تمكن العلماءُ في حديقة صناعية غير مصنفة بجنوب إنجلترا من صنع مادة جديدة حالكة السواد من الأنابيب النانوية للكاربون. المادة مظلمة للحد الذي يجعل الأمر كالتحديق «في ثقب الأسود». المادة, والتي سُميت بـِ (ڨانتابلاك – Vantablack), تمتص كلَّ الضوء المسلَّط عليها, ماعدا 0.035% من الضوء المنعكس منها. بمعنى آخر, لا تستطيع عينيك رؤيتها – لكن يمكنك رؤية الفراغ (الفضاء) حولها, مما يجعلك تستنتج وجود شيءٍ ما يحتل تلك الهاوية الغامضة. من أوائل الأشخاص الذين أرادوا الحصول على فانتابلاك, هم من قطاعيْ الدفاع والفضاء, حيث يمكن استخدام المادة لصنع مختلف أنواع طائرات التخفي والأسلحة, وتليسكوبات أكثر حساسية ودقة تستطيع كشف أخفت الأضواء لأبعد النجوم.
بشكلٍ أساسي, تُعتبر مادة الفانتابلاك «غابةً» من الأنابيب النانوية للكاربون على رقائق من الألمنيوم. أما الشركة التي صنعت فانتابلاك، (Surrey NanoSystems) التي ستقوم بالنظر إلى أسرار تجارة المادة, فمتحفظة بعض الشيء حول كيفية صنعها للمادة وكيفية عملها.
رغم هذا, توجد إشارة أو لمحة في اسم المنتج نفسه: «ڨانتا» في ڨانتابلاك, وتشير إلى (Vertically Aligned Carbon Nanotube Arrays), وتعني «صفوف الأنابيب النانوية للكاربون المرتبة عمودياً». نعلم أيضًا أن شركة Surrey NanoSystems فخورةٌ بنفسها في مجال عمليات التحلل الذري منخفضة الحرارة، لذا فنحن بالأحرى ننظر إلى «تحلل الطبقات الذرية» أو «تحلل البخار الكيميائي» للأنابيب النانوية للكاربون على سطح من الألومنيوم.
هنالك معلومة أخرى أكثر تقنيةً حول ڨانتابلاك متوفرة في ورقة أبحاث لـِ Optics Express, لكنها تركز بشكل شبه كامل على مدى فعالية أو مدى أهلية هذه المادة لاستخدامها في مجال الفضاء. (dx.doi.org/10.1364/
نحن نعلم من دراساتٍ سابقة أن أنابيب النانو الكاربونية المرتبة عموديًا تسمح للضوء (الفوتونات) بالدخول إذا جُمِّعَت بشكل قريب جدا من بعضها، لكنها لاتسمح للفوتونات بالخروج مجددًا. مبدئيًّا, تكون هذه الأنابيب النانوية (مثل مادة الكَرافين) ماصة بشكل كبير لأغلب أشكال الإشعاعات، لذا تصطدم الإشعاعات بالمادة, ثم تتشتت وتُمتص بشكل فعال جدا بحيث لا يتسرب حتى إشعاع واحد. ولنفس الأسباب المذكورة, ينظر حاليا في مادة الكَرافين لتوظيفها في حساسات الصور عالية الحساسية.
في هذه الحالة, يمتص ڨانتابلاك 99.965% من الإشعاع المسلط، أو بتعبير آخر؛ %0.035 فقط من الإشعاع المسلط على ڨانتابلاك ينعكس منه. لم تذكر الشركةُ المصنِّعةُ المادةِ نوعيةَ الترددات للإشعاع التي تُمتص, لكننا نعلم من الدراسات والبحوث السابقة أن أنابيب الكاربون النانوية ماصة بشكل كبير جدا, لسلسلة طويلة من الطيف الضوئي, مرورًا بالأشعة الفوق البنفسجية والضوء المرئي, إلى الأشعة تحت الحمراء, وانتهاءً بالموجات الدقيقة. لهذا تعتبر ڨانتابلاك مادةً رائعةً للاستخدام في التخفي والأسلحة, واستخدامات عسكرية أكثر. سوف تُستعمل أيضًا في داخل التليسكوبات وأجهزة التصوير الأخرى, حيث يكون لامتصاص الأشعة المشتَّتة تأثيرٌ كبيرٌ في تقليل كمية الضوضاء، وبالتالي زيادة المجال الفعال والدقة.
تحدّث بين جينسن (Ben Jensen), مدير القسم التكنولوجي لشركة Surrey NanoSystems, إلى صحيفة The Independent محاولًا وصف المادة, ولكنه وجد صعوبة في ذلك – لأنها صعبة الرؤية. حتى عندما تقوم بتجعيد أو ثني الـڨانتابلاك, فسوف تبدو تلك المادة – أو بالأحرى, اللاشيء المظلم الذي خلقتْه هذه المادة – مسطحةً كليًا. وقال ستيفن ويستلاند (Stephen Westland), البروفيسور البريطاني الذي لم يكنْ جزءًا من المشروع: «ستتوقع رؤية الثنايا والتجعيدات, لكن كل ما ستراه هو السواد, كثقب, كعدم وجود أي شيء. سوف يبدو غريبصا فحسب. هذه المواد الجديدة هي أكثر المواد التي استطعنا صنعها سوادًا, تقريبا أكثر تقريب تخيلناه للثقب الأسود.»
وأكثر من ذلك؛ تقول شركة Surrey NanoSystems أنها أوصلت أولَ طلبٍ لها من مادة الڨانتابلاك, وأنها الآن تُسرِّع الإنتاج لتلبية حاجة زبائنها الأوائل (وهُم من قطاعي الدفاع والفضاء، مما قد يسُر السامع). وكما بينّا العام السابق؛ طورتْ وكالة ناسا للأبحاث الفضائية مادةً مشابهةً جدا, وسمتها «حالكة السواد» (super-black), ولكن لم يُتحدَّث عن إمكانية إيجادِ وكالة الفضاء طريقةٍ ناجحةٍ لإنتاج هذه المادة بشكل واسع النطاق. حاليًا, بدل المادة حالكةة السواد, تكون دواخل التليسكوبات مغطاة بصبغة سوداء جدًّا (تسمى بـِ Aeroglaze Z306, في حال تساؤلك).
في كلتا الحالتيْن, إنها مسألة وقتٍ فحسب لرؤيتنا – أو عدم رؤيتنا إن صح التعبير – طائراتٍ وسفن ودبابات التخفي, التي تقطع طريقَها عبر البراري ولا تترك وراءَها غير فراغ مثير للجدل والحيرة. لا أُطِق الانتظار. وكما قال نيتشه: «ما تمعن التفكير فيه يوشك أن يكون جزءًا منك.»
المصدر: هنا