنا، ولكن اليهود كانوا مستائين للغاية مما دعا أورستس للتسليم لما يريدون.

وفي موجة الغضب تلك، خدع اليهود مسيحيي المدينة وقالوا أن الكنيسة تشتعل ليلا. ووفقا لسقراط وجون(يوحنا) عندما هرع المسيحيون إلى الشوارع لإنقاذ الكنيسة تم ذبحهم. والنتيجة: سلب كيرل اليهود أمتعتهم وبضائعهم ونفاهم خارج المدينة، وهوجم أوسترس من قبل خمسمائة راهب. وقد أعلن أن أحد الرهبان –أمونيوس- قد قضى شهيدا، حتى أدرك المسيحيون أنفسهم مدى السخرية في مثل هذا الإعلان. ومن هنا، سرقت حياة هيباتيا، وكانت كبش الفداء.

ووفقا لما كتبه John of Nikiu ، لم تكن هيباتيا فيلسوفة وباحثة فحسب، بل كانت امرأة ساحرة (تمارس بعض الحيل الشيطانية) حتى أنها سحرت أورستس. يبدو أنها كانت موضع ثقة عند أوسترس وهذا اتضح لدى علماء العصري الوسيط والقديم، ولكن John of Nikiu والمسيحيون اعتقدوا أنها وراء كل الأحداث والقرارات الخاصة بأورستس. ويقول John of Nikiu بأنها سحرت أورستس ليعطها ما تريد من امتيازات.

تخبرنا نصوص سكولاستيكوس و John of Nikiu وتقريبا كل النصوص التي تعرج على ذكر هيباتيا بذات النهاية المتعلقة بكيفية موتها، بما قام المسيحيون بفعله لإزالة سيطرتها على أورستس. خطفت هيباتيا على يد قاض يدعى بيتر ساقها هو وأتباعه إلى الكنيسة في ال Caesareum. وبوحشية، جردت من ملابسها وضربت بالقرميد وصدف البحر، سلخوا جلدها وهي على قيد الحياة باستخدام الصدف الحاد. بعدها، تمزق جسدها أشلاء أو جرت في الشوارع حتى ماتت. وبغض النظر عن التفاصيل، كلتا القصتين تذكر الجريمة بوحشية وبانعدام الرحمة. عوملت هيباتيا كحيوان لا تعاقب الحكومة الإنسان على ذبحه. إن كانت عملت مع أورستس أم لا، فقد كان هذا الطريق الممهد لمصيرها المروع الذي لا تستحقه بكل تأكيد.

على الرغم من ذلك، فإن غالبية حياة هيباتيا كتبت حول كيف أثر مصرعها في مدينة الإسكندرية في القرن الرابع، لا عن الظلم الذي لحق بها. خلال حياتها، عرفت بكونها امرأة رائدة فليسوفة. ولكن في التاريخ، ذكرت كونها شخصا مفصليا في الصراع السياسي بين رجلين بالغا في الثقة والتعصب الديني والحرب. وبموتها، يعتقد الكثير من الباحثين أن معايير الثقافة السكندرية اختلفت، حسب رأي John of Nikiu فإن المسألة البوذية قد أغلقت بمماتها ، بينما يعتقد الباحثون المحدثين أن الثقافة السكندرية قد انهارت تماما بعد موت هيباتيا. وبغض النظر عن مدى صحة هذا الاعتقاد، إن اعتبرت هيباتيا قمة ما وصل له المجتمع السكندري أم لا، فإن وفاتها خلقت تحولا على الصعيدين السياسي والديني في الإسكندرية والإمبراطورية الرومانية الشرقية.

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

التاريخ يبين ما الخطأ في فكرة أن الحرب أمراٌ ” طبيعي” في الشرق الأوسط

الصورة لمنظر جوي للقلعة في مدينة حلب القديمة، سوريا بقلم : ستيفاني مولدر ترجمة : …

كيف بدأ تقليد أشجار عيد الميلاد؟

كتبه لموقع انسايكلوبيديا بريتانيكا: آمي تيكانين نشر بتاريخ: 14/ 12/ 2018 ترجمة: سارة الأعرجي تدقيق: …