وصفَ عالم الفيزياء النظرية المشهور ستيفن هوكينغ نظريةً جديدةً تتمحور حول إمكانية الكون على الفرار من الثقب الأسود. وقد قدﱠم نظريته هذه في هذا الإسبوع خلال محاضرةٍ ألقاها في المعهد الملكي للتكنلوجيا “KTH Royal Institute of Technology”.
تنص هذه النظرية، والتي إستندت على عددٍ من الأفكار التي تطورت خلال عقودٍ من الزمن وحتى الآن، على أنﱠ إمتصاص الثقب الأسود للأشياء من الكون لنْ يفنيها عن الوجود للأبد كما نعتقد. بدلاً من ذلك، يتمﱡ حفظُ المعلومات (وتُعرف المعلومات في علم الفيزياء على أنها جميع خواص الجُسيم الفيزيائية) في حدود الثقب الأسود (أو ما يسمى بأفق الحدث)، وبعد ذلك تُأخذ هذه المعلومات من قِبَل الكون في وقتٍ لاحق.
قال هوكينغ في محاضرته:” أنا أقترحُ بأنﱠ المعلومات لا تُخزن في قلب الثقب الأسود كما يعتقدُ البعض، بلْ إنها تُخزن في حدوده، في أفق الحدث،”. وأضاف قائلاً:” إنﱠ الرسالة التي أودﱡ ايصالها إليكم من خلال هذه المحاضرة هي أنﱠ الثقوب السوداء ليست بهذا السواد الذي تتصورنه، ولا تُمثل سجوناً أبديةً للجُسيمات كما كان يُعتقد بالسابق.حيث يمكن للأشياء الخروج من الثقوب السوداء والعودة إلى كوننا أو إلى كونٍ آخر.”
نحن نعلمُ بأنﱠ الثقب الأسود ينشأ منْ نجمٍ إنهار تحت قوة جاذبيته الخاصة، مما يُكون قوة جذبٍ عاليةٍ جداً تكفي لإمتصاص الضوء نفسه. ولكنﱠ الشيء الذي لا نعلمه والذي دار فيه الجدل بين علماء الفيزياء النظرية في العقود الأربعة المُنصرمة هو ما الذي يحصُل لمعلومات الشيء عندما يتمﱡ إمتصاصه إلى داخل الثقب الأسود؟
في حين تنص ميكانيكا الكم على أنﱡ المعلومات لا يُمكن أنْ تُدمر مطلقاً، حتى في حالة الثقب الأسود، فإن النظرية النسبية تقول عكس ذلك. وبين هاتين النظريتين يوجد ما يسمى بمفارقة المعلومات.
في سبعينات القرن الماضي، لفت هوكينغ الإنتباه عندما إقترح بأنﱡ التذبذبات الكمية (وهي تغيرات مؤقتة في كمية الطاقة تحصل في نقطةٍ معينة من الكون) والتي تقعُ في الثقب الأسود من المُمكن أنْ تسمح للفوتونات (جسيمات الضوء) بالفرار. وقد قال في حينها بأنﱡ هذا الإشعاع لا يحملُ أيةَ معلوماتٍ معه من داخل الثقب الأسود، ولكنه، وفي عام 2004، غير رأيه وقال بأنه من الممكن للمعلومات أن تخرج أيضا من الثقب الأسود.
في منتصف تسعينات القرن الماضي، تناول الفيزيائي الأمريكي ليونارد سوسكند والفيزيائي النمساوي جيرارد تي هوفت ظاهرة مفارقة المعلومات بإقتراحهم بأنه عندما يمتصﱡ الثقب الأسود شيئاً ما إلى داخله، فإنﱠ معلومات هذا الشيء تترك بصمةً هولوغرافية ثنائية الأبعاد في أفق الحدث، والتي تكون على شكل فقاعةٍ تحتوي على ثُقب أسود والذي يجب أنْ يمُر من خلاله كل شيء. وهذا يعني أنه في حين يمكن أن تختفي جميع المعالم الفيزيائية للأشياء التي تدخل في الثقب الأسود، فإنﱠ معلوماتها الأساسية تبقى على قيد الحياة.
من أجلِ مساعدتك على إستيعاب هذا الكلام، تخيل كومةً من الملفات والوثائق تدخل عبر آلة تقطيع الورق، يُمكنك تقطيع الورقة إلى أصغر قطعٍ ممكنة، ولكنﱠ المعلومات التي فيها تبقى ويُمكن إستعادتها. حيث أنك قطعتها إلى قطعٍ صغيرة ولكن الورقة لم تختفي، وإذا ما أُعطيت وقتاً كافياً، فإن جميع هذه الملفات التي قطعتها يُمكن إعادةُ تركيبها واستعادة المعلومات التي فيها. ويُمكن أن ينطبق الشيء ذاتُه على الجسيمات التي تدخل الثقوب السوداء.
يقترح هوكينغ الآن في نظريته هذه بأنه عندما تُقذف الفوتونات إلى خارج الثقب الأسود (وهذه ظاهرةٌ تُعرف بإشعاع هوكينغ) فإنها تلتقطُ معلوماتها الأساسية الخاصة بها والموجودة في أفق الحدث حاملةً إياها معها إلى الكون مرة أخرى. إلا أنﱠ هذه المعلومات الأساسية للفوتونات والعائدة للكون لا يمكن أن تُفيد في أي شيء. حيث قال هوكينغ في المؤتمر” المعلومات الخاصة بالجُسيمات الخارجة من الثقب الأسود تعود، ولكن بصيغةٍ مشوشة وعديمة الفائدة. وهذا يحلﱡ مشكلة مفارقة المعلومات.هذا يعني، وحسب المقاييس العملية‘ بأنﱠ جميع المعلومات قد ضاعت.”
ما الذي نفهمه من كل هذا؟ حسناً، رُبما ليست الثقوب السوداء كما نُحب أنْ نصفها بأنها مستنقعاتُ دمارٍ شامل لا تعرف الرحمة، ويقولُ هوكينغ بأننا يجب أن نتروى قبل أن نطلق مثل هذه الأوصاف على الثقوب السوداء فقد قال في المؤتمر:”إنْ أحسست بأنك في ثقب أسود،لا تيأس، فهنالك طريقةٌ ما للخروج منه.”
إنْ كنت حقاً تنوي النجاة من الثقب الأسود، فلا تُفكر كثيراً بخروجك منه مشوشاً وعديم القيمة.فإننا لا نحتاجُ إلى مثل هذه الأفكار المثبطة عندما نمرﱡ بلحظاتٍ مظلمةٍ كهذه.
المصدر: هنا