شخصيتان مهمتان قد تواجها في صالة كانوي من أجل النقاش حول الصراع ما بين نظرة الإسلام من جهة والمجتمع الإنساني من جهة أخرى تجاه العلم والعالم الحديث. جيم الخليلي بصفته رئيساً للجمعية الإنسانية البريطانية وضياء الدين سردار بصفته رئيساً للمعهد الإسلامي.
بدأ النقاش مع جيم الخليلي الذي كان محامياً عن قيم التنوير الأوروبية، مجادلاً بأن “عصر المنطق” كان المسيطر في القرن الثامن عشر، وأن الأوروبيين قد تمسكّوا بالعلم بدلاً من الدين كمنهاج يستطيعون من خلاله أن يفهموا العالم ويستكشفوه. سردار أيّد الرأي القائل بأن المزج بين العلم والإيمان وفّر فهماً كاملاً للعالم، مؤكداً على أن هذا الرأي كان السبب الذي مكّن العلوم في أن تتطور في العصر الذهبي للإسلام.
من وجهة نظر سردار، فأن القرآن ليس مجرد كتاب بسيط، فهو يقول: “لقد كان القرآن بداية للمغامرة وليس نهايتها.” ومشدداً على أهمية وقيمة التفسير المستمر لنصوصه، “الله ليس بمحاسب، هو لم يعطينا كل شئ ويتركنا من دون شئ ليفعله. لقد خلقنا وأعطانا الحرية لكي نفكر. الله أشبه بالمناقش الجيّد، هو لايعطيك أجابات كاملة، بل يترك بعض الأشياء على عاتقك لكي تستكشفها أكثر.”
يوافق جيم الخليلي على هذا الرأي، قائلاً: “بأن التفسير الحرفي للنصوص القرآنية، قد يكون محفوفاً بالمخاطر، لذا يجب تفسيرها مجازياً.” ويضرب مثالاً بقوله: “إن عبارة أينشتاين الشهيرة (إن الله لا يلعب بالنرد) هي عبارة رمزية أستخدمها أينشتاين لكي يعترف أن هناك أشياء لا نستطيع فهمها، لكن هذا لا يمنعنا من محاولة فهمها.
يُعتبر الخليلي محامٍ قوي عن العصر الذهبي الإسلامي للعلوم؛ حيث ألف كتاباً بهذا المجال وأكمل توّاً مسلسل وثائقي بنفس الموضوع من إنتاج قناة الجزيرة. وعلى الرغم من تساؤل الخليلي حول إذا ما كان الغالبية العظمى منهم متدينون ثقافياً أم أنهم أتباع ورعين، إلا أنه يعترف بالتداخل الواضح بين الدين والإيمان خلال تلك الحقبة الوسطى. ولكي يدعم وجهة نظره هذه، يستشهد بأطروحة سيمون شافير: إن من يؤمن بأله واحد، يكون لديه دافع قوي لفهم العالم المخلوق ويستكشف عمل الأشياء حوله مستخدماً الأدمغة التي أعطاها له الله. على سبيل المثال، إن توسع الأمبراطورية الإسلامية في أرجاء الأرض، قاد إلى حاجة المسلمين إلى معرفة إتجاه القبلة لكي يصلّوا، مما أدى إلى قفزات هائلة في صنع الخرائط وعلوم المثلثات وفهم أفضل لعلوم الجغرافيا. إن الحاجة الماسّة لجدول زمني للصلوات والتنبؤ الدقيق بأوقات شروق وغروب الشمس في شهر رمضان، قد دفعت إلى حدوث تطورات كبيرة في علم الفلك وأدت إلى إختراع الأسطرلاب. إن أهمية النظافة إلى جنب الرغبة الشديدة في شفاء المرضى، كانت أيضاً حوافز قوية لتطور مجال الطب آنذاك.
وفي حين أن الخليلي يعترف بأن العلم يجب إعتباره كأيدلوجية، إلا أنه يبقى مجادلاً بأن المواد العلمية يتم إثباتها عن طريق التجربة والخطأ وليس بالأعتماد على “الإيمان الأعمى”. وفي حين أن أفراد من العلماء قد يحملون تحيّزات شخصية، دوغما أو مصالح مكتسبة، إلا أن العلم في حد ذاته يصحح نفسه ذاتياً. وفي حين أنه يعترف أن هذه الحالة ليست دائمية في الممارسات اليومية. على سبيل المثال، نظرية الأوتار مازالت لعبة رياضية بدلاً من إعتبارها نظرية صحيحة طالما لا توجد لدينا طريقة لأختبارها والتحقق منها. وفي رأيه، أن نستمر في البحث عن إجابات وسوف نكون كسالى فكرياً إذا لم نواصل البحث والتحقيق.
سردار يقدّم فكرته بأن المجتمع الإسلامي المبكر كان يملك القناعة والثقة الذاتية الكافية لكي يتعايش بنجاح، لكن بمرور الوقت صارت هذه القناعة تتآكل تدريجياً لتتحول إلى شكل من أشكال السيطرة الإسلامية. “الناس ذوو العقيدة لايعجبهم عدم اليقين” يوضح سردار. والذي أدى الى مزيد من الأجتهاد من قبل الفقهاء لكي يمنعوا ” التفكير الناقد” والذي أدى الى تلاشي العصر الذهبي الأسلامي.
وكما يصفها سردار، كان الوقوع تحت يد الأستعمار الغربي هو بمثابة المسمار الذي دق في نعش العصر الذهبي الإسلامي. كان هذا بعد أن تمكّن الملاحون الأوروبيون من إكتشاف مناطق جديدة في سنة ١٤٩٢م، أمّنت لهم مصادر ثروة بشرية ومعدنية على نحو غير محدود، والذي عمل على زيادة التدفق النقدي الداعم للبحوث العلمية في أوروبا. وفي حين يرى الخليلي أنهم أمتلكوا روح مغامرة جعلتهم يتدخلون في حل أسئلة كبيرة ويكتشفوا أشياء جديدة بأمكاننا أن نحسبها فضيلة لهم، لم يكن سردار مقتنعاً، وجادل بقوله أن قيم التنوير الأوروبي كان لها آثار كارثية على الناس في “العالم الجديد” الذين لم يتم مواجهتم بالأحترام المتبادل “نحن يجب أن لا ننسى أن فلاسفة التنوير الأوروبيين كانوا ينظرون نظرة عنصرية تجاه الثقافات الغريبة، بما فيها الثقافة الإسلامية.”
المؤرخون الحاليون يرون أن إندثار العصر الذهبي الإسلامي للعلوم قد بدأ في القرن الثاني عشر، لكنهم يتجاهلون المساهمات الكبيرة التي حدثت في العصر العثماني حتى القرن الرابع عشر، حيث أن أبن خلدون كان آخر أيقونة في هذا العصر، والذي توفي سنة ١٤٠٦م.
سردار يرى نفسه جزء من العجلة التي تحاول أعادة العقلانية إلى الخطاب الإسلامي عن طريق تقديم برامج الزمالات ونشر المقالات والصحف الإسلامية النقدية من خلال المعهد الإسلامي الذي قام بتأسيسه.
وبدلاً من الأنغماس في الخصومة والجدل، نجح هذا الحدث في تسهيل وصول الحوار إلى الجمهور الذي ضم أكثر من ٤٠٠ شخص من الإنسانويين والمسلمين. وخلال ثلاث سنوات من رئاسة الخليلي للجمعية الإنسانية البريطانية، أثبت نفسه كعضو فعال في الحوار ما بين الثقافات. وأنا أتأمل أن يستمر الرئيس القادم على نفس هذا المسار.
المصدر: هنا