————————
ترجمة: سيف البصري
تصميم: أحمــــد ثائــر
———————–
ماذا يعني قانون مور* لنا و لبقية المجتمع؟ التكنولوجيا تتقدم بشكل متسارع. هذا التسارع يهدد أيضاً تعطّل النظم القانونية، المجتمع و الاقتصاد، كما يحذّر مؤلّفا كتاب Pardon the Disruption.
مبدأ الـ Stare decisis هو مبدأ قانوني معروف في الأوساط القضائية الأنجلو-أمريكانية و الذي يلزم القضاة باحترام السوابق التي وضعتها الأحكام القضائية السابقة. هذا المبدأ يشكّل قلب النظام القضائي الأمريكي و يجبر القانون على التحرّك مثل الأنهار الجليدية. هذا بدوره يمكن أن يكون عقبة عندما تغيّر التقنيات حياتنا بالسرعة التي هي عليها الآن.
يكن النظام القانوني اهتماماً كبيرا لفكرة أن الناس يعرفون القوانين مقدماً، حتى يتمكنوا من الانخراط في التجارة و الاعتماد على أن المحاكم سوف تنفّذ العقد على النحو المنشود بين الأطراف التجارية. و لأن القانون وجد ليكون أداة للعدالة و ليس فخاً للغافلين، فالتغييرات واسعة النطاق و السريعة في مجال التكنولوجيا حجّمت من قدرة المواطنين على استباق التغيّرات في القانون. براءات الاختراع، على سبيل المثال، كان القصد منها توفير حماية للمخترعين و تحفيز الابتكار. و لكن في القرن الحادي و العشرين، أصبحنا نرى الشركات الكبيرة تقوم بشراء الآلاف من براءات الاختراع لدرء المنافسة. عندما يتم التخطيط و النظر في صنع منتجات الجديدة، تصبح احتمالية نشوب معركة براءات اختراع حول الملكية الفكرية عالية جداً. شركة أبل فازت مؤخراً بحكم قضائي وصل لمليار دولار ضد سامسونج بتهمة التعدّي على براءات الاختراع الخاصة بهم حول جهاز iPhone. و رغم أنها ليست ضربة قاضية لسامسونج، لكن القرار هذا سيجعل الشركات المصنّعة الأصغر تفكّر مرتين قبل الدخول إلى مجال تصنيع الهاتف الخليوي
في الوقت الذي ظهرت فيه براءات الاختراع لحماية حقوق المخترعين، أصبحت الآن سلاحاً هجومياً. اشتري ما يكفي من براءات الاختراع، حينها يمكنك طرد أي منافس زاعماً أنه قد تعدّى على براءات الاختراع. شركات الجينوم تلهث بدورها أيضاً خلف براءات الاختراع في أسرع وقت ممكن لتجميد المنافسين في مجالات الأبحاث الجينية. في حزيران عام 2013، قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بأن الجينات البشرية الطبيعية لا يمكن إخضاعها كبراءة اختراع، لكن المشهد القانوني لبراءات الاختراع الجينية لا يزال بعيداً.
خصوصية الشخص، و بالتحديد التركيب الجيني الذي يمكن تعديله لتخفيف المعاناة الإنسانية أو تحسين الحالة الصحية، أصبحت مسألة قانونية بين عشية و ضحاها. المشكلة أن النظام القانوني الحديث ليس مؤهلاً و لا متكاملاً لاحتواء المشاكل التي يدفع بها التقدّم التقني و بسرعة هائلة.
تكنولوجيا الحقيقة؟
التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) هي تقنية لقياس و رسم خرائط تجسّد النشاط العصبي في الدماغ و التي تسمح لعلماء النفس مثلاً من مراقبة الدماغ أثناء النشاط و التفكير. شركتي No Lie MRI Inc و مؤسسة Cephos، تدّعيان أنهما تستطيعان استخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد بشكل قاطع ما إذا كان الشخص يقول الحقيقة أو يكذب. كما نعرف، الدماغ يخزن المعلومات في الذاكرة و قادر أيضا على خلق الأوهام. فرضية اختبار مسح الدماغ للكشف عن الكذب بسيطة للغاية: يتم وضع الشخص تحت جهاز مسح الرنين المغناطيسي الوظيفي، و بينما يجيب على الأسئلة، يراقب الكاشف و يلاحظ وظيفة الدماغ لتحديد مناطق الاستجابة. عندما يقول الحقيقة، يستدعي الدماغ المعلومات عن طريق التوصيل العصبي إلى المنطقة التي تم فيها تخزين المعلومات، الذاكرة. عندما يكذب، يستخدم الدماغ الجزء المسؤول عن توليد الأوهام. إذا كانت إجابتك مصاحبة لاستجابة مناطق توليد الخيال بدلاً من الذاكرة، فإن الجواب يكاد يكون كذبة. تقنية المسح الضوئي ستصبح أكثر دقة في المستقبل القريب، و نفس الشيء ينطبق على الخوارزميات التي تحلل وظيفة الدماغ. في فترة زمنية ما، هذه التكنولوجيا قد تحل محل هيئة المحلّفين في المحاكم و سنعرف على وجه اليقين ما إذا كان شخص ما يقول الحقيقة أو يكذب.
بالطبع لا أحد لديه الحق بالكذب أثناء إدلاء الشهادة في المحكمة. فإذا يمكن للتكنولوجيا أن تكشف لنا مع اليقين العلمي ما إذا كان الشخص يقول الحقيقة، لماذا لا نضع الجهاز الكاشف فوق منصة الشهود؟ حيث عندما يدلي الشهود بأقوالهم، فإن المحكمة تكون قادرة على استنتاج مصداقية الشهادة في نفس الوقت. حمايتنا من المتهمين الكاذبين تمثّل إحدى إيجابيات تكنولوجيا المسح الرنيني، ولكن المتهمين و الشهود ليسوا وحدهم الذين ستؤثر عليهم هذه التكنولوجيا. الشرطة، أيضاَ، لن تكون قادرة على افتعال سبب محتمل. فالمحكمة و هيئة المحلفين ستتمكن من معرفة ما إذا كان دليل الشرطي قادم فعلاً من الذاكرة أو هو مجرّد تلفيق ذكي يهدف الى خداع المحكمة و بالتالي مواجهة الفساد الحكومي كذلك.
تقاسم الطرق مع المركبات الروبوتية
انتشار السيارات الذكية التي يتحكّم بها ذكاء اصطناعي سوف يغيّر تقريباً كل جانب من جوانب النظام الاقتصادي. فالسيارات الروبوتية تكون متاحة للمستهلك العادي، و سوف تقود نفسها على الطرق العامة، كما ستحل محل السيارات التقليدية. في كل عام، هناك ما يقرب من 33.000 حادثاً مميتاً في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات الإدارة الوطنية للطرق السريعة و سلامة النقل. أعداد الوفيات و الإصابات الكارثية ستتقلّص إلى حد كبير عندما تقوم الآلة الذكية بالسيطرة على جميع وسائل النقل. الحوادث التي يسببها السائقون من البشر الذين هم في حالة سكر، أو من هو مراهق، غاضب، مشتت تركيزه، في عجلة من أمره، كبير في العمر، متهور، يريد الانتحار، أو حتى مجرد سائق غبي، كلها ستختفي. كما سيتم استبدال السائقين المحترفين الذين يقودون عجلات و عربات التسليم و النقل الكبيرة. كذلك المركبات التجارية لن تحتاج أبداً إلى النفقات اليومية للسائق و لا للتأمين الصحي. مجال كامل من السائقين المحترفين سيبدأ بالزوال. و نتيجة لذلك، فإن المحامين المتخصصون في قضايا حوادث السيارات سيضطرون إلى اللجوء لمجالات قانونية أخرى. فعندما لا تكون هناك جريمة، ليست هناك حاجة للدفاع أو الاتهام. و هنا سنشهد كيف أن التكنولوجيا ستساهم في إزالة السائقين الثملين من الشوارع، تخفيف اكتظاظ السجون و إلغاء دعاوى المحاكم المثقلة. مع السيارات الروبوتية، سنكون قد هندسنا السائق المثالي.
ليس هذا فقط، في الولايات المتحدة مثلاً، يبلغ عدد السيارات التي يتم استبدالها بعد الحوادث حوالي 5 ملايين سيارة سنوياً. عندما يتم تشغيل المركبات على النحو الأمثل عن طريق آلات ذكية، سوف ينخفض معدّل الاصطدامات بشكل ملحوظ، كما أن سياراتنا لن تتعرض لاستخدام خاطئ للفرامل أو لتباين مضطرب أثناء التسارع أو التباطؤ. و بالتالي ستقل الحاجة لإصلاح أو استبدال بعض أجزاء السيارة و قطع الغيار الأخرى، الشيء الذي ستعاني منه شركات التصنيع المختصة.
بينما ستنخفض الحوادث و التصادمات بشكل كبير، ستبقى مع ذلك إمكانية وقوع حوادث في بعض الأحيان مسببة جروح خطيرة و حتى حالات وفاة.
عندما يكونا التشغيل و قيادة السيارة تحت تحكّم ذكائها الاصطناعي، فإن المسؤولية التقصيرية القائمة على الخطأ أثناء الحادث، ستبرّأ المالك من المسؤولية، الذي لن يلعب دوراً سوى كونه الراكب. و عندما تعلم الشركات المصنّعة من البداية أن سياراتها سوف تكون مسؤولة قانونياً عن جميع الإصابات الناجمة عن فشل منتجاتها، فإنها ستحاول من تخطيط تلك المخاطر في سعر السيارة الروبوتية، و بالتالي سيقوم النظام بإيجاد بطريقة تحمي العامة، السائق، و تكون عادلة للمنتج.
كذلك يمكن للحكومات أن تسن تشريعات قانونية تتطلب الصندوق الأسود في جميع المركبات، بحيث يمكن بسهولة أن يتم تحديد أسباب الفشل. صناعة السيارات بدورها ستحاول دراسة و معالجة المخاطر المرتبطة بالإصابات التي يتعرْض لها الراكب و تأمين المركبة ضد هذه المخاطر بأفضل وسائل ممكنة.
لا بد من أن نضع في اعتبارنا أن التكاليف الفعلية ستكون أقل بشكل كبير من ما هي عليه في النظام الحالي. فتأمين السائقين الثملين أو المتشتت انتباههم، و الذين يكثرون من الحوادث، عادةً ما يكون مكلفاً. لكن عندما تحكّم المركبة بالقيادة، يكون السؤال الوحيد و الأهم أثناء التقاضي، فإن السؤال الحقيقي الوحيد هو حجم الضرر الذي لحق بالضحية. حينها سيتم خفض تكاليف التقاضي إلى أقل من نصف قيمتها الحالية دون ضرورة إثبات خطأ، و هذا من شأنه أن يجعل تقييم التعويض أكثر موثوقية. إذا كنا نبحث عن حالة فوز-فوز فهذا أفضل حل مكن.
و لكن ماذا عن الوظائف؟!
تحسينات هائلة في التكنولوجيا خلقت في ثروة جديدة في السنوات الأخيرة. الآن، و للمرة الأولى في التاريخ، لم تعد الأرض ما يهم كثيراً من أجل خلق الثروة كما هو الابتكار و الإبداع الذي يزيد من الإنتاجية و يرفع مستوى المعيشة في جميع أنحاء العالم المتقدم. التقدم التكنولوجي المستمر عطّل العديد من الصناعات، و في كثير من الحالات، تلك التطورات السريعة برهنت على أن قدرتها في محي وظائف حقيقية سادت السوق سابقاً، مثل النشر و الموسيقى و بعض مجالات التصنيع.
ماذا عن خلق فرص عمل جديدة؟
عندما تفكّر في خلق فرص عمل، استبدل كلمة فرص عمل بـ “تكلفة المرتّبات” [تكلفة الراتب و الضرائب و التأمينات التي يدفعها رب العمل لكل عامل]. الأمر يبدو غريباً بعض الشيء، أليس كذلك؟
في الواقع، هذا هو بالفعل ما يهم! و ذلك لأن هذه هي الطريقة التي يرى و يقيّم من خلالها صاحب العمل القوى العاملة. فإذا كانت الشركة في وضع حرج أو تحاول الكفاح من أجل البقاء في السوق، سيكون هدفها هو زيادة الربح، و ليس خلق فرص العمل.
التباين و عدم التوافق بين الأهداف الحكومية لخلق فرص عمل جديدة من خلال الإنفاق و التحفيز و بين أهداف القطاع الإقتصادي، الشركات و المؤسسات التي يفترض أن تساهم في حل مشكلة البطالة (القطّاع الخاص)، هما بلا شك جزء من أكبر العقبات الاقتصادية اليوم.
لكن ماذا لو قامت الحكومات بدفع و دعم القطّاع الخاص من أجل توفير فرص عمل كوسيلة لتعزيز الصالح العام؟
الشركات التي استفادت من التطوّرات التكنولوجية التي تزيد من الإنتاجية، يمكنها أن تشغل الناس لتوفير خدمات عامة مثلاً، كما يكتب أستاذ الاقتصاد بيل واتكينز لـ NewGeography.com: “تبين أن الوظيفة تكلفتها أقل من الإعالة، و هذا هو السبب في أننا بحاجة إلى النمو الاقتصادي. فالوظائف و فرص العمل تمنحنا بعض الأشياء التي يعجز الاستهلاك عن توفيرها. أعتقد أن هذه تتمثّل في العزِّة، الكرامة، و غاية في الحياة”.
التكنولوجيات الجديدة التي خلقت مع بزوغها صناعات و فرص عمل جديدة، هي الآن تكتفي بخلق إنتاجية جديدة و عالية دون وظائف موازية. [الكاتب هنا يتحدث بصورة عامة و على نطاق واسع، لأن التقنية الحديثة تستحدث أيضاً مهام و وظائف جديدة، لكنها لمتخصصين و بحيز صغير مقارنةً مع حجم الإنتاج].
أجهزة الكمبيوتر، الروبوتات، الذكاء الاصطناعي و التقدّم التكنولوجي جميعها غيّرت من شكل اللعبة الاقتصادية برمّته. من وجهة نظر تجارية، تحسين الإنتاجية هو شيء جيد؛ لكن من وجهة نظر الموظفين العموميين المسؤولين عن خلق فرص عمل لناخبيهم، الأمر ليس كذلك. قد يكون هذا أكبر إخلال نواجهه على صعيد معالجة البطالة.
________________
*http://bit.ly/1mejQ1R
المصدر: http://bit.ly/VmU8Dt
#المشروع_العراقي_للترجمة
Like ✔ Comment ✔ Tag ✔ Share ✔